الاستفتاء الشعبي الوحيد الذي قد يسفر عن غالبية ساحقة هو ما يخص وضع ضوابط لمكبرات الصوت في المساجد والجوامع في مدن المملكة تلك، التي تبلغ قرابة ال70 ألفاً تتداخل اصواتها وقراءاتها للدرجة التي تحوّل اداء هذه الفريضة بما تتطلبه من خشوع وسكينة وهدوء الى فاصل ضجيج وصخب يخدش قدسيتها، أما ونحن في موسم رمضان، فالتنافس على أشده وكأننا في سباق بين المساجد لتحقيق الصوت الأعلى. صدقية وزارة الشؤون الاسلامية على المحك، فهي توالي منذ عقود اصدار عشرات التعميمات بتوقيع الوزير ووكلائه والرؤساء والمديرين في الوزارة تحمل روح الحزم والحسم والدقة تلزم الجميع من مؤذنين وأئمة بحصر استخدام مكبرات الصوت في المساجد في الأذان والإقامة، لكن هذا التعميم لم يفلح في إلزام احد، وحددت الوزارة خطب الجمعة والعيدين وصلاة الاستسقاء فقط، لبث فعالياتها عبر المكبرات الخارجية، ولكنها لم تنجح في الزام احد، بل انها حددت في تعميماتها"الدقيقة"استخدام أربعة مكبرات صوت في مئذنة المسجد، وألا يكون صوتها مرتفعاً، وهو الشيء الذي لم يتم حتى يومنا هذا. لا احد يجهل، لكن لا احد يعترف بأن أسعار الأراضي التي تجاور المسجد منخفضة، ومعظمنا على رغم أنه يصلي في المسجد يخشى مجاورته خوفاً من الإزعاج، فالصوت المجلجل يفزع كبارنا قبل صغارنا، وهذه التقنية التي أسيء استخدامها تعمل كوسيلة خاطئة لتحقيق هدف سام، وهناك من يعتقد أن تلاوات الأئمة المتداخلة في الأحياء السكنية، تخلق اجواء روحانية بفعل اصداء متلاطمة للآيات تجول في الأطياف، وهذه الأجواء هي في الحقيقة ضوضاء وإزعاج وهذا اعتقادنا كمصلين ومرتادين للمساجد. الظاهرة في تصاعد وسط هذه اللامبالاة من الوزارة، اضف الى ذلك انه لا احد غير الوزارة نفسها قادر على تقديم الحلول، فلا تعتقد ان اياً من الجيران يجرؤ على تقديم شكوى لدى الادارة المختصة، بتضرره من ضوضاء مضخمات الصوت تلك، وإلا وصم بالعار بل والويل له والخزي والثبور وهو يتنقل في ممرات الوزارة وبين مكاتبها، ليشتكي المسجد وليسكت صوت الحق وليوقف تدفق الآيات الكريمات التي تتلى عبر مكبرات الصوت في المسجد، وكلها امجاد لا اعتقد ان مواطناً سعودياً عاقلاً بالغاً راشداً يسعى لتحقيقها. نرجو من الوزارة ان تعلن موقفها اليوم بوضوح، ونسبة نجاحها في تطبيق تعليماتها لا تتعدى صفر في المئة، وهل هي فاقدة لشرعيتها او عاجزة عن ممارسة صلاحيتها وهي تمسك بقرار واضح الى جانب فتوى صريحة اصدرها الشيخ محمد الصالح العثيمين - رحمه الله - يدعو فيها لإيقاف هذا التشويش والأذى، الذي يتعرض له الناس من مكبرات الصوت فوق المنارة، واستثنى من ذلك المسجدين المكي والنبوي والجوامع في صلاة الجمعة؟ حين يكون بعض المصلين خارج المسجد يحتاجون إلى سماع صوت الإمام، وأرجو ان يدلني القارئ على مسجد واحد تقيد بالتعليمات او اتبع يوماً هذه الفتوى، فالأئمة يستمعون لأنفسهم في المكبرات ولا يستمعون لتوجيهات الوزارة. ?هذا الدين العالمي العظيم بإعجازه ليس بحاجة لضوضاء الميكرفونات لنشر دعوته والتمسك بعباداته.