لم يأت هذا التصاعد الكمي والكيفي لفن الرواية في السعودية من فراغ، بل هو تسلسل منطقي للكتابة نفسها، ولم نصل إلى مرحلة النضج الفني إلا بعد تجارب وإرهاصات طبيعية، لعل كثيراً من القراء والنقاد والأدباء مازال في ذاكرته عدد منها، ومن أهم هذه الأسماء: حامد دمنهوري، سميرة خاشقجي، إبراهيم الناصر الحميدان، عبدالعزيز مشري، عبدالعزيز الصقعبي، سعد الدوسري وغيرهم كثير، إذ خرجت من بين أناملهم ومن عصارة أقلامهم روايات متكاملة كان لهم قصب السبق في ما وصلت إليه الرواية هذا اليوم! إن من المؤسف حقاً أن يحيل عدد من الكتاب العرب - في هذه المرحلة - نجاحات الكتابة الروائية في المملكة إلى أسباب واهية محصورة في زاوية ضيقة، وقد قرأت ذلك ? مثل غيري ? كثيراً، وهذه السببية تركز على المسكوت عنه، وأن تجاوز الخطوط الحمر ? الجنس - والجرأة في التناول والطرح هما من أوصل الرواية السعودية إلى هذه الآفاق! لكن القارئ المنصف، والناقد الحصيف، والدارس المتمكن من أدواته التحليلية، لا بد من أن يكون على دراية وقدرة تفتيتية للنص الروائي، وهو من خلال ذلك سيكتشف جماليات لا حصر لها، وقرأت بأنهم ? القارئ والناقد والدارس ? اعجبوا باللغة كعنصر مهم يربط مسالك الرواية! الموروث والتراث والأسطورة في سياق الحدث وتركيباته المشتبكة مع الحاضر، المعالجة النفسية والاجتماعية للإنسان المعاصر وتكالب صخب الحياة المدنية عليه، المكان كمحور وارتباطه بالشخصيات وتغيراتها، إذا الرواية عالم رحب ولم ولن تنحصر فيما يثير الغرائز والشهوات، الرواية اعتبرها كثير من المعاصرين من سجلات التاريخ، ومن الوثائق التي قد يستفاد منها في مدونات موضوعية معاصرة، مثلما استفاد المؤرخون من الشعر الشعبي عند اختفاء الكتابة التاريخية لمرحلة زمنية غابرة، الرواية صراع وحراك نشط يرصد تحولات ومتغيرات إنسان المدينة وما شابه منها، وإنسان القرية والريف والصحراء وما يكابده من إمكانة موقعه. الرواية تعالج الفقر والإرث البغيض والقهر والاضطهاد والظلم وغيرها مما أوجده الإنسان على نفسه وشوه به كيانه وجماله الذي فطر عليه! الرواية تعيد لنا تركيبات الجمال ومكوناته وعناصره، الرواية تحرك الخيال والذاكرة وتشعل ما سكن من صدمات الطفولة بشقاوتها ومرارتها وهدوئها وتمردها وحلاوتها العذبة! الرواية عالم لا حدود له ونتاجنا تجاوز هذا الحصار، ولم تعد الجغرافيا هي العامل المهم لها! لأن الكم المعادل للكيف تجاوز الرقم المتخيل، وليس كل رواية تثير الزوابع والقراءة الصحافية هي الأبرز، أو الرواية التي تمر بسلام وهدوء هي الأضعف! واللعبة الإعلامية باتت واضحة المعالم، لهذا الكل لديه رواية والكل يكتب الرواية وكل من امسك بالقلم لديه رواية، وأول المشاريع الأدبية لفلان من الناس هو إصدار رواية جديدة! وبالنظر إلى الأرقام الآتية للمقارنة وتفهم الواقع الأدبي الإبداعي الإنتاجي في المملكة سنكتشف أشياء كثيرة. أولا الرواية: منذ عام 1349 - 1389ه صدرت 19 رواية. منذ عام 1390 - 1400ه صدرت 33. منذ عام 1401 - 1410ه صدرت 74. منذ عام 1411 - 1420ه صدرت 98. ثم دخلنا في العقد الجديد حتى ثلثيه إذ بلغت 180 رواية. بدأ هذا العقد 1420/ 2000 بأرقام لا تقل عن العشرين رواية. وكل عام تزيد فيه اكثر ويرتفع الرقم إلى الأعلى!. ثانياً المجموعات القصصية: منذ عام 1366 - 1389ه صدرت 30 مجموعة قصصية. منذ عام 1390 - 1400ه صدرت 38. منذ عام 1401 - 1410ه صدرت 115. منذ عام 1411 - 1420ه صدرت 170. العقد الأخير حتى ثلثيه صدرت 200. ولعله من الممكن إدراك القصد من ذكر هذين الجدولين الإحصائيين، وهما يكشفان عن العلاقة الكتابية الإنتاجية للرواية والقصة القصيرة، العلاقة الكمية التي بدأت متفاوتة في مسيرتهما ثم تصاعدت إلى أن وصلت إلى الاقتراب، هنالك مفاهيم وتحولات صاحبت الكتابة نفسها، وهناك مفاهيم ومتغيرات في الجانب الآخر: المتلقي الذي حفز على كتابة الرواية. وهنا سأحلل من وجهة نظري ? الببلومترية ? تلك الأرقام: بدأت عملية نشر الرواية قبل القصة القصيرة ب15 سنة، لكن القصة القصيرة نشرت في الصحافة قبل الرواية بسنوات طويلة. نلاحظ أن المرحلة الأولى للرواية كانت خمسين عاماً ولم يصدر حينها إلا 19 رواية فقط، والمرحلة الأولى للقصة القصيرة 24 سنة وصدر خلالها 30 مجموعة قصصية!. المرحلة الثانية وهو العقد الثاني لها: 1390 ? 1400ه، اقتربت من بعض بفارق خمسة أرقام، وهي مرحلة تكون الأدب السعودي ونضجه فنياً وطباعة وانتشاراً. نجد أن الفجوة اتسعت في المرحلتين الثالثة والرابعة خلال العقدين: 1401 ? 1420ه، وتجاوزت عملية نشر القصة القصيرة وإصدار المجموعات القصصية الرواية بصورة واضحة تماماً، ويعود هذا إلى أسباب كثيرة منها: الاهتمام الواضح بالقصة القصيرة من الكتاب أنفسهم، من جهات النشر والإصدار الحكومي والأهلي، من الدارسين والباحثين، في الداخل والخارج من جميع الأطراف أفق الكتابة والإبداع ومن ثم النشر، سهولة التلقي من الجهات الرسمية والشعبية، مساحة المحذورات والمحرمات واللغة المكثفة والرمزية في النص القصصي. القدرة الكتابية والتحمل العقلي - الاسترجاع والتذكر- لدى القاص لا يستهلك طاقاته كما هي لدى الروائي. الحرية الشخصية ومساحتها ومقدرة الكاتب على تكيفه معها ومع الوسط العام الرسمي والشعبي. وهناك أسباب كثيرة يدركها القارئ والباحث في هذه المرحلة. المرحلة الأخيرة: ما بعد 1420 إلى هذا اليوم قفزت الرواية لتجاور المجموعات القصصية في كميات الإصدار والنشر والانتشار، ولم تمر سنة واحدة من دون تصاعد واضح إلى أن بلغت: 180 رواية و200 مجموعة قصصية، وهذا الاقتراب هو ما كنت أقصده، خصوصاً بعد تغير مفهوم الكتابة الروائية!. إن كتابة الرواية لم تعد ? كذلك ? ضمن دائرة كتاب القصة القصيرة، وكتبها كل من لديه المقدرة الكتابية كل بطريقته الخاصة. أليس كذلك؟، وقرأنا رواية المهندس والسياسي والإعلامي والشاعر والشاعر الشعبي والاقتصادي وغيرهم كثير، ممن بدأ بالكتابة الروائية فجأة من دون مرور على الكتابة الأدبية، لهذا أعود كما بدأت وأؤكد أن الرواية لم تعد هي الرواية التي نسعى إليها ونطلبها لتكون رمزاً لتقدمنا الأدبي!.