يكاد المطلع إلى ديوان"بحة الناي"للشاعر الليبي محمد القشاط دار أونيا الجديدة للإبداع يتمثل في كاتبه الديبلوماسيّ شخصية شعرية عابرة من بدايات نهضة الشعر الأخيرة في مصر والشام. ذلك أنّ إيقاعه العموديّ وجزالة لفظه، وتوحّد الغرض الشعريّ في الهمّ الاجتماعي والوطنيّ، مع استلهام الملاحم الشهيرة، وشخصيات التاريخ، واستنطاق غنائية الطبيعة والمكان تأتي داخل قالب شعري كلاسيكيّ جزل. في قصيدته:"ولقد ذكرتك"يتقمص الشاعر شخصية عنترة بن شداد في قصيدته"هل غادر الشعراء من متردم"، مخاطباً معشوقته"عبلة"من أتون المعركة. كما يتقمّص شخصية أبي فراس الحمداني، في قرية سيناون، محاوراً الحمامة الحبيسة: ناحت بباسقة الجريد عشيّة/ ورقاء ذات الطوق في سيناون. فأثرن في نفسي شجون حنينها/ لذرى المطلّ على ربى جنّاون. ويتقمص المتنبي في قصيدتين بعنوان تحية العيد، وفي ليلة العيد، وذلك بطريقة فنية ملفتة، وهي بقلب حالة التقمص في القصيدة الأولى، وبمطابقتها في القصيدة الثانية. وفي هاتين القصيدتين تتجلى شاعرية شمولية الوطنية الكلاسيكية، بعيداً من صيغة القصيدة الوطنية الجافّة، بل من خلال مدّ الرقعة المكانية إلى ابتلاع المحدودية المكانية وتحويلها إلى المكان المطلق. بإنطاق المشاهد التاريخية والبطولية في كل الأصقاع العربية، وتسخير القارئ لموسقة تلك الأماكن الحافلة بغنائيتها سواء من حيث جمال طبيعتها، أو من حيث خصوصيتها والثراء التراثي الذي تمتاز به: ويا بقايا ذرى التاريخ في وطني/ يحلو برؤيتك الغراء مجلاسُ". ثم تأتي الصورة المطابقة لصوت المتنبي في العيد: من ليلة العيد، حتى ليلة العيدِ/ والقلب ما بين تجريح وتسهيد. قطعتِ أوتار قيثاري فما نطقتْ/ وما استقام على سمتٍ تراديدي. حبستِ جدول أزهاري وقد ذبلتْ/ ونشوة الخمر ماتت في عناقيدي. إن تقمص الشاعر القشاط لشخصيات الشعراء الحزانى والأبطال الموتورين والمأسورين، يأتي في سياق الرمزيّة الفكرية الثورية، التي يطرح من خلالها همّه العربيّ، ولذلك نجده يختار أن يعارض نزار قباني في قصيدته"سمراء"، وكأنه يذكرنا بذلك الوجع الذي لقيه نزار في قصيدته في غرناطة. لكنه على رغم ذلك يختار أن تكون شخصية القصيدة"سمراء"شخصية تعرف نفسها، شخصية عربية فاتنة تبعث على التفاؤل، تأتي محفوفة بسحر الفتنة، وترحل آخذة معها القلوب: ورأيت في الألحاظ لما عانقت/ عيني عيناها شموسَ بلادي. ورأيت خط الموت بين جفونها/ يطوي العدا كمناجل الحصّادِ". إن الشاعر القشاط ينظر إلى قصيدته نظرة الفنان، ولكنه يحمّلها وظيفة الهمّ الجماعيّ، ومع ذلك فلا تخلو نصوصه الشعرية من لحظات وحدة إنسانية، يناجي فيها صديقه في غرفة الإذاعة، أو ابنته المريضة، أو ليقفز بك فجأة إلى الغوص في الموضوع الشعري الغريب، حين يكتب قصيدته لقارئ رمل حقيقي، أو ليتغزل في الجزيرة العربية". + الشاعرة السعودية هدى الدغفق في لقاء تونسي تونس -"الحياة"- في انطلاق موسمه الثقافي، استضاف صالون"الأربعاء الأدبي"في النّادي الثقافي الطاهر الحدّاد في تونس، الشّاعرة السّعوديّة هدى الدّغفق. استهل اللقاء الشّاعر يوسف رزوقة، رئيس صالون الأربعاء الأدبي، بتسليط بعض الأضواء على راهن المشهد الثقافي في الخليج. وفي معرض حديثه، استعار جملة" سعودية الغد الممكن"لشاكر النّابلسي ليشير إلى"أن الساحة الأدبية والفكرية في السعودية زاخرة بأطروحات الحداثة وما بعدها، في النقد، مع عبدالله الغذامي، عابد خزندار، عبدالفتاح أبو مدين وآخرين، في السرد، مع تركي الحمد، رجاء الصانع، عبده خال، يوسف المحيميد، رجاء عالم، محمود تراوري وآخرين، وفي الشعر، مع محمد الحربي، عبدالله الصيخان، سعد الحميدين، فوزية أبو خالد، علي الدميني، محمد الثبيتي، زينب حنفي، خديجة العمري، هيلدا إسماعيل، هدى الدّغفق وآخرين. وخلص رزوقة إلى"أن الخليج ليس نفطاً فقط"، مانحاً الكلمة لهدى الدغفق التي أعربت عن مدى اغتباطها بمثل هذا اللقاء، مشيرة إلى"أن الثقافة هي الجسر الدّائم والحقيقي لتأكيد التّواصل بين الشعوب". ثمّ قرأت مجموعة من قصائدها.