يذهب الفوتوغرافي السعودي عبدالعزيز عياش، عميقاً في صوره إلى تركيبة العزلة وتحديقها بالإنسان الذي يتلاشى في الصور، محققاً بداخله مفهوماً للخوف والمصير في تلك العتمة. فصوره الفائزة من بين آلاف الصور من الجزيرة العربية، لتشارك في معرض"فوتوكي"الذي ينظمه متحف كيبرانلي حالياً في باريس، ويضم 70 مصوراً من أنحاء العالم، استخلصها - كما يقول - من الظرف الحالك، فيكون إنتاجها إبداعاً بحد ذاته، وإن لم تجد فرصتها في المعارض، مشيراً إلى أنه لم يتوقع فوز صوره الثلاث تلك، لأنه اشتغلها على طيف واحد للألوان. ويصنف هذا المعرض، الذي يستمر إلى الخامس والعشرون من الجاري على ضفاف نهر السين، الأول في العالم من حيث تميز الأعمال وتعددها. ويُلاحظ أن الأعمال المعروضة اختيرت نظراً إلى الوحدة الفنية التي يشتغل عليها كل مصور، فما يُشاهد في صور عياش الثلاث وحدة الفكرة وظرفا الزمان والمكان الموحدان، ناسجاً حكاية لا خلل يداخلها، وهذه التيمة تخلقت بها الكثير من الأعمال في هذا المعرض الدولي، فهناك أكثر من فنان يشتغل داخل أعماله على صورة واحدة بتفاصيل متقاربة جداً. وعمد عياش إلى هذا الاشتغال لإخراج انطباع مغاير للمطروح عن البيئة السعودية القاسية أولاً. وحول هذا المعرض يذكر عبدالعزيز عياش أنه نقلة كبيرة لأفقه الخاص، وأنه وسع مساحة الأفكار ومدارك الغالق داخل كاميرته، إذ امتلك من خلال هذه المشاركة شواهد جديدة وعوالم مختلفة سواء من حيث المكان باريس، أم من حيث تجارب المشاركين التي اختزلت مسافات طويلة عليه وقدمت له أبعاداً لم يكن محيطا بها. وكشف أن بيئة الجزيرة العربية تستهويه أكثر بصلافة تضاريسها، التي تعلمه التحدي لإنتاج ما يتمناه من صور قادرة على الحضور في المحافل الدولية. وذكر أنه الآن يقوم بأعمال التصوير في باريس لمدة ثلاثة أسابيع، من خلال مشروع ترعاه الملحقية الثقافية السعودية بمسمى باريس الأخرى، من شأنه نقل صور مغايرة للمألوف عن باريس، واستبطان أركان بعيدة في رأيه لم يتطرق لها الضوء من قبل، على الأقل للمشاهد السعودي. ويُؤكد أن الفضاء مناسب للعمل لما يجده من دعم وتشجيع من سفير خادم الحرمين الشريفين في فرنسا ومتابعة مستمرة لأطوار العمل، وكذلك المشاركة الفاعلة والمباشرة من الملحق الثقافي السعودي في باريس، ما هو يرى معه عياش أهمية نجاح هذا المشروع الذي يزمع على إقامته في جدة قريباً. وكان عبدالعزيز عياش واجه صعوبة في المشاركة في هذا المعرض، من الجهة المنظمة لأسباب غير موضوعية، وكانت مشاركته ستلغى لولا التدخل المباشر من السفير السعودي في فرنسا، الذي استطاع تذليل تلك الصعاب. وحول المواضيع التي يشتغل عليها في هذا المشروع ذكر عياش أن هناك ذخيرة كبيرة من الأفكار وأولها الحياة على الضفاف، للنهر أو الميترو أو المقاهي، وهي أماكن تكفل الكثير من التفاصيل التي تحتاج إلى تسجيل الضوء وتأطير لحظتها، إضافةً إلى توافر حال المدينة بمفهومها الكامل وحركتها الممتدة في النهار، واكتسابها شكلاً آخر في الليل، مع بقاء تلك الفرص الكثيرة لسلطة الضوء في العدسة.