خلال السنتين الماضيتين صدر الكثير من نتائج دراسات لتقويم مستويات الجامعات على مستوى العالم، وقد كان من الطبيعي ألا نكون من بين ال 200 أو ال 500 الأوائل، إلا أنه من المحرج أن تكون - حسب الدراسة الأخيرة - أفضل ثلاث جامعات لدينا في آخر قوائم الثلاثة آلاف جامعة في العالم جامعة الملك فهد للبترول والمعادن1681، وجامعة الملك عبدالعزيز 2785، أما الجامعة الأم فقد وضعت في المرتبة ال 2910.ودهش المجتمع السعودي، قيادة وشعباً، بنتائج هذا التقرير، لذا فقد كتب الكثير من الكتاب مقالات مخلصة تتساءل عن حقيقة هذه الدراسات، وكذلك الخطوات العملية لرفع أداء المؤسسات التعليمية العليا في المملكة، إلا أن وزير التعليم العالي عدَ هذه التقارير غير دقيقة وأنها مبنية على ما هو موجود حول جامعاتنا في الشبكات الإلكترونية، كما أنها ليست من جهات رسمية، أما وكيل الوزارة فإنه أقر بالنتائج ولكن أرجع الأسباب لعدم تعاون وزارتي المالية والخدمة المدنية مع توجهات وزارة التعليم العالي. فإذا اتفقنا مع الوزير في أن نتائج هذه الدراسات تعد متحيزة بعض الشيء من الناحية الإحصائية، فإننا ندرك أن تلك الدراسات استخدمت معايير علمية معتمدة، لذا فإني في هذا المقال أود أن أقوم بتطبيق بعض من هذه المعايير على أوضاع جامعاتنا: 1- مقارنة زملاء التخصص في أقسام الجامعة مع زملاء لهم في أقسام أخرى مماثلة Peer Review حيث لو استخدمنا في هذا التقويم مستوى الأبحاث القائمة والمنشورة والجوائز العلمية العالمية، وكذلك مستوى التزام أعضاء هيئة التدريس وانتماءهم للمؤسسة العلمية التابعين لها، فمن قربي ومعرفتي بواقع الأقسام البحثية، فإنه من المؤسف أن البحث العلمي أصبح من أجل الترقيات العلمية فقط، كما أن معامل الأبحاث في السابق كانت أكثر حيوية ونشاطاً. 2- وحتى أقارن ملاحظاتي بدلائل إحصائية، فقد قدم مدير جامعة الملك سعود في الذكرى ال 50 لتأسيس الجامعة ورقة في 17-4- 1427ه بعنوان"الرؤية المستقبلية على ضوء الإنجازات والتحديات"، وأشار في أحد الجداول إلى أن عدد البحوث والدراسات والمؤلفات العلمية المنجزة في عام 1407- 1408ه كانت 1319 إلا أنها خفضت إلى 573 في عام 1425- 1426ه، أي بانخفاض مقداره 56 في المئة، وقد سئل سؤالاً مكتوباً حول أسباب هذا التدني، وقد كان وزير التعليم العالي رئيساً للجلسة، فكان من المفروض أن تتحرك الجامعة والوزارة لدرس أسباب خفض عدد الأبحاث المنشورة، ولم يحرك ساكناً. 3 أما من حيث مستوى الأبحاث فأصبح عدد كبير منها ينشر في مجلات علمية في دول العالم الثالث، وهذا يعد تدنياً في مستوى الأبحاث، فالسبب في انخفاض عدد البحوث المنشورة ونوعيتها وإن كان يحتاج إلى توثيق علمي ربما لانحسار الكفاءات الوافدة الفنية التي كانت تقوم بالتجارب المعملية، إذ يكون اللوم الأكبر على وزارة الخدمة المدنية التي وضعت عوائق"السعودة"من دون أي تخصيص، وكذلك تدني الرواتب والحوافز المادية لهذه الفئة البحثية المهمة. 4- فالحل الأمثل قد يكون في إعطاء الجامعات الحرية في استقطاب مساعدي الباحثين والفنيين، خصوصاً أن هناك تنافساً عالمياً شديداً لاستقطاب هذه الفئة البحثية النادرة أصلاً، لذا فإني أقترح أن يقوم وفد مشترك من وزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل بزيارة مراكز البحوث في أميركا التي ربما أنها لا تحوي باحثاً واحداً من أصل أميركي، فالأبحاث تحتاج إلى أناس ليس لديهم أي ارتباطات اجتماعية وأسرية كالتي موجودة لدى بعض السعوديين. 5- ومن الأمور التي تشجع البحث العلمي إعطاء مكافآت مادية مغرية للأبحاث المميزة وهذا موجود في لوائح الجامعات، وكذلك مطالبة الأساتذة بالقيام بحد أدنى من الأبحاث بعد الترقيات بل وربطها بالكادر الوظيفي. لذا فلو رجعنا لأنفسنا وعملنا مقارنة بين أساتذة أحد الأقسام لدينا وبين أقسام مماثلة في دول أخرى وذلك باستخدام معيار البحوث والجوائز، فما هو ترتيبنا ونحن في هذا الوضع المحتضر؟ 6- من المعايير التي استخدمت في التقويم هي أعداد الأساتذة الدوليين العاملين في الجامعات، كما هي الحال في البحث العلمي، فقد كان توجه الجامعات السعودية سابقاً في هذا الجانب أحسن مما هو عليه في الوقت الحاضر، وهذا يعود لأسباب كثيرة منها وليس أهمها تدني الرواتب التي يحصلون عليها مقارنة بدول مجاورة. 7- ولا أريد أن أضع اللوم على وزارة المالية، بل تعد إدارات الجامعات هي المسؤولة، فللمديرون الصلاحية في رفع رواتب المتعاقدين إلى 100 في المئة المادة التاسعة من لائحة توظيف غير السعوديين. ومن الأمور التي لا تشجع الأساتذة المتعاقدين المميزين على العمل في جامعاتنا أنهم، مع الأسف، يعاملون وكأنهم أجانب، وليس لهم أي صلاحيات أو امتيازات بحثية مستقلة، بل إن بعضهم يحصل عليها بإضافة أحد الأسماء الرنانة"كرئيس القسم"إلى أي من مشاريعه البحثية، لذا فمن الحلول الضرورية والمهمة هو إشعارهم"كما أشعرنا عندما كنا طلاباً أو أساتذة زائرين في الدول المتقدمة" بأن لهم وعليهم ما لزملائهم السعوديين، وهذا يحتاج أيضا إلى ما يسمى بالتقويم النوعي Quality Assurance، للتأكد من حصولهم على هذه الامتيازات، ومدى التزام الأقسام بتنفيذها، وهذه من مسؤوليات عمادة الكليات، فلو سألنا أنفسنا كم هو عدد ونسبة الأساتذة الدوليين الموجودين في جامعاتنا ومدى رضائهم الوظيفي، وهل لدينا المقدرة على منافسة 1000 جامعة عالمية فقط؟ 8- أما بخصوص نسبة الطلاب الدوليين في الجامعات الذين يمثل وجودهم احد أهم الروافد التي تكسب أي جامعة سمعة علمية واجتماعية وسياسية، إذ تفتخر الجامعات المرموقة بأن خريجيها من دول أخرى أصبحوا من علية القوم في دولهم، بل إن الجامعات لديها جمعية خاصة اسمها جمعية الخريجين القدامى Alumni Association تعنى بمعرفة ومتابعة أخبار خريجي الجامعة في كل أقطار العالم ودعوتهم، فنحن أيضاً مقصرون في هذا الجانب، فأصبح وجود الطالب غير السعودي في جامعاتنا من الغرائب، بل ومن المؤسف أن أبناء أساتذة الجامعة المتعاقدين لا يقبلون إلا في كليات محدودة قد لا توافق رغباتهم وبوساطات وتوصيات يدخل فيها عميد الكلية ومدير الجامعة ثم ترفع إلى وزارة التعليم العالي، حيث تأخذ أشهراً للإجابة! 9- مرة أخرى فقد كانت جامعاتنا أكثر انفتاحاً في قبول غير السعوديين مما هو عليه الآن، لذا فإني أقترح أولاً معاملة أبناء الأساتذة المتعاقدين معاملة السعوديين، فهذا سيزيد من إخلاصهم للمؤسسة، وكذلك يضمن ولاء أبنائهم لهذا البلد الذي قد يكون مسقط رؤوسهم، وحبذا لو فتحت مقاعد خاصة لكل دولة صديقة يقبل فيها الأوائل منها، كما لا يمنع ذلك من وضع رسوم تدريس للطلاب الدوليين في جامعاتنا، ضمن ضوابط محددة. 10- هذه مجرد ثلاثة معايير فقط من سبعة أُخر استعنت بها لدراسة وضع جامعاتنا ومقارنتها مع الوضع العالمي لبعض الجامعات الراقية، إذ يتبين للقارئ والمسؤول أن وضع جامعاتنا يحتاج إلى العمل الجاد المحدد بفترة زمنية محددة، وأن نتجنب كثرة التنظير واللجان ولوم الجهات والوزارات الأخرى غير الأكاديمية، كما لا يعذر أساتذة الجامعة عن هذا الهبوط الأكاديمي، فكل منا عليه أن يستشعر المسؤولية، فلا بد من الانضباط والعمل الجاد لرفع سمعة القسم التابع له، لأن سمعة القسم هي في الواقع ليست خاصة بالجامعة بل هي سمعة الوطن. * جامعة الملك سعود