يقول المدير العام لهيئة البريد العالمي إدوارد ديان:"حين أرغب في تمرير معلومة للعاملين معي، أفضل كتابة نص واحد وإرساله عبر نقرة واحدة click، بدلاً من استخدام ورقة وتكليف شخص بتوزيعها". وبهذه الصورة، وعلى لسان الرجل الأول في العالم المكلف بالاهتمام والتطوير بالبريد التقليدي خلال حديثه إلى"الحياة"، يتأكد تقلص صلاحية القلم والقرطاس أمام لوحة المفاتيح والشاشة قبل حلول العام 2008، وهو الموعد المحدد للاحتفال بمرور 60 عاماً من إنشاء هيئة البريد العالمي، ولكن هل النهاية وشيكة على زمن ساعي البريد؟!. التطور التقني في مختلف المجالات يذهب يوماً وراء الآخر إلى تهديد مكانة الورق، من الكتاب حتى رسالة البريد. في الوقت الذي أصبح بإمكان الشخص أن يقتني كتاباً سياسياً أو ثقافياً أو أدبياً بهيئة إلكترونية محفوظة على حاسوبه الشخصي. وتظل الإثباتات الشخصية، ممثلة في رخصة القيادة أو مستندات الملكية، حائلاً رئيساً في بقاء البريد العادي على قيد الحياة، صحيح أن الفرد أصبح قادراً على تقديم طلب رخصة إلكترونياً، لكن لا بد من وصولها إلى صندوق بريده. والمدير العام للبريد العالمي ديان، هو أحد الشخصيات التي شاركت في أعمال المؤتمر الدولي الأول للتقنيات المعلوماتية والبريدية المنعقد في مدينة جدة خلال مطلع تشرين الثاني نوفمبر الجاري، يعتبر هذا التداخل دليلاً على أن"كليهما، البريد العادي والإلكتروني مكملان لبعضهما بعضاً، ولا وجود لعلاقة اعتراضية في ما بينهما كما يعتقد البعض". ويعود تاريخ أول رسالة إلكترونية إلى تموز يوليو 1982، حين أضاف العالم التقني الأميركي راي توم لينسون رمز @ بين اسمي المستخدم والحاسوب. ومع أن الفترة الزمنية لظهوره لم تتجاوز 26 عاماً، إلا أنه استطاع سحب العديد من مهمات البريد العادي كرسائل الحب، وتبادل الأخبار، والتهاني. وعلى رغم فارق السن الكبير المائل إلى كفة"الظرف"و"الطابع"الذي جاء ذكره قبل ألفي عام قبل الميلاد، عبر وثيقة فرعونية أرسلها والد إلى ولده كوصية على ضرورة استحداث ما بات يعرف باسم"البريد". ولا يقتصر التهديد على استمرارية البريد العادي بوجود الإلكتروني فقط، بل بظهور البريد السريع، الذي يعتمد على أساطيل من الطائرات والسيارات والعاملين في نقاط عمل الشركة التابع لها، بيد أن أوراق المعاملات الحكومية تبقى ورقة الضمان لمصلحة عمر مديد للبريد العادي، في السعودية على الأقل. فمنذ صدور قرار مجلس الوزراء السعودي عام 2002، القاضي بتحويل المديرية العامة للبريد إلى مؤسسة عامة تعمل على أسس ومبادئ القطاع الخاص، بدأ العمل على تطوير هذا القطاع، والاعتماد عليه في تطبيق الحكومة الإلكترونية التي ترتكز في نجاحها على وجود خدمات بريد بمستوى عال. وبحسب ممثلي هيئة البريد العالمية، فإن الخطوات الرسمية الأخيرة أسهمت في انتفاضة قوية لركود طويل للبريد في السعودية، والذي بدأ بدخول الملك المؤسس عبدالعزيز للرياض، إذ كان أصحاب المحال التجارية"الدكاكين"يتطوعون للقيام بخدمة البريد في ميدان العدل"الصفاة"، بوضع أكياس من القماش الأبيض مكتوب عليها اسم المدينة أو القرية، ويقوم صاحب الرسالة بوضعها في الكيس المخصص، ومن ثم يتم إرسالها باستخدام الدواب مع المسافرين، بينما يوضع البريد الوارد في أماكن خاصة داخل الدكاكين، ومن له رسالة يحضر لأخذها. وتمثلت أول أشكال الشراكة بين التقنية والبريد العادي في السعودية من خلال اتفاقية أبرمت بين المؤسسة العامة للبريد السعودي والإدارة العامة للمرور، توفر للمواطن فرصة تقديم إرسال المعلومات كافة عبر الموقع الإلكتروني للمرور، وتسلم رخصته من طريق البريد. وعلى هامش مؤتمره الدولي الذي نظمه البريد السعودي بالتعاون مع الهيئة العالمية للبريد، أبرمت اتفاقية مع شركة"مايكروسوفت"للتقنية عقداً لتزويد مشتركيها خمسة ملايين بريد إلكتروني. ووسط التطور والتحديث الملحوظ لخدمات البريد، تظل صور الصناديق الجديدة"واصل"المحطمة في بعض العمائر والأحياء السكنية صدمة كبيرة للعاملين في مؤسسات البريد، وعلى رأسهم مديرها الدكتور محمد بنتن، والذي أرجع الأمر إلى تدني درجة الوعي لدى بعض فئات المجتمع حول أهمية الخدمة البريدية.