لم يعد الجمال والحسب والنسب من أهم متطلبات الشاب للارتباط بشريكة حياته، وأصبح عمل المرأة من أهم الشروط اللازمة لإتمام الزواج بعد أن تغاضى الكثير من الشبان عن أساسيات تفتقدها زوجاتهم، وتنازل الكثير منهم عن مميزات لا تتمتع بها نساؤهم من ضمنها عمر الزوجة مثلاً، وفي أحيان أخرى عدم إلمامها بأمور المنزل عموماً، والطبخ خصوصاً، إضافة إلى مدى استعدادها وقدرتها لتكون أماً ومربية أجيال. ولكن على رغم ذلك، لم يتهاون معظمهم في التشبث بالاقتران بالمرأة العاملة عموماً ومن تعمل معلمة على وجه الخصوص. وتباينت وجهات النظر حول طبيعة الارتباط بالمرأة العاملة أخيراً، إذ كان الشاب يفضل ربة المنزل المتفرغة ويتحاشى الزواج من المرأة العاملة، على اعتبار أن عملها بحد ذاته سيؤثر سلباً في بيتها واهتمامها بزوجها وتربية أبنائها، البعض اعتقد أن وظيفة المرأة تمنحها قوة واستقلالية هم في غنى عنها، بينما في هذا الوقت نلاحظ أن نسبة كبيرة من الشبان يدققون في مؤهل الزوجة وعدد سنوات خدمتها، وهناك فئة ترفض الزواج بالموظفة التي تعمل على بند محو الأمية أو بند الأجور خوفاً من عدم ثبات عملها واستمرارها، اللافت في هذه الزيجات أن شريحة ليست بالقليلة من أزواج النساء العاملات يشعرون وبنسب متفاوتة بأن لهم حقاً في الشراكة لرفد الواقع الاستهلاكي للأسرة، منهم من يرى أن من حقه أن تضع زوجته مبلغاً مقطوعاً مخصصاً لبعض المصروفات أو الفواتير، وصولاً إلى من يتحكم في دخلها الشهري في مجمله. في هذا الصدد، أجرت"الحياة"استطلاعاً للرأي مع مجموعة من المعلمات في مختلف التخصصات، وأعلنت غالبيتهن إدراك الأحقية في كسبها نتاج كدها وتعبها طوال الشهر أو سلبها اقل حقوقها وإعطاء حصاد جهدها لزوجها، ثمناً لخروجها من المنزل وعرفاناً لموافقته على مزاولتها المهنة التي درست لتعول نفسها من مردودها. في النهاية توصلنا إلى احتواء المجتمع على شريحة من النساء العاملات المستاءات من الاستحواذ على الراتب، وأخريات على قناعة بمساندة الزوج. تقول معلمة اللغة العربية ندى 30عاماً:"بطاقة صرافي تؤهلني للعيش ملكة على عرش قلبه عند نهاية كل شهر"، هكذا بادرتنا، منوهة إلى أنها لا تتذوق معنى السعادة ولا تستشعر معاني الاستحسان إلا بعد إعطائه راتبها عند نهاية كل شهر، وبسؤالها إن كان ذلك يتم برضاها أوضحت أن زوجها"إنسان مادي، على رغم أن وضعه المادي جيد"إلا انه يطالبها دائماً بتسليمه راتبها، زاعماً أنه هو الأقدر على حفظه والأكثر تدبيراً لاستغلاله بالطريقة المناسبة. وذكرت أنها حاولت أكثر من مرة منعه من الاستيلاء على موردها المالي الوحيد، إلا أن النتيجة كانت اختلاقه المشكلات ومنعها من الخروج من المنزل وتوجيه الكلام الجارح لها، إضافة إلى سهره خارج المنزل حتى منتصف الليل، ما جعلها تقايض راحتها النفسية بمالها وتختصر كل الطرق لتعيش حياة مستقرة. وعلى رغم أن وظيفة المرأة تعد نعمة لكونها مصدراً مالياً تؤمن به المرأة مستقبلها وسلاحاً دفاعياً يحميها من قسوة الزمن، إلا أنها في الكثير من الحالات تكون نقمة على أصحابها، هذا لسان حال معلمة التاريخ للصف الأول متوسط هدى، التي أوضحت أنها لا تزال تدفع ثمن وظيفتها، بعد اشتراط زوجها اقتطاع نصف راتبها في مقابل مزاولتها عملها، بالتالي لم يكن هناك حل آخر في نظرها سوى"الخضوع لأمره"والموافقة على طلبه لتحقيق ذاتها. وعلى رغم تباين الآراء واختلاف الظروف الراهنة بين كل أسرة تسكنها امرأة عاملة وأخرى، إلا أن الكل اجمع على أن المشكلة لا تكمن في مساعدة المرأة العاملة لزوجها، مرجعات جذورها إلى إشكالية"أن يعتبر الرجل راتب زوجته حقاً له لا بد من الحصول عليه، متجاهلاً حقها في مالها"، تقول ذلك مها العلي 27عاماً وهي إدارية في احد المجمعات المدرسية، مستغربة كرم زوجها:"انه لا يبخل بإعطائي مصروفاً شهرياً هو في الأساس جزء من راتبي"، وأضافت أنه بعد أخذه راتبها يمد يده لإعطائها ما حدده لها لشراء حاجاتها الضرورية. من ناحية أخرى، تختلف تجربة موجهة الرياضيات مريم الصالح، التي تمر بتجربة مختلفة كما تقول"مواقفه الشجاعة ونخوة طباعه تدفعني لمساعدته رغماً عنه"، وتفيد بأنها ارتبطت بزوجها وهي لم تتجاوز ال17 عاماً، وأنجبت أول طفلة لها وهي في المرحلة الثانوية. كانت المسؤولية التي على عاتقها تكاد تعوقها عن إكمال دراستها، إلا أن وقوف زوجها بجانبها وتقديره لما تقوم به من مهام، مكناها من إكمال دراستها وإنهاء المرحلة الجامعية بتقدير ممتاز والاستمرار في دعمها، وهي تشير إلى أن وقوف زوجها بجانب أسرتها في الكثير من المحن جعلها تبادر بمساعدته، بل دفعها لاستدانة قرض باسمها وتقديمه له بكل رضا وسرور. أما موظفة الحاسب مها العبدالله وهي تعمل على بند محو الأمية، فأوضحت أن ظروف الحياة الراهنة وغلاء الأسعار إضافة إلى ضآلة راتب زوجها الذي لا يتعدى 3 آلاف ريال، يوجب عليها اعتمادها على نفسها وتوفير متطلباتها الشخصية ومستلزمات المنزل من راتبها، وإسناد تسديد الفواتير وإيجار المنزل له، وهي ترى أن الرجل سابقاً"لم يكن يسمح لنفسه بأن يأخذ ريالاً واحداً من زوجته، على رغم فقر حاله، بينما الآن أصبح الكثير منهم لا يتنازل عن اقتطاع الجزء الأكبر من راتبها ووضعه في جيبه. وتساءلت أم رغد وهي معلمة وأم لخمسة أطفال عن إمكان فض الخلاف الشائك بين الأزواج بسبب تلك الحسابات المادية، وقالت إنها بعد أن أنجبت أبناءها الخمسة، ثقل الحمل على كاهل زوجها وأصبح من الصعب عليه توفير كل متطلبات المعيشة والأبناء، ما جعلها تسهم في مناصفته المسؤولية وتخفيف الحمل عليه، مع إصرارها على إيضاح أن"إجماع العلماء والفقهاء كافة على أن نفقة الزوجة وكسوتها هي وأبناؤها من أولى واجبات الزوج وحقوقها عليه كما ورد في الشريعة الإسلامية، أما في حال مساعدة الزوجة لزوجها وإعفائه من النفقة بملء إرادتها، فذلك يرجع لمدى التفاهم واستيعاب كل طرف للآخر".