يأخذ الجدل كثيراً من الوقت حول أهمية التحكيم كأداة مهمة من أدوات فض المنازعات التجارية الدولية وذلك أن التحكيم بطبيعته غالباً ما يكون خارج إطار القضاء الوطني للدولة الطرف في النزاع، وإنما يكون اللجوء إلى هذه الطريقة، أي طريقة التحكيم نسبة للمميزات العديدة التي حظي بها من سهولة في التكاليف ومرونة في الإجراءات واقتصاد في الوقت. ولذا فإن التنفيذ الخاص بالأحكام الصادرة عن طريق التحكيم تصبح هماً تشريعياً لا يقل أهمية عن الحكم الصادر، ذلك أن الحكم بلا تنفيذ يصبح كالعدم يجلب ظلماً، ولهذا درج كثير من التشريعات الوطنية، سواء في صلب تشريعاتها الخاصة بالمرافعات أم في قوانين خاصة بالتحكيم على معالجة صدور وتطبيق الأحكام الخاصة بالتحكيم وكيفية هذا الإجراء. وحري بنا التنويه هنا إلى فقرة مهمة في التوصيات الخاصة بالمؤتمر العلمي السنوي الخامس في كلية الحقوق بجامعة المنصورة في مصر ألا وهي أنه "على القضاء والمتعاملين، وجهات التنفيذ الوطنية أن تتذرع بقانونها الداخلي وباعتبارات النظام العام لتعطيل تنفيذ أحكام الاتفاقات، التي انضمت إليها بشأن التحكيم أو أحكام التحكيم الأجنبية، فإعمال الدفع بالنظام العام يجب أن يقتصر على الحالات الخطيرة الواضحة التي ينتهك فيها حكم التحكيم القواعد الأساسية للأخلاق والعدالة في الدولة التي يجري التنفيذ على أرضها، فالأصل في الدفع بالنظام العام أنه وسيلة دفاعية لا يجوز أن يتحول إلى وسيلة هجومية لتجريد حكم التحكيم من أثره وجدواه، كما جاء في الفقرة 2/ثانياً "انه لما كانت قواعد القانون الدولي الخاص، قد استقرت على أن إجراءات تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي تخضع لقانون الدولة التي يجري التنفيذ على أرضها فإن ذلك يفتح الباب أمام دولة التنفيذ لتعطيل تنفيذ الحكم عن طريق المبالغة في الإجراءات، ويكمن الحل في توحيد إجراءات التنفيذ على مستوى الدول خصوصاً المنظمة لاتفاق نيويورك لعام 1958 في شأن الاعتراف بأحكام التحكيم وتنفيذها، ومع مراعاة عدم التوسع في مفهوم الإجراءات الواردة في هذا الاتفاق. وهنالك شروط مهمة لتنفيذ الأحكام الصادرة بشأن التحكيم التجاري الدولية ولعل أهم تلك الشروط ابتداءً: وجوب أن تكون تلك الأحكام أولاً ذات طبيعة قضائية وأن تكون أجنبية أي صادرة في بلد خلاف بلاد التطبيق أو التنفيذ، أن تكون مدنية نهائية حتى يمكن القول بمعاملتها معاملة الأحكام القضائية الوطنية، وتشترط بعض الأحكام في بعض الدول لتنفيذها لتقديم صورة معتمدة من الحكم، مصحوبة بشهادة صادرة من الجهة القضائية تفيد حيازة الحكم لقوة الأمر المقضي به، وقد وجهت لهذا الشرط الكثير من الانتقادات، لأنه يقدح في ما تم الاتفاق عليه بشأن أحكام التحكيم الدولية، وهنالك حالات عامة نصت عليها كثيراً من التشريعات تؤدي إلى رفض تنفيذ حكم التحكيم، ومنها مثلاً إذا كان قانون الطرف المتعاقد المطلوب إليه الاعتراف أو تنفيذ الحكم لا يجيز حل موضوع النزاع عن طريق التحكيم، وإذا صدر الحكم تنفيذاً لشرط أو لعقد تحكيم باطل أو لم يصبح نهائياً، وإذا كان المحكمون غير مختصين طبقاً لعقد أو شرط التحكيم أو طبقاً للقانون الذي صدر حكم المحكمين على مقتضاه، وذلك إذا لم يتم إعلان للخصوم على الوجه الصحيح، وأخيراً إذا كان في الحكم ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو النظام العام أو الآداب لدى الطرف المتعاقد المطلوب التنفيذ لديه. ونجد هنا من المفيد الإشارة إلى اتفاق نيويورك المعلق بالاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الصادرة بتاريخ 1-6-1958، والسارية اعتباراً من 7-6-1959 بأن أحكام هذا الاتفاق تسري على ما يصدر من أحكام تحكيم في دولة ويراد تنفيذها في دولة أخرى، إذ إن معيار صفة الأحكام الأجنبية أساساً هو معيار جغرافي، ولكن الاتفاق مد نصوصه لتسري أيضاً على تنفيذ أحكام التحكيم التي تصدر في دولة ويراد التنفيذ فيها إذا كان قانون بلد التنفيذ لا يعتبر هذه الأحكام أحكاماً وطنية، ومثال ذلك أحكام التحكيم التي تصدر من مراكز تحكيم دائمة، فهذه الأحكام لا تعتبر وطنية في العديد من التشريعات وتلتزم الدول الموقعة على الاتفاق بالاعتراف بحجية حكم التحكيم وتتخذ ما يلزم للأمر بتنفيذه وفقاً للقواعد الإجرائية السارية في بلد التنفيذ وتلتزم الدول بعدم فرض رسوم أو إجراءات أكثر ارتفاعاً بشكل ملحوظ أو أكثر تشدداً عما تفرضه لتنفيذ أحكام التحكيم الوطنية، ويجب على طالب التنفيذ أن يرفق مع طلبه أصل الحكم الرسمي أو صورة رسمية وأصل اتفاق التحكيم أو صورة رسمية منه علاوة على ترجمة معتمدة إذا كانت هذه الوثائق محررة بلغة تختلف عن لغة الدولة المراد تنفيذ الحكم فيها ويجب أن تكون الترجمة معتمدة بشهادة مترجم رسمي أو أحد رجال السلك الديبلوماسي أو القنصلي، ويقدم الطلب إلى السلطة المختصة في دولة التنفيذ، ولا يجوز لهذه السلطة رفض الاعتراف بالحكم وتنفيذه من تلقاء نفسها إلا في حالتين كما ورد سابقاً، الأولى: إذا كان قانون بلد التنفيذ لا يجيز تسوية النزاع عن طريق التحكيم والثانية: إذا كان الاعتراف بالحكم أو تنفيذه يصطدمان بالنظام العام في بلد التنفيذ وكذلك حرص الاتفاق بشأن الخصم المراد التنفيذ ضده من تنفيذ الحكم فألزمته كي يمنع الاعتراف بالحكم وتنفيذه بأن يثبت توافر حالات معينة هي أولا: عدم أهلية أطراف اتفاق التحكيم أو عدم صحة هذا الاتفاق وفقاً للقانون الذي اختاره الأطراف بإرادتهما أو لقانون البلد الذي صدر فيه الحكم، وثانياً: عدم إعلان الخصم المطلوب التنفيذ ضده إعلاناً صحيحاً بتعيين المحكم أو بإجراءات التحكيم أو إثبات أنه استحال عليه لأي سبب آخر، تقديم دفاعه، وثالثاً: تجاوز الحكم لحدود النزاع المعروض وفقاً لاتفاق التحكيم أو الفصل في نزاع غير مطروح وفقاً لهذا الاتفاق، وأنه يمكن منع التنفيذ في حدود هذا التجاوز إذا أمكنت التجزئة، ورابعاً: مخالفة قواعد تشكيل هيئة التحكيم أو إجراءاته للقانون الذي اختاره الأطراف وإلا فوفقاً لقانون بلد التحكيم وخامساً: ان الحكم لم يصبح ملزماً للخصوم أو تم إلغاؤه أو وقفه من السلطة المختصة في الدولة التي صدر فيها الحكم أو وفقاً لقانون الدولة التي صدر الحكم وفقاً لأحكامه؟ يذكر أنه للسلطة المعروض عليها الحكم أن توقف الفصل إذا ثبت أن هذا الحكم قد طلب إلغاؤه أو وقفه أمام السلطة المختصة. ولها عند طلب التنفيذ إلزام الطرف الآخر بتقديم تأمينات كافية. مستشار قانوني [email protected]