وزير الدفاع والسفير الصيني لدى المملكة يستعرضان العلاقات الثنائية بين البلدين    محافظ الطائف يلتقي مديرة الحماية الأسرية    موافقة خادم الحرمين الشريفين على استضافة 1000 معتمر من 66 دولة    ترسية المشروع الاستثماري لتطوير مستشفى متخصص لعلاج الإدمان    جمعية "إرادة" تحقق الذهبية في جائزة التجربة التعليمية    الخريجي وسفير أمريكا لدى المملكة يستعرضان العلاقات الثنائية بين البلدين    نائب أمير منطقة مكة يستقبل المندوب الدائم لجمهورية تركيا    تعيين الشثري رئيساً تنفيذياً لهيئة المنافسة    إحباط 3 محاولات لتهريب أكثر من 645 ألف حبة محظورة وكمية من مادة «الشبو»    أمير الشرقية يدشن مشروع كاميرات المراقبة الذكية بالمنطقة الشرقية    المملكة تدين القصف الإسرائيلي على مدرسة أبوعاصي في غزة    وزير الصحة: 10 % نموي سنوي لقطاع الأدوية بالمملكة    مشاركة عربية قياسية محتملة في أمم أفريقيا 2025 وغياب غانا والرأس الأخضر أبرز المفاجآت    أكثر من 6 ملايين عملية إلكترونية عبر «أبشر» في أكتوبر 2024    تدشين 3 عيادات تخصصية جديدة في مستشفى إرادة والصحة النفسية بالقصيم    محافظ الطائف يلتقي مديرة الحماية الأسرية    انتظام اكثر من 389 ألف طالب وطالبة في مدراس تعليم جازان    رئيس مجلس الشورى يرأس وفد السعودية في الاجتماع البرلماني بدورته ال 29 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في باكو    "سعود الطبية" تستقبل 750 طفلاً خديجًا خلال 2024م    "وزارة السياحة": نسبة إشغال الفنادق في الرياض تجاوزت 95%    "دار وإعمار" تختتم مشاركتها في "سيتي سكيب جلوبال" بتوقيعها اتفاقياتٍ تمويليةٍ وسط إقبالٍ واسعٍ على جناحها    نمو سجلات الشركات 68% خلال 20 شهراً منذ سريان نظام الشركات الجديد    "المواصفات السعودية" تنظم غدًا المؤتمر الوطني التاسع للجودة    "الأرصاد"سماء صحو إلى غائمة على جازان وعسير والباحة ومكة والمدينة    وزير الرياضة يشهد ختام منافسات الجولة النهائية للجياد العربية (GCAT)    المكسيكي «زوردو» يوحّد ألقاب الملاكمة للوزن الثقيل المتوسط لWBO وWBA    «الطاقة»: السعودية تؤكد دعمها لمستقبل «المستدامة»    شمال غزة يستقبل القوافل الإغاثية السعودية    اللجنة المشتركة تشيد بتقدم «فيلا الحجر» والشراكة مع جامعة «بانتيون سوربون»    بيولي ينتظر الدوليين قبل موقعة القادسية    منتخب هولندا يهزم المجر برباعية ويلحق بالمتأهلين لدور الثمانية في دوري أمم أوروبا    «إعلان جدة» لمقاومة الميكروبات: ترجمة الإرادة الدولية إلى خطوات قابلة للتنفيذ    5 فوائد صحية للزنجبيل    بيني وبين زوجي قاب قوسين أو أدنى    الإستشراق والنص الشرعي    المتشدقون المتفيهقون    السخرية    المؤتمر العالمي الثالث للموهبة.. عقول مبدعة بلا حدود    أمن واستقرار المنطقة مرهون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة    تجاوز الدحيل القطري.. الخليج ينفرد بصدارة الثانية في «آسيوية اليد»    اكتشاف تاريخ البراكين على القمر    محافظ محايل يتفقد المستشفى العام بالمحافظة    «واتساب»يتيح حفظ مسودات الرسائل    البيان المشترك الصادر عن الاجتماع الثاني للجنة الوزارية السعودية- الفرنسية بشأن العُلا    إطلاق النسخة الرابعة من «تحدي الإلقاء للأطفال»    الحكمة السعودية الصينية تحول الصراع إلى سلام    الابتسام يتغلّب على النصر ويتصدّر دوري ممتاز الطائرة    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    رحلة قراءة خاصة براعي غنم 2/2    حكم بسجن فتوح لاعب الزمالك عاما واحدا في قضية القتل الخطأ    ألوان الأرصفة ودلالاتها    وطنٌ ينهمر فينا    المرتزق ليس له محل من الإعراب    خطيب المسجد الحرام: احذروا أن تقع ألسنتكم في القيل والقال    أمير تبوك يطمئن على صحة الضيوفي    ختام مسابقة القرآن والسنة في غانا    أمير الباحة يكلف " العضيلة" محافظاً لمحافظة الحجرة    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اتفاقية نيويورك حول الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية . تنفيذ أحكام المحكمين الأجانب بين اتفاقيتي نيويورك وجنيف
نشر في الحياة يوم 09 - 01 - 2001

حققت اتفاقية نيويورك 1958 تقدماً هائلاً على اتفاقية جنيف عام 1927 عصبة الأمم على صعيد تنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية.
ولم تعط اتفاقية جنيف أفضلية لأحكام التحكيم الأجنبية على الأحكام القضائية الأجنبية وأخضعت تنفيذ الأولى لنظام تنفيذ الأخرى نفسه. وكما يقول الفقه، فإن نظام اتفاقية جنيف السابقة هو نظام الرقابة "الأقل"، بابه مفتوح، ولكن لمنتجات هي موضع الشبهة! ويجب على من يريد ادخالها اثبات جودتها.
يبقى أنه كان على من يتذرع باتفاقية جنيف السابقة أن يقدم الاثبات على ما يأتي:
أ - ان الحكم التحكيمي صدر نتيجة اتفاق تحكيمي أو شرط تحكيمي صحيح وفقاً للقانون المطبق عليه.
ب - ان موضوع النزاع قابل للحسم عن طريق التحكيم وفقاً لقانون البلد المستند إليه.
ج - ان الحكم التحكيمي لفظته محكمة تحكيمية ملحوظة بالاتفاق التحكيمي أو بالشرط التحكيمي، وان هذه المحكمة تشكلت برضى الطرفين ووفقاً لقواعد القانون المطبق ولاجراءات التحكيم.
د - ان الحكم التحكيمي أصبح نهائياً في البلد الذي صدر فيه.
ه - ان لا يكون من شأن تنفيذ الحكم التحكيمي أو الاعتراف به مخالفة النظام العام ولا للمبادئ العامة للقانون في البلد الذي يجري التذرع به.
و - يحق لقاضي بلد التنفيذ رد طلب التنفيذ إذا كان الحكم التحكيمي جرى إبطاله في بلد المنشأ.
ز - تشترط اتفاقية جنيف كذلك شروطاً شكلية تتعلق بطبيعة المستندات التي يجب أن تقدم لقاضي التنفيذ وهي:
1- أصل الحكم أو نسخة تجمع الشروط المطلوبة لرسمية سند الحكم وفقاً لقانون البلد الصادر فيه.
2- مستندات ومعلومات تعلن ان الحكم التحكيمي أصبح نهائياً في البلد الذي صدر فيه.
ح - يجري تنفيذ الحكم التحكيمي طبقاً لقواعد المرافعات المتبعة في الاقليم المطلوب إليه التنفيذ.
اتفاقية نيويورك
أ - تستعيد المادة 3 من اتفاقية نيويورك نص اتفاقية جنيف، بقولها: "تعترف كل الدول المتعاقدة بحجية حكم التحكيم، وتأمر بتنفيذه طبقاً لقواعد المرافعات المتبعة في الاقليم المطلوب إليه التنفيذ، وطبقاً للشروط المنصوص عليها".
وهكذا تكون اتفاقية نيويورك أحالت تنفيذ الحكم التحكيمي إلى قواعد المرافعات في بلد التنفيذ، ولكنها أضافت إلى اتفاقية جنيف تكملة أساسية توفر الحكم التحكيمي الدولي فرصاً أفضل، إذ نصت: "ولا تفرض للاعتراف أو تنفيذ أحكام المحكمين التي تطبق عليها أحكام الاتفاقية الحالية شروط أكثر شدة ولا رسوم قضائية أكثر ارتفاعاً بدرجة ملحوظة من تلك التي تفرض للاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الوطنيين".
وإن كانت اتفاقية نيويورك أقرت بتنفيذ الأحكام التحكيمية وفقاً لقواعد المرافعات المتبعة في الاقليم المطلوب التنفيذ فيه، إلا أنها حالت هذا النص دون التفريق بين الأحكام التحكيمية الأجنبية والأحكام التحكيمية الداخلية، وتشديد تنفيذ الأولى في قواعد المرافعات، حيث يصبح درب تنفيذ الأحكام الداخلية يسيراً، فيما يصبح تنفيذ الأحكام التحكيمية الدولية عسيراً. مع هذا النص أصبح ما يطبق على الأحكام التحكيمية الداخلية، هو نفسه الذي يطبق على أحكام التحكيم الأجنبية من قواعد للتنفيذ. أي ان اتفاقية نيويورك حققت مساواة الأحكام التحكيمية الداخلية بالأحكام التحكيمية الأجنبية.
ب - أهم ما جاءت به اتفاقية نيويورك أنها قلبت قواعد الاثبات ونصت على أنه لا يجوز رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم التحكيمي إلا إذا قدم المنفذ عليه للسلطة المختصة في البلد المطلوب إليه الاعتراف أو التنفيذ دليلاً واثباتاً يهدم الحكم التحكيمي. وحددت هذه الحالات على سبيل الحصر، فأصبح الحكم التحكيمي الدولي قائماً بذاته يحمل طابع التنفيذ ولا يشترط في من يطلب التنفيذ سوى أن يرفق بطلبه:
1- أصل الحكم الرسمي أو صورة من الأصل تجمع الشروط المطلوبة لرسمية السند.
2- أصل الاتفاق التحكيمي شرط تحكيم أو اتفاق تضمنته الخطابات المتبادلة والبرقيات أو صورة تجمع الشروط المطلوبة لرسمية السند.
3- ترجمة هذه الأوراق إلى اللغة الرسمية للبلد المطلوب إليه التنفيذ.
وأصبح الحكم التحكيمي الدولي يحمل صحته، من دون حاجة لاخضاعه لشكليات أو اجراءات أو مصادقات. وأكثر من ذلك، يمكن إبراز صورة عن هذا الحكم إذا لم يتوافر أصله. وهذا يظهر إلى أي حد حققت اتفاقية نيويورك بالنسبة لاتفاقية جنيف 1927 من مكاسب في تسهيل طريق العبور إلى التنفيذ دون المرور بالشكليات، وشكلت خطوة إلى الأمام بالمقارنة مع اتفاقية جنيف 1927 التي نصت على أن مجموعة من المستندات الرسمية التي يجب أن ترفق بطلب التنفيذ على سبيل الحصر.
ج - اتفاقية نيويورك هي لتنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية وتختلف عن اتفاقية جنيف 1927 في أنها تعطي الحكم التحكيمي التنفيذ لذاته، وتعترف بكيانه ووجوده مستقلاً عن حكم قضائي يعترف به أو يكرسه. فيما كانت اتفاقية جنيف تشترط أن يكون الحكم التحكيمي مكتسياً صيغة حكم قضائي.
د - حررت اتفاقية نيويورك تنفيذ الحكم التحكيمي من "التنفيذ المكرر". فاتفاقية جنيف كانت تشترط أن يأتي الحكم التحكيمي إلى بلد التنفيذ، وهو حائز على صيغة التنفيذ من السلطة القضائية في بلد المنشأ، الأمر الذي كان يخضع الحكم التحكيمي لتنفيذ مكرر: مرة في بلد المنشأ ومرة ثانية في بلد التنفيذ. الآن أصبح الحكم التحكيمي يصدر تطبيقاً لاتفاقية نيويورك، في بلد المنشأ ويأتي مباشرة إلى بلد التنفيذ غير مكتس صيغة التنفيذ في حكم قضائي، فيطلب من السلطة القضائية في "البلد الأجنبي عن مكان صدوره" اعضاءه صيغة التنفيذ.
ويكون قاضي التنفيذ ملزماً بإعطائه صيغة التنفيذ، إلا إذا أثبت المنفذ عليه عيباً من عيوب محددة بشكل حصري تمنع اعطاء الحكم صيغة التنفيذ.
نظرة تاريخية
كان الفقه ومندوبو الدول في لجان العمل التحضيرية لاتفاقية نيويورك منقسمين بين ثلاثة اتجاهات:
1- اما اشتمال الاتفاقية على قواعد اجرائية موحدة تطبق على تنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية.
2- أو اشتراطها لاخضاع تنفيذ الحكم التحكيمي الدولي "لاجراءات تنفيذ مختصرة".
3- أو تنفيذ الحكم التحكيمي الدولي طبقاً لقواعد تنفيذ الحكم التحكيمي الداخلي.
وكان النقد الموجه إلى هذه الاتجاهات الثلاثة هو:
1- إذا اشارت الاتفاقية إلى "اجراءات التنفيذ المختصرة"، فإن مفهومها لن يكون واحداً في كل الدول، بل ان لها تفسيرات متعددة بتعدد الدول التي ستوقع الاتفاقية نظراً إلى اختلاف الأنظمة القانونية، ولا سيما أنظمة المرافعات والاجراءات أمام المحاكم.
2- لن يكون عملياً ولا سهلاً الاتفاق على اجراءات موحدة مفصلة تكون جزءاً من الاتفاقية.
3- إذا طبقت قواعد تنفيذ الأحكام التحكيمية الداخلية على الأحكام الأجنبية، فإن ذلك سيحمّل الأحكام الدولية أعباء هي في غنى عنها، وسيكون فيه مضيعة كثيرة للوقت.
من هنا استقر الرأي على ابقاء صيغة اتفاقية جنيف، بحيث يتم الاعتراف وتنفيذ الأحكام "طبقاً لقواعد المرافعات المتبعة في الاقليم المطلوب إليه التنفيذ". واقترح المندوب الانكليزي إضافة العبارة الآتية إلى هذا النص: "على ألا تكون قواعد المرافعات أكثر تعقيداً من تلك المطبقة لتنفيذ أي أحكام أخرى".
أما مندوب بلجيكا فاقترح إضافة نص يقول: "يجب أن تكون قواعد المرافعة المتبعة لتنفيذ حكم تحكيمي خاضع للاتفاقية مطابقة لتلك التي ترعى تنفيذ الأحكاك التحكيمية الداخلية"، وساند مندوب الولايات المتحدة مندوب بلجيكا في هذا الرأي.
وأثار الرأيان ضجة وجدلاً في المناقشات، وأبدى كل مندوب رأيه وكل المفكرين تحليلاتهم التي أظهرت حقيقة وقف عندها المشاركون بتأمل، وهي أن ليس هناك قانون اختلفت فيه الأنظمة والاتجاهات القانونية كما كان وما يزال أمر قانون المرافعات الذي انقسمت حوله الاتجاهات والنظريات، لأنه وليد التاريخ الوطني الخاص بكل بلد وكل بلد له تاريخه، ولذلك اختلفت كثيراً قوانين المرافعات عن بعضها.
وهكذا نما وتطور وغلب تيار يستبعد معاملة الحكم التحكيمي الدولي معاملة الحكم التحكيمي الداخلي، وأصحاب هذا التيار هم ممثلو الدول الذين تختلف في بلادهم قواعد تنفيذ الحكم الداخلي عن تلك المطبقة على تنفيذ الحكم الخارجي. كما أن تنفيذ الأحكام التحكيمية الداخلية في بعض هذه البلدان لا يحتاج لا إلى مصادقة ولا إلى أمر بالتنفيذ يصدر عن سلطة رسمية.
وهكذا سقط الاقتراح البلجيكي، ورجع المشاركون في تحضير النصوص إلى صيغة اتفاقية جنيف التي تنص على ما يلي: "تعترف كل من الدول المتعاقدة بحجية حكم التحكيم، وتأمر بتنفيذه طبقاً لقواعد المرافعات المتبعة في الاقليم المطلوب إليه التنفيذ، وطبقاً للشروط المنصوص عليها في المواد الآتية".
عاد المشاركون إلى رأي المندوب الانكليزي، وأضافوا النص الآتي الذي لم يكن وارداً في اتفاقية جنيف: "ولا تفرض، للاعتراف أو تنفيذ أحكام المحكمين التي تطبق عليها أحكام الاتفاقية الحالية، شروط أكثر شدة ولا رسوم قضائية أكثر ارتفاعاً بدرجة ملحوظة من تلك التي تفرض للاعتراف وتنفيذ أحكام الوطنيين".
تركت اتفاقية نيويورك لكل دولة تنفيذ الأحكام التحكيمية الدولية وفقاً لقواعد المرافعات المتبعة لديها. فما هي قواعد المرافعات المتبعة في العالم؟
هناك ثلاث طرق يتبع كل منها قواعد مرافعات مختلفة للتنفيذ:
1- القواعد الخاصة باجراءات تنفيذ الاحكام التحكيمية، ادخلت اتفاقية نيويورك في صلب قوانينها الداخلية بحيث لم تعد اتفاقية نيويورك مجرد اتفاقية دولية.
والدول التي وضعت تشريعاتها هذا النظام هي استراليا، الدنمارك، غانا، الهند، السويد، بريطانيا، الولايات المتحدة.
2- قواعد تنفيذ الاحكام التحكيمية الاجنبية تخضع لقواعد تنفيذ الاحكام القضائية الاجنبية، وقد انقسمت الدول التي سارت في هذا الاتجاه الى قسمين:
أ - الدول التي وضعت قواعد لتنفيذ الاحكام التحكيمية الاجنبية، مثل المانيا واليونان.
ب - الدول التي جعلت تنفيذ الاحكام التحكيمية الاجنبية خاضعة لقواعد تنفيذ الأحكام القضائية الاجنبية نفسها مثل ايطاليا والمكسيك وهولندا.
3- قواعد تنفيذ الاحكام التحكيمية الاجنبية هي قواعد تنفيذ الاحكام التحكيمية الداخلية نفسها، مثل اليابان.
وقد اثير هذا الوضوع امام محكمة استئناف طوكيو، فقد عرض امامها نزاع حول تطبيق حكم تحكيمي صادر في لندن، فأدلى المنفذ عليه بأنه لا يمكن تنفيذ هذا الحكم التحكيمي الاجنبي لأنه ليس في اليابان أحكام قانونية ترعى تنفيذ الاحكام التحكيمية الاجنبية، كما لا يمكن تنفيذه وفقاً لقواعد واجراءات التنفيذ في البلد الذي صدر فيه. وعلى رغم ذلك اعطت المحكمة اليابانية صيغة التنفيذ للحكم التحكيمي معتبرة "انه تطبيقاً لروح القانون الياباني باعطاء صيغة التنفيذ للحكم التحكيمي الاجنبي، فإن قوة التنفيذ التي للحكم التحكيمي الاجنبي هي نفسها التي لاحكام التحكيم الداخلية. وبهذه الروحية فإن اليابان الذي صادق على اتفاقية جنيف ثم على اتفاقية نيويورك، فإنه يكون من واجب البلد أي اليابان، بصفته موقعاً هذه الاتفاقيات، ان يعامل هذه الاحكام التحكيمية بالطريقة نفسها التي يعامل بها احكامه التحكيمية الداخلية...".
اعطت اتفاقية نيويورك لكل دولة حرية تنفيذ احكام التحكيم الاجنبية وفقاً لقواعد المرافعات المتبعة لديها، ولكنها اضافت في مادتها الثالثة: "وطبقاً للشروط المنصوص عليها في المواد التالية" وهذه الشروط منصوص عليها في المواد 4 و5 و6.
وهكذا على رغم قواعد المرافعات المتبعة في كل بلد لتنفيذ احكام التحكيم الدولي فإن طلب الاعتراف أو التنفيذ يرفق فقط.
أ - بأصل الحكم التحكيمي، او صورة عن الاصل تحمل الشروط المطلوبة لرسمية السند.
ب - بأصل الاتفاق التحكيمي الموقع عليه من الاطراف او الاتفاق الذي تضمنته الخطابات المتبادلة او البرقيات.
ج - بترجمة مصدقة عن الحكم والاتفاق اذا لم يكونا مكتوبين بلغة البلد.
على رغم قواعد المرافعات المتبعة في كل بلد لتنفيذ احكام التحكيم الاجنبية فإن "للسلطة المختصة المطروح امامها الحكم - اذا رأت مبرراً - ان توقف الفصل في هذا الحكم اذا كان قد طلب الغاء الحكم او وقفه امام السلطة المختصة في البلد التي فيها او بموجب قانونها صدر الحكم".
إذاً، فإن تقديم طلب لابطال الحكم التحكيمي او تعليق مفعوله في مكان التحكيم، او امام السلطة القضائية للقانون الذي طبق على التحكيم، يعرض الحكم التحكيمي الاجنبي في البلد الذي يجري فيه التنفيذ لان يعلق، بانتظار ان يبت فيه قضاء بلد مكان التحكيم، او قضاء القانون الذي طبق على التحكيم.
وهذا يمكن ان يفسر ان اتفاقية نيويورك تربط تنفيذ الاحكام الاجنبية ايضاً بقانون تحكيم مكان صدور الحكم التحكيمي وبالقانون الذي طبق لحسم النزاع.
لكن الاجتهاد الدولي يعالج امر التعسف في استعمال هذا النص ويحول دون تعليق التنفيذ بمجرد تقديم دعوى ضد الحكم التحكيمي في بلد مكان التحكيم اي بلد منشأ الحكم التحكيمي، او بمجرد طلب تعليق الحكم التحكيمي المقدم في بلد صدور الحكم التحكيمي. ويعتبر الاجتهاد انه ما لم يكن هناك خلاف جدي وثابت ودعوى مقامة في بلد صدور الحكم التحكيمي، فإن مجرد تقديم طلب وقف او تعليق او استئخار الحكم التحكيمي في ذلك البلد لا يعلق تنفيذه في بلد التنفيذ.
الأحكام الأجنبية والداخلية
تعترف الدول المتعاقدة بحجية حكم التحكيم الاجنبي، وتامر بتنفيذه طبقاً لقواعد المرافعات المتبعة لديها وطبقاً لشروط اتفاقية نيويورك.
ولكن "لا تفرض للاعتراف او تنفيذ احكام المحكمين التي تطبق عليها احكام الاتفاقية الحالية شروط اكثر شدة، ولا رسوم قضائية اكثر ارتفاعاً بدرجة ملحوظة من تلك التي تفرض لاعتراف وتنفيذ احكام المحكمين الوطنيين".
الاعتراض على التنفيذ
لا يجوز رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم بناء على طلب الخصم الذي يحتج عليه بالحكم، الا اذا قدم هذا الخصم للسلطة المختصة في البلد المطلوب اليها الاعتراف او التنفيذ دليلاً من ادلة حصرية تعددها الاتفاقية.
بالتالي، فالقاعدة هي نفاذ الحكم التحكيمي والاستثناء هو قبول الدليل على عدم نفاذه لسبب من الاسباب المحددة على سبيل الحصر. وتقديم الدليل يكون في جلسة وجاهية يتقابل فيها الخصمان.
الاعتراف بالحكم الأجنبي
اتفاقية نيويورك هي لتنفيذ الاحكام التحكيمية الاجنبية وللاعتراف بها. والاعتراف لا يعني اكراه المنفذ عليه على تنفيذ مضمون الحكم، بل بأن تعترف السلطة القضائية بهذا الحكم التحكيمي الاجنبي، واعترافها يعني ان هذا الحكم هو الزامي وان له قوة القضية المحكمة وان النقاط التي حسمها لا يجوز اعادة بحثها لا من القضاء ولا من التحكيم.
عند تقديم طلب التنفيذ للمحكمة القضائية للحكم التحكيمي الاجنبي مرفقاً بالعقد التحكيمي ومترجماً تعطي هذه المحكمة الحكم صيغة التنفيذ، ولكن "يجوز" لها رفض تنفيذ هذا الحكم التحكيمي اذا قدم لها دليل من ادلة خمسة واردة على سبيل الحصر وهي:
1- اذا كان اطراف الاتفاق التحكيمي، طبقاً للقانون الذي ينطبق عليهم، عديمي الاهلية، او كان الاتفاق المذكور غير صحيح وفقاً للقانون الذي اخضعه له الاطراف، او عند عدم النص على ذلك طبقاً لقانون البلد الذي صدر فيه الحكم.
2- اذا لم يعلن الخصم المطلوب تنفيذ الحكم عليه اعلاناً صحيحاً بتعيين المحكم او باجراءات التحكيم، او كان من المستحيل عليه لسبب آخر ان يقدم دفاعه.
3- اذا فصل الحكم في نزاع غير وارد في مشارطة التحكيم او في عقد التحكيم او تجاوز حدودهما في ما قضى به. ومع ذلك يجوز الاعتراف وتنفيذ جزء من الحكم الخاضع اصلاً للتحكيم، اذا امكن فصله عن باقي اجزاء الحكم غير المتفق على حلها بهذا الطريق.
4- اذا كان تشكيل هيئة التحكيم او اجراءات التحكيم مخالفاً لما اتفق عليه الاطراف، او لقانون البلد الذي تم فيه التحكيم في حالة عدم الاتفاق.
5- اذا لم يصبح الحكم ملزماً للخصوم او الغته او اوقفته السلطة المختصة في البلد التي فيها او بموجب قانونها صدر الحكم.
يضاف الى الأدلة الخمسة التي يجب ان يأتي المنفذ عليه بالدليل عليها سببان يمكن للمحكمة ان تثيرهما من تلقاء نفسها، وترفض التنفيذ او الاعتراف اذا تبين لها:
أ - ان قانون بلد التنفيذ لا يجيز تسوية النزاع عن طريق التحكيم.
ب - او ان في الاعتراف بحكم المحكمين او تنفيذه ما يخالف النظام العام في بلد التنفيذ.
ويمكن للمنفذ عليه التذرع بهذين السببين ايضاً، ولكن للمحكمة ان تثيرهما عفواً.
لا تخل احكام اتفاقية نيويورك بصحة الاتفاقات الجماعية او الثنائية التي ابرمتها الدول المتعاقدة بشأن الاعتراف بأحكام المحكمين وتنفيذها، ولا تحرم اي طرف من حقه في الاستفادة بحكم من احكام المحكمين بالتنفيذ او بالقدر المقرر في تشريع او اتفاقيات البلد المطلوب اليه الاعتراف او التنفيذ.
وبالتالي:
أ - فإن اتفاقية نيويورك تجيز تنفيذ الاحكام التحكيمية على اسس اخرى غير الأسس الواردة فيها.
ب - ولا سيما القانون الداخلي للبلد المطلوب منه التنفيذ اذا كان اكثر فائدة لحقوق الطرف طالب التنفيذ.
ج - وكذلك الاتفاقات الثنائية او الجماعية.
د - الطرف الوحيد الذي يمكنه الاستناد الى احكام اكثر فائدة له في تشريع داخلي او اتفاقيات دولية هو الفريق طالب التنفيذ.
ه - ليس في الامكان اسناد التنفيذ الى معادلة بين احكام اتفاقية نيويورك وتشريع او اتفاقية لتنفيذ الاحكام التحكيمية، باستثناء اتفاقية جنيف الاوروبية لسنة 1961.
اسباب عدم تنفيذ الحكم
لم تشترط اتفاقية نيويورك ان يكون الحكم التحكيمي الاجنبي الذي يأتي للتنفيذ من الخارج حائزاً على صيغة التنفيذ من بلد المنشأ، ليمكن تقديم طلب لإعطائه صيغة التنفيذ في البلد المطلوب منه التنفيذ.
هذا لا يعني انها حرمت قاضي بلد المنشأ من امكانية تعطيل النفيذ، فله ان يلغي او يوقف الحكم التحكيمي الدولي الصادر في بلده، كما ان للقاضي الصادر الحكم التحكيمي بموجب قانونه ان يقرر الغاء او تعليق الحكم التحكيمي. فإذا جاء المنفذ عليه بدليل على صدور حكم قضائي بإبطال الحكم التحكيمي من قاضي بلد المنشأ او قاضي القانون المطبق لحسم النزاع فإن قاضي التنفيذ لا يعطي الحكم صيغة التنفيذ. ولكن قاضي التنفيذ لا يشترط في الحكم التحكيمي ان يأتي اليه مكتسياً صيغة التنفيذ في بلد المنشأ ليقبل به.
ويقف الفقه امام الجدل الطويل والحاد الذي ساد مناقشات لجان العمل في تحضير اتفاقية نيويورك حول المادة الخامسة، الفقرة 1 ه التي تنص على عدم تنفيذ الحكم التحكيمي اذا قدم الخصم الدليل على: "ان الحكم لم يصبح "ملزماً" للخصوم او الغته او اوقفته السلطة المختصة في البلد التي فيها او بموجب قانونها صدر الحكم". فقد كان هناك تيار يطالب بأن تكون العبارة هي "ان الحكم لم يصبح نهائياً". ويعتبر الفقه ان الفارق بين الحكم "النهائي" والحكم "الملزم" هو في الصيغة التنفيذية.
وانتصر في اتفاقية نيويورك التيار الداعي إلى عدم اكساء الحكم التحكيمي صيغة التنفيذ المكررة في بلد المنشأ وبلد التنفيذ، فنص على أن يكون "ملزماً"، ولم ينص على أن يكون "نهائياً". فإذا جاء المنفذ بدليل على أن الحكم التحكيمي صدر وفقاً للاصول من المحكمين ولم يلغ ولا علق، فإن هذا يكفي لاثبات أنه ملزم، وعلى المنفذ عليه أن يثبت ان الحكم ليس ملزماً أو أنه ألغي أو علق.
وعددت اتفاقية نيويورك خمسة أسباب على سبيل الحصر، إذا استطاع الخصم تقديم الدليل عليها، فإن محكمة التنفيذ ملزمة بأن تمتنع عن اعطاء صيغة التنفيذ أو الاعتراف بالحكم التحكيمي الدولي.
إلى جانب هذه الأسباب الخمسة التي وضعتها الاتفاقية، والتي إذا جاء الدليل عليها تمتنع المحكمة عن اعطاء صيغة التنفيذ للحكم التحكيمي الدولي، هناك سببان:
أ - إذا كان القانون في بلد التنفيذ لا يجيز تسوية النزاع عن طريق التحكيم.
ب - إذا كان في الاعتراف بحكم المحكمين أو تنفيذه ما يخالف النظام العام في هذا البلد.
لهذين السببين يجوز لمحكمة التنفيذ أن ترفض الاعتراف بالحكم التحكيمي أو تنفيذه. ولكنها ليست ملزمة بذلك.
عدم التعرض لأسباب النزاع
يعتبر الفقه أنه من المسلم به أن اتفاقية نيويورك لا تجيز لمحكمة التنفيذ التصدي لأساس النزاع، معتمداً في ذلك على أن الأسباب الحصرية السبعة التي تمنع تنفيذ الحكم التحكيمي الدولي لا يرد بينها: "خطأ المحكم في الوقائع أو في تطبيق القانون". ومجال رقابة محكمة التنفيذ وفقاً لاتفاقية نيويورك محصور في فحص وتدقيق الدليل الذي يقدمه المنفذ عليه على تحقق سبب من الأسباب الخمسة الواردة على سبيل الحصر، وما إذا كان قانون بلد التنفيذ يجيز تسوية النزاع الذي حسمه الحكم التحكيمي عن طريق التحكيم.
فإذا كان الحكم التحكيمي مخالفاً للنظام العام في بلد التنفيذ تقرر محكمة التنفيذ اما اعطاء أو عدم اعطاء صيغة التنفيذ. ولكن ذلك لا يعني أن هذه المحكمة لا تتعرض للأسباب الحصرية خلال تحققها من توفر الأدلة على هذه الأسباب التي تمنع تنفيذ الحكم التحكيمي إذا أدلى المنفذ عليه بأن "الحكم فصل في نزاع غير وارد في مشارطة التحكيم أو في عقد التحكيم أو تجاوز حدودهما في ما قضى به..."، فإن المحكمة تبحث وتتصدى لكل ذلك ولكنها بالنتيجة تعطي أو لا تعطي الحكم التحكيمي صيغة التنفيذ، ولا تذهب أبعد من ذلك.
* محام - دكتور في الحقوق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.