تتذكر أم نور أثناء ولادتها طفلتها قبل نحو ثلاث سنوات،"ولدت طفلة طبيعية جداً، وبما أنني مصابة بعيب خلقي في الرحم، فإنني ألد جميع أطفالي في الشهر السادس، ما يحتم عليّ إبقاءهم في حضانة المستشفى"، موضحة أنها حين شعرت بآلام الولادة، نقلت إلى مستشفى خاصة كانت تتابع مراحل حملها لديهم، وتحت إشراف استشاري معين. وتستطرد أم نور:"بما أن ذلك اليوم كان يوم جمعة، فلم يكن الاستشاري موجوداً في المستشفى حينها، وكان دائماً ما يشدد على استدعائه إلى المستشفى، في حال تعرضي لأي طارئ، ولكن لم يستدع في ذلك اليوم، وجلست أصارع آلام المخاض مدة 12 ساعة". وتؤكد أن الاستشاري أتى عند استدعائه، ولكن كان قد فات الأوان،"لم أكن أستطيع التنفس حينها، وكنت أنزف بشدة بنزيف، ليفاجأ الطبيب بأنهم لم يضعوا ليّ ابر تنشيط للرئتين، بما أنها ستولد ناقصة، وأدخلت إلى غرفة العمليات، وبعد أن استفقت من اثر التخدير، أبلغني الطبيب أنني أنجبت طفلة جميلة، وقد رأيتها، وكان وجهها دائري وبيضاء البشرة". خرجت أم نور من المستشفى، وكانت تذهب للاطمئنان على ابنتها يومياً حتى التاسع عشر من رمضان،"ذهبت كعادتي إلى المستشفى وأدرت وجهي لكل الحضانات الموجودة، بحثاً عن طفلتي، لكنني لم أرها بين الأطفال، فسألت عنها، وأشاروا إلى طفلة، قالوا إنها طفلتي، ولولا إحساس الأمومة لرفضتها، فالوجه المدور أصبح مائلاً إلى الطول، واللون الأبيض مال إلى الأسود المشوب بزرقة، وهناك أجهزة وأنابيب أوكسجين موصولة لها"، مشيرة إلى أنها سألتهم كثيراً عنها، لكنهم أجابوا بأنها مرهقة لأن نموها ناقص مقارنة بغيرها،"لم يطلعوني على الحقيقة". وتتابع:"بعد ذلك أخرجوا ابنتي من المستشفى، واستغربت ان الطفلة لا تنام، ولا تتوقف عن البكاء، فيما الأطفال الخدج ينامون أكثر من غيرهم، وفي كل مرة أذهب بها للمستشفى نفسه، يقولون لي إنها مصابة بمغص، ويجب تغيير نوع الحليب، وقمت بعمل ما قالوه لي، ولكن لم يتغير وضعها"، مؤكدة أن إحساس الأمومة دفعها إلى التوجه إلى مستشفى خاص، وبعد أن فحصها استشاري الأطفال، أبلغني ان الطفلة مصابة بنقص في الأوكسجين، وضمور في المخ، وبأن الغرفتين اللتين يجب أن تكونا مفتوحتين في مقدم رأس الأطفال مغلقتان، إما منذ ولادتها، أو نتيجة لضغطة قوية تعرضت لها". لم تملك أم نور إلا البكاء وهي تسرد مأساة ابنتها وتستعيد بذاكرتها تلك الأيام التي وصفتها ب"المريرة"، ومع ذلك أصرت على المواصلة أملاً بعلاج نور،"تذكرت كيف كان رأسها في السابق والآن، وقد أخبرتني خالتي بأنها في إحدى المرات، ذهبت لزيارة ابنتي في المستشفى، فقامت الممرضة برفع وإدارة رأسها بطريقة الضغط من مقدمة الرأس، توجهت بعدها إلى المستشفى الذي أنجبتها فيه، وكانوا أعدوا تقاريرهم، بأنها معوقة منذ الولادة، وهم يعلمون بأنها سليمة عند الإنجاب، وسألتهم، ولم يخبروني بحقيقة مرضها، وكان اكتشافي لوضعها الصحي بعد بلوغها الشهر السادس، وقد عللوا سوء حالتها، بسبب إصابتها بالصفيراء، كما أنهم نقلوا لها الدم، لحاجتها إليه، ولم يطلعوني على الحقيقة". آنذاك لم تدرك الأم الحزينة أن رحلة علاجية طويلة الأمد قد بدأت، خصوصاً أن الملف الطبي لابنتها كان سوداوياً،"قالوا إنها لن تتكلم ولن ترى ولن تمضغ، وستبلع الطعام ولن تتحرك حركة الطفل الطبيعية، ولكن كل هذا لم يفقدني الأمل، إذ أصبحت أتبع معها تمارين في المنزل، كأن أضع فمي على فمها وأتكلم، فأصبحت تقول بابا وماما وسيارة، كما أصبحت أعودها بالتدريج على الطعام الخشن، إلى أن تقبلته"، مؤكدة أنها عندما أخبرت الأطباء في المستشفى لم يصدقوا إلا بعد إجراء أشعة للبلع، إذ فوجئوا بالنتيجة، وصفقوا لها ولي، إذ إن التقارير الطبية تفيد باستحالة قدرتها على البلع والكلام". الخوف على مستقبل ابنتها جعل أم نور تفعل المستحيل،"علمتها كيفية استخدام فرشاة الأسنان بمساعدتي واستطاعت ذلك، وما يحيرني هو إصرارهم على عدم قدرتها على الرؤية، والذي لا يرى لا يبصر ضوء الشمس، وهي بمجرد خروجنا للشمس تغمض عينيها، وعند وضع لعبة أمامها تحاول أن تلتقطها، كما أنها تبكي عند ارتدائي العباءة للخروج، كل هذا يدل على أنها ترى، لكنني أظن أن الرؤية لديها متقطعة، وتحتاج لعلاج، في حين أن الطبيبة في مستشفى العيون، أرادت إغلاق ملفها، لأنها بحسب ما تقول الطبيبة من المستحيل أن ترى". وتقول أم نور إن حال ابنتها تحسنت مع العلاج الذي تقوم به في مستشفى خاصة،"لكنه يكلفنا الكثير، وأشعر أنها في حاجة إلى مكان خاص للعلاج وتوافر المال لتتحسن، وهذا ما أرجوه، فكثيراً من الأطفال الذين كانوا يشكون ما تشكو منه ابنتي تحسنت حالاتهم، بعد معالجتهم في الهند أو التشيخ، فهم لم ولن يصبحوا أطفالاً طبيعيين، ولكن لا وجود لكلمة"لا"في ملفاتهم"، مؤكدة أنها على ثقة بأن هناك من سيمد لها يد العون. روح التفاؤل هي ما يدفع أم نور إلى تعليم ابنتها مع مراقبتها،"لن أفقد الأمل، فكل ما قالوه إنها لن تستطيع عمله، أصبحت تستطيع ذلك"، مشيرة إلى أنها لا تهدف إلى مقاضاة المستشفى، خصوصاً بعد أن حموا أنفسهم بالتقرير الذي يشير إلى أن حالتها هذه منذ الولادة، وليست بسببهم،"هدفي هو علاجها، ولن أصغي إلى من يحبطني ويثبط من عزيمتي من بعض الأطباء، فهي في حاجة إلى مكان جيد، وتوفر مبالغ لعلاجها، وأنا على ثقة بأنها ستتحسن، ولا بد من وجود من يساعدها على ذلك، كما شجعني كثير من الأطباء والطبيبات، لمواصلة العلاج بعد رؤية النتيجة، وقالوا لي إنه لا يوجد مستحيل مع الإصرار، وطلبوا مني أن أنضم إلى بعض المستشفيات أو المؤسسات الخيرية، التي تعنى بحالات مشابهة، لتوجيه وإرشاد الأمهات، لكيفية التعامل مع أطفالهن".