تأرجح مستوى الأفلام القصيرة التي تم عرضها ضمن فعاليات المهرجان الأول للعروض المرئية في جدة، خلال الأيام القليلة الماضية، فبعضها ارتقى إلى لغة سينمائية فنية واعدة، مثل الفيلم الروائي القصير"القطعة الأخيرة"لمحمد بازيد، و فيلم"حالم طريق"لنضال الدمشقي. أما البعض الآخر منها فوقع تحت طائلة المبتدئ بكل سقطاته. غير أن مجمل تلك الأفلام وعددها سبعة أفلام تعد في محصلتها تجارب مفرحة ونواة لصناعة، نأت طويلاً عن الناتج الثقافي السعودي...، وبداية نجد أن الاسم الذي أطلقه المخرج عبدالله العياف على فيلمه التسجيلي الأول"السينما 500 كلم"يشير الى المسافة التي تفصل بطل فيلمه طارق عن أقرب صالة للعرض السينمائي، وهي في الواقع المسافة بين مدينة الرياض والمنامة. الفيلم وطول زمن عرضه 45 دقيقة يحكي معاناة شاب سعودي شغوف بالسينما، وعلى رغم أنه في منتصف العشرينات من عمره، وولعه الشديد بمشاهدة الأفلام السينمائية بواسطة الوسائل المختلفة، إلا أنه لم يسبق له دخول قاعة خاصة بالسينما، وبالطبع يعود السبب إلى عدم وجودها في مدينته، ولعدم سفره خارج البلاد طوال حياته...، كاميرا العياف تابعت من خلال مزج سينمائي يجمع بين السينما التسجيلية والروائية رحلة طارق لحضور فيلم في صالة عرض سينمائية حقيقية في البحرين، وأظهرت جزءاً من الصعاب التي واجهها في سبيل ذلك. الرسالة التي نقلها الفيلم كانت جلية المضمون، تحمل أصوات شريحة من الشباب يحلمون بإنشاء دور عرض سينمائية في المملكة ، حتى وإن كان لها طابعها الخاص، الفيلم تناول شأن السينما في السعودية في شكل درامي جيد، ولم يذهب الى مضامين ما يمكن أن تشكله السينما من تنامي الوعي والنشر الثقافي ، ربما بحكم أن ذلك مفروغ منه . ولذلك بدت التصريحات التسجيلية التي يحتويها الفيلم رغم رداءة تقنية الصوت تدور حول توق طارق لدخول قاعة السينما، وهو طرح من شأنه الاكتمال إذا ما تناول محاور أخرى، تتعلق بالجانب الاجتماعي والنظرة للسينما، كذلك الجانبين الرسمي والاستثماري طالما أن الفيلم تسجيلي وواقعي مباشر. في حين بدت تلك النبرة المباشرة طاغية في الفيلم الروائي القصير"حلم ضائع"لمخرجه علي الأمير الذي صور فيه قضية الشباب والفراغ والذي تفضي الى قضايا المخدرات والإرهاب. ركزت الأحداث على تطورات حياة ثلاثة أصدقاء من الشباب العزاب الذين يسكنون معاً، أحدهم ينجرف وراء تعاطي المخدرات، والثاني يتورط في أعمال التفجيرات الإرهابية، والثالث يضيع حلمه في رؤية أصدقائه، وهم يواجهون مصيرهم المحتوم، والفيلم في شكل عام تناول الموضوع في قالب من الخطابة والوعظ لدرجة استعمال الكتابة المباشرة في نهاية الفيلم، ما أفقده الإحساس الفني والرؤية الذاتية لطاقم العمل، وعلى رأسهم كاتب السيناريو والمخرج. بينما ذهب فيلم"حجاب والكنوز الموروثة"لمخرجه نضال الدمشقي الى تخوم الصحراء وضحد الفكرة المتوارثة عن بدو الجزيرة والقائلة بتخلفهم، من خلال إبداء رؤية مغايرة عنهم، تبرز مواكبتهم للتحضر واستخدامهم التقنيات الحديثة، المتمثلة في استعمال السيارات ووسائل الاتصال الحديثة. تناول الفيلم ذلك برؤية بصرية تأملية في حياة رجل بدوي حجاب يسعى الى المواءمة بين بداوته والحداثة التكنولوجية، وإن فقد الفيلم الإحساس بالصحراء لدى المشاهد، وهي التيمة التي كان من الممكن أن تكسب الفيلم قيمة فنية ما ، ناهيك عن تطويل بعض المشاهد التي أحلت بإيقاع الفيلم. تلك الرؤية التأملية التي بلورها"الدمشقي"في فيلمه التسجيلي الثاني المشارك في المهرجان والمعنون ب"حالم طريق"، أتت وفق تقنية تصويرية مقنعة ، إذ يصور الفيلم مشاهد الفقر والعوز في شبه القارة الهندية ، في مشاهد تنبض بحساسية اللقطات الموفقة.