أتى الخريف مبكراً. فشل الشباب في تحريك بحيرة التغيير الراكدة. فشل الشباب في تجربة الظهور في ساحة الشأن العام السعودي، بعد أن شهدت الانتخابات البلدية أخيراً سقوطاً قاسياً لهم، وارتقى الكهول و «ذوو الشيب» على سلم «الخبرة»، ليتربعوا على سدة المجالس البلدية مرة أخرى. تهاوت طموحات شباب متحمس لفرصة يعبِّر فيها عن أبناء جيله، وتساقطت شعارات على غرار «جاء دور الشباب»، وفشل «فايسبوك» و «تويتر» في صنع التغيير هذه المرة. لكن بعضهم لا يرى ذنباً ل «فايسبوك» أو «تويتر» أو أي مواقع أخرى في إخفاق الشباب بحجز مقاعد في المجالس البلدية، لأن المشكلة «في الانتخابات نفسها» كما يرى أحمد الغامدي، الذي يؤكد أيضاً أن العزوف عن التصويت هو السبب، لا سوء التأثير وضعف الدعاية. غدا الشباب إلى المقاعد بالترشح للمجالس البلدية، لكن بقية الشباب لم «يغذّوا» السير باتجاه صناديق الاقتراع ليدعموا أقرانهم، فكان «اليأس» و «الجهل» أحياناً، وتخبط الصفوف أحياناً أخرى. «لم يعد يهم الشباب السعودي التصويت في المجالس البلدية، بعد التجربة الأولى التي كشفت انعدام فعالية هذه المجالس، وهو ما يعني أن الجالسين على مقاعدها غير مؤثرين، سواء كانوا شيباً أم شباباً»، من وجهة النظر هذه ينطلق سعد القحطاني وسواه في عدم دعم الشباب المرشحين للمجالس البلدية. كانت مجموعة كبيرة من مرشحي الانتخابات البلدية في السعودية، ومعظمهم شباب، اتخذوا من مواقع التواصل الاجتماعي مقارَّ لحملاتهم، من باب الوصول الأسرع وتقليل كلفة الحملات الانتخابية المادية. وعلى رغم التوقعات المتفائلة بنجاح الشباب أو دخولهم «جزئياً» الى المجالس البلدية، إلا أن مفهوم ارتباط السن بالخبرة لا يزال غالباً لدى كثير من السعوديين الذين اختاروا بوضوح «الأكثر خبرة» بعيداً من «طيش الشباب»، كما يرى الاختصاصي النفسي عبدالكريم سند، الذي يؤكد أن وعي المجتمع ينقسم إلى قسمين، أولهما «موقت»، كما هو واضح من وعيهم بأن المجالس البلدية ليست ذات قيمة تذكر، في حين أن القسم الثاني، وهو الوعي التراكمي الجمعي، الذي يصر على أن «الأكبر هو الأفضل» على رغم انتقاض هذه النظرية. وتبدو خيبة الأمل كبيرة لدى المرشحين الشباب من خذلان بني جيلهم، في حين أن بعضهم بدا «متفهماً»، من باب أنها التجربة الأولى لهم، وأن التغيير سواء على مستوى الوعي أم الواقع، لا يأتي بين ليلة وضحاها. وساهمت حملات المقاطعة المتنوعة الأهداف والأسباب في إحجام وعزوف كبيرين عن المشاركة في الانتخابات، خصوصاً بين الشباب، إذ لوحظ غياب الشباب عن مراكز الاقتراع، والحضور الواضح للمسنين، لدرجة جعلت بعض الكتاب والمحللين يرون أن «كبار السن» أنقذوا الانتخابات البلدية من الفشل الذريع. واختار 60 في المئة من الناخبين السعوديين المقيدين عدم المشاركة في الاقتراع الذي كان يوم الخميس الماضي، وهو ما يعني أن نسبة المقترعين إلى عدد من يحق لهم الانتخاب 14 في المئة (432 ألف من أصل 3.1 مليون مواطن). ومنعت لوائح الانتخابات استخدام وسائل الإعلام والإعلان المرئية في الدعاية الانتخابية، كما حظرت أي نوع من التكتلات الأيديولوجية أو القبلية. وتعتبر الانتخابات التي انتهت قبل أيام، الأخيرة من نوعها، بعد أن منحت المرأة السعودية حقوقاً سياسية، بدخول مجلس الشورى وحق التصويت والترشح للمجالس الانتخابية، إذ من المتوقع أن تتضاعف أعداد الناخبين والمرشحين في الأعوام المقبلة، بدخول العنصر النسائي في مجريات الحدث. لكن «من يفعل أفضل ممن يقف متفرجاً» يقول بعض المرشحين الشباب، الذين أكدوا منذ البداية أن «لا شيء مضموناً»، وأبدوا تفاؤلهم بحذر، من دون أن يضعوا رهانهم الوحيد على مواقع التواصل التي أحدثت تغييراً كبيراً في أماكن أخرى من العالم. ويعزو المرشح الشاب للانتخابات عبدالرحمن الحسين، سبب خسارته وكثير من المرشحين المجايلين له، إلى «غياب العمل المؤسساتي» لدى الشباب، واقتصاره على «اجتهادات» تتخذ طابع «الحماسة الآنية»، مشيراً إلى أن ضعف التنظيم والثقافة المؤسساتية ساهما بشكل كبير في إحباط النهوض الشبابي. ولم يُخْفِ الحسين ما لعبته الانتخابات الأولى من تثبيط للناخبين الشباب الذين لم يجدوا في التجربة الأولى ما يهمهم ويعنيهم «لو كان الشباب لمسوا أي صدى لتفاعلوا، لكنهم لم يجدوا». ويضيف: «كثير من الشباب جاؤوا متأخرين، عندما سمعوا بترشح أشخاص من أعمارهم ويحملون أفكارهم، لكن الاهتمام جاء بعد فوات الأوان، إذ لم يكن معظمهم مسجلاً في قيود الناخبين، ما منعهم من التصويت». لكن ما يعزّي الحسين، الذي لم يستطع حجز مقعد بلدي في العاصمة الرياض، هو أن المشاركة الشبابية في الانتخابات «أعطت جرعة تثقيفية للشباب، تهيِّئهم لخدمة المجتمع المدني بأشكال مختلفة مستقبلاً».