يأتي انخفاض أسعار المواد الأولية وتوافر المقاولين والمطورين إلى جانب رغبة المصارف في تمويل المشاريع الحكومية أو المضمونة من الحكومة، ليضع خيارات الاستثمار في البنية التحتية على رأس أولويات الحكومات لضمان استمرار الظروف الملائمة للتطوّر الاقتصادي والحضري والديموغرافي في المنطقة. ولاحظ التقرير الأسبوعي لشركة «المزايا القابضة» الإماراتية «أن الاقتصاد الخليجي أصبح محط أنظار المستثمرين والشركات العالمية التي تبحث عن فرص استثمارية واعدة وبيئة عمل مناسبة، ما يعني ضرورة الإنفاق على بناء قاعدة انطلاق رئيسة وتطويرها، لإيجاد فرص أكثر ومجالات أوسع للمستثمرين للمساهمة في تنفيذ مشاريع البنية التحتية والتنمية الاقتصادية التي تشهدها المنطقة عموماً». وأشار التقرير إلى «أن ما تحقّق من إنجازات اقتصادية وتشريعية وسكانية خلال السنوات القليلة الماضية، يصبّ في مصلحة تنويع مصادر الدخل القومي وتوزيع أفضل لمصادره، ومن هذا إرساء الأطر التنظيمية والتشريعية والسياسات التي تكفل تأسيس بنية تحتية، وتلبي تطلعات التنمية المستدامة، وتقدّم أفضل الخدمات الممكنة». قطاعات كثيرة وأوضح أن مشاريع البنية التحتية لا تتضمن فقط الطرق والجسور والمرافئ والمطارات والسكك الحديد، بل تشمل قطاعات الصحة والتعليم والصناعات الأساسية والتقنية، والطاقة النووية السلمية والمتجدّدة، مروراً بالمرافق العامة والإسكان والسياحة والثقافة وغيرها. ونقل التقرير عن «مركز دبي المالي العالمي» تأكيده أن الفوائد الاجتماعية والاقتصادية المهمة ستعمّر طويلاً إذا ما كانت مشاريع البنية التحية ممحصة من خلال تحليل دقيق للفوائد والتكلفة، مؤكداً أنها تعدّ محركاً للنمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأن الدول التي لا تستثمر فيها أو لا تحافظ عليها، لا تغفل مستقبلها فقط بل وحاضرها أيضاً. ولفت المركز إلى أن عائدات موارد الطاقة في دول مجلس التعاون، تُعتبر المحرّك الأساس للاقتصاد، وبدأت هذه الموارد تتحوّل إلى أكثر من أصول خارجية، إذ توظَّف محلياً في شبه الجزيرة العربية لبناء اقتصاد معرفي يواكب متطلبات القرن الحادي والعشرين، ما دفع صندوق النقد الدولي أخيراً إلى رفع توقعاته لنمو دول مجلس التعاون الخليجي هذه السنة من 5.2 في المئة إلى 7.8 في المئة، نتيجة أسعار النفط المرتفعة التي سترفع نمو فائض الحسابات الجارية 124 في المئة. وبيّن التقرير أن «مجموعة الحبتور» الإماراتية ناشدت حكومة بلادها عدم تأجيل أي مشاريع في البنية التحتية أو التردّد في تنفيذها، في ظل تراجع مواد الخام ومواد البناء إلى أدنى أسعارها عالمياً. ووفق دراسات «مركز دبي المالي العالمي»، تشكل استثمارات البنية التحتية دائرة مكتملة، إذ ترفع مستوى الإنتاجية والتنافسية، ما يزيد دخل الحكومة وإيراداتها، ما يؤدي إلى مزيد من الاستثمارات العامة. الأزمة الاقتصادية ولفتت «المزايا» إلى أن عدداً من الدول، في سعيها للتعامل مع الأزمة المالية العالمية وتباطؤ الاقتصادي العالمي، تخلّت عن برامجها للإنفاق الرأسمالي الموجه نحو المشاريع والبنية التحتية، لتضخ الأموال في الإنفاق الجاري بهدف تحفيز الاقتصاد على المدى القصير، إلا أن دائرة الشؤون الاقتصادية في «مركز دبي المالي العالمي» شدّدت على ضرورة أن يلفت خبراء الاقتصاد نظر صنّاع السياسات إلى أن تأثير استثمارات البنية التحتية يتخطى أهداف تحفيز النمو على المدى القصير، إذ تُعتبر البنية التحتية المتطورة مساهماً بعيد المدى في تحويل الاقتصادات والمجتمعات، ورفع الإنتاجية ودمج الجغرافيات الاقتصادية والاجتماعية من خلال تحقيق التحوّل في المناطق الأقل تطوراً. ويأتي هذا في وقت يبحث القطاع المصرفي الخليجي عن مشاريع حكومية لضخ السيولة التي تراكمت لديه، نظراً إلى أنها مشاريع مضمونة ولا تحتاج إلى أن تُستقطع مقابل مخصصات، وفقاً لمتطلبات المصرف المركزي، على عكس المشاريع الخاصة، بحسب ما ذكرت تقارير إعلامية، وفق تقرير «المزايا» الذي أضاف أن عقاريين توقعوا أن يبدأ تأثير 452 بليون دولار من الإنفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية في مجلس التعاون، بالظهور في الأسواق المحلية خلال العام المقبل، إذ تشكل الدول المنتجة للطاقة، وهي السعودية والإمارات وقطر، 80 في المئة من القيمة الإجمالية للاستثمار في المشاريع المعلنة، وفق بيانات شركة «فينتشر ميدل إيست» المختصة بالبحوث. وتشكل البنية التحتية للسكك الحديد نحو ربع الإنفاق الحكومي من ضمن المشاريع المقرّرة، وتبدأ من السعودية والكويت، ويرجّح الانتهاء منها بعد خمس سنوات. إعادة هيكلة وأوضح التقرير أن دائرة الشؤون البلدية في أبو ظبي أكدت عدم وجود توجهات لإعادة هيكلة الدعم الحكومي لمشاريع البنية التحتية في الإمارة أو وقفه، بل هي تغير الأولويات على وقع المتغيرات العالمية. وفي دبي، تستثمر «هيئة الطرق والمواصلات» في تطوير الطرق والجسور والبنية التحتية اللازمة لتسيير شبكات المواصلات، وتقدّر استثماراتها ب 60 بليون درهم (16.33 بليون دولار)، إذ أقيمت مجموعة كبيرة من الجسور والأنفاق، ووُسعت بعض الشوارع الرئيسة التي كانت تشهد معظم الازدحامات المرورية، وزيد عدد المعابر الموجودة على خور الإمارة، كما أُدخلت منظومة السكك الحديد المتطورة عبر مشروع «مترو دبي» الذي نقل الخط الأحمر منه العام الماضي 39 مليون راكب، قبل افتتاح الخط الأخضر في 9 أيلول (سبتمبر). وستشهد السنوات الثلاث المقبلة إنفاق مبلغ يراوح ما بين 15 و20 بليون درهم على مشاريع البنية التحتية والمواصلات العامة، من أصل 75 بليون درهم رُصدت للهيئة عند انطلاقها عام 2005، أُنفق منها حتى الآن 55 بليون درهم.