عندما يتعرض مواطن بريطاني لاعتداء من أي نوع وفي أي بلد من بلدان العالم، تنشط الإدارات الإعلامية البريطانية، وتجعل من حدث الاعتداء خبراً رئيساً في مقدم نشراتها الإخبارية، وتشبعه بالتحليل والتجهير والتشريح في برامجها المختلفة... وعندما يحدث أمر مشابه لمواطن أميركي في أقاصي الدنيا، فإن وسائل الإعلام الأميركية تتسابق إلى عرض الحادثة في فترات بثها الرئيسة، محاولة التأثير على اتجاهات الرأي العام الأميركي من أجل أن يتبنى القضية لتحويلها من حالة فردية إلى قضية وطنية كبرى! لكن عندما يتعلق الأمر بمواطن سعودي"يُجلد"في أحد شوارع لندن، فإن إعلامنا الموقر يجنح إلى تجاهل الموضوع، وكأن الأمر يخص أحد أبناء جزر واق الواق! تابعت - مثل غيري من القراء الكرام - سلسلة الأخبار والتقارير التي كتبها الزميل ناصر البراق في جريدة"الحياة"عن حادثة الاعتداء العنصري الذي تعرض لها الطالب السعودي محمد الحجيلان في بريطانيا قبل أسابيع قليلة، واستغربت جداً من تجاهل بقية وسائل الإعلام السعودية لهذه الحادثة وعدم التطرق لها لا من قريب ولا من بعيد، وكأن خبر كشف الحادثة لا يعدو كونه سبقاً صحافياً فازت به"الحياة"، ولا يجوز لجرائدنا ومطبوعاتنا، ووسائل إعلامنا الأخرى أن تتناوله من جديد! واليوم سأعيد كتابة أحد التقارير التي نشرتها"الحياة"بقلم الزميل البراق، طمعاً في وجود من يصيخ السمع وهو شهيد من زملائنا الصحافيين في الجرائد الأخرى، يقول التقرير"في الوقت الذي أكد فيه الرئيس العام للأندية والمدارس السعودية في بريطانيا محمد آل الشيخ، متابعة السفارة السعودية للاعتداء العنصري الذي تعرض له المبتعث السعودي محمد الحجيلان، كشف طلاب سعوديون عن مضايقات عنصرية تعرضوا لها في المملكة المتحدة... وكانت"الحياة"نشرت أمس تفاصيل الاعتداء على طالب الدكتوراه الحجيلان في نوريتج الذي ضربه 12 بريطانياً بعصي، وكانوا يرددون عبارات عنصرية، ما أدى إلى كسر أنفه وإصابته في الرأس وفي محيط العين، قبل أن يسلبوا"جواله"و"نقوده"! وزاد من تعقيد القضية، عدم تجاوب الشرطة البريطانية مع البلاغ، الذي تقدم به الطالب السعودي إليها، وهو ما دفع الأخير إلى إخطار وسائل بريطانية بالحادثة، واتهام السلطات هناك بالعنصرية، وبثت قناة"آي تي في"المستقلة وإذاعة"بي بي سي"تقريراً عن الحادثة، كما كشف طلاب سعوديون في حديث مع"الحياة"أمس عن مضايقات عنصرية تعرضوا لها في بريطانيا خلال الفترة الماضية، وقال طالب يدعى ناصر فضل عدم الكشف عن اسمه كاملاً"أوقفتني دورية مرور في أحد شوارع لندن، وطلب قائدها الذي كان برفقته اثنان من زملائه أوراقي الثبوتية الخاصة بسيارتي، وبعدما تأكد من نظاميتها سألني عن جنسيتي فأخبرته أنني سعودي، فأخذ يتهكم ويسخر مني ومن سيارتي، قائلاً لم لا تشتري سيارة فاخرة؟ ينبغي أن تعلم يا عزيزي أن النفط لا يشرب ولا يؤكل، وإنما تركب منه وتلبس"، وأشار الطالب نفسه إلى أن شرطي المرور أعقب كلماته هذه بعبارات ساخرة وسط قهقهات من زملائه"! ويشير الطالب ع.ع إلى أنه ذهب وعائلته إلى حديقة يرتادها أهل المدينة التي يدرس فيها قبل فترة قائلاً:"توجه ثلاثة شبان إلى زوجتي وطلبوا منها خلع الغطاء عن وجهها، فاستنجدت بي وتوجهت إليهم فلم يكترثوا بقدومي، ما دفعني إلى الاتصال بالشرطة، التي أرسلت جندياً وصل وأنا في جدال حاد مع الشبان... ولفت إلى أنه توقع من الشرطي أن يوقف الشبان عند حدودهم، إلا أن تصرفه أحبطني، إذ انه فتح حواراً مع المعتدين في حضوري، وأبلغهم انزعاجه الشخصي من وجود المهاجرين في بريطانيا، الذين يرى أنهم يشكلون خطراً على الأمن ونظام البلد، ما دفعني إلى ترك الحديقة والاتجاه إلى منزلي"! ويروي الطالب منصور أنه بعد وصوله بفترة قصيرة إلى بريطانيا ركب حافلة متجهاً إلى الجامعة، وفور جلوسه على مقعده أخذ مجموعة شبان يرددون عبارة Go Home اذهب إلى ديارك،"ولأنني لم أفهم ما يقصدون، توقعوا أنني غير آبه بهم، فانهالوا علي ضرباً، ولم يتحرك سائق الحافلة أو أي من الركاب لمساعدتي، وأضاف أنه ذهب بعد الاعتداء إلى صيدلية، وابتاع أدوية لعلاج الكدمات التي لحقت به"! ويقول الطالب ي.ن إن إحدى المعلمات في المعهد الذي يدرس فيه، حضرت إلى القاعة ذات يوم وهي ترتدي برقعاً وعباءة، ووقفت أمام الطلبة قائلة:"هذا ما تُجبر على لبسه المرأة في السعودية"، وهو ما أحدث نقاشاً حاداً بين طلاب صينيين وأوروبيين كانوا في القاعة مع زملائهم السعوديين،"وحاولنا توضيح أبعاد مسألة الحجاب لدى المسلمين، إلا أن لغتنا الإنكليزية الضعيفة حينها لم تساعدنا"، وتابع:"بعد نهاية الدرس، واجهنا اتهامات باحتقار المرأة، حتى أن بعض الطالبات في المعهد، قاطعن الطلاب السعوديين". من ناحيته قال الرئيس العام للأندية والمدارس السعودية في بريطانيا محمد آل الشيخ في اتصال مع"الحياة"أمس:"اتصلت بالأخ محمد الحجيلان واطمأننت على صحته، وهو بخير وصحته مستقرة، إلا أنه محبط من تقاعس السلطات البريطانية عن القيام بدورها تجاه قضيته"، وأضاف"رفعنا تقريراً مفصلاً عن الواقعة إلى الجهة المختصة في سفارة خادم الحرمين الشريفين في المملكة المتحدة، كما كشف عن أن حادثة"الحجيلان"هي الثانية من نوعها لمواطن سعودي في نوريتج،"إذ حدث الاعتداء على ابن مبتعث قبل شهر، وأوكلت السفارة محامياً في هذه القضية، لكن السلطات البريطانية لم تتخذ القرار المأمول حتى الآن، وهو ما أصابنا بالخيبة والآسف"- انتهى تقرير البراق. وكما تلاحظون من خلال سياقه، فإن بعضاً من طلبتنا في بريطانيا، البالغ عددهم أربعة آلاف مبتعث، يتعرضون لاعتداءات عنصرية بين الحين والآخر، ومع أن سفارة خادم الحرمين الشريفين في بريطانيا تبذل كامل جهدها وترمي بعظيم ثقلها لحماية ورعاية السعوديين الموجودين في بريطانيا، إلا أن هذا وحده لا يكفي، فالواجب على وسائل إعلامنا أن تتبنى حملة ضخمة تتضامن مع الجهود السياسية التي تقوم بها الجهات الحكومية ذات العلاقة، لأن صوت الإعلام في مثل هذه القضايا قوي إلى الدرجة التي تطمئن المواطن في الداخل وفي الخارج، وتلفت نظر الدول الأخرى إلى مصالحها في المملكة! وزارة الخارجية السعودية لن تألو جهداً في الوقوف بحزم ضد ما يكدر صفو الرعايا السعوديين في الخارج، لكن إعلامنا المحلي مطلوب منه في الجهة المقابلة أن يتبنى قضايا السعوديين أينما كانت، ليجعل منها قضايا رأي عام. * إعلامي سعودي [email protected]