الحظ لا يبتسم مرتين... والفرصة التي تأتي اليوم قد لا تعود غداً... وربما ستعض حركة المقاومة الإسلامية"حماس"أصابع الندم لفترة طويلة... لأنها فوتت على نفسها فرصة إدارة البلاد بعقل سياسي بعيداً عن التشنج والتخويف، وفرض قوتها على أنها قادرة على تغيير كل شيء. حينما قدمت"حماس"كحزب، وانتصرت في الانتخابات التشريعية، نست أنها ستنتقل من سلاح مقاومة ضد الإسرائيليين، إلى حكومة يهمها الشعب بالدرجة الأولى ومصالح وطن، علاقاتها مع كل الأطراف الدولية لست ممن يشمتون للحال التي وصلت إليه حماس، ولكن الشارع السياسي في المنطقة، كان يتوقع أن تظهر الحركة كحزب سياسي لديه أجندة، ويستوعب ما يحدث في المنطقة، وما لها من تبعات. كنا نتمنى من الحكومة الجديدة أن تتعامل بحكمة مع كل المعطيات المحيطة بها، منذ اليوم الأول خرج خالد مشعل، أحد زعماء حركة المقاومة، وأعلن أن الحركة لن تقبل دعوة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان إلى نزع سلاحها، وفي مؤتمر صحافي عقده أخيراً. قال خالد مشعل:"انه في ظل احتلال إسرائيل معظم الأراضي الفلسطينية، فإن مطالبة حماس بالتحول إلى حزب سياسي أمر غير واقعي، لذلك لا يمكن لحماس قبول هذه الدعوة". حينما قررت الحركة خوض الانتخابات، ألم تكن تعلم حينها ان لها واجبات ومتغيرات من الضروري لها أن تقبل. الرد السريع فور فوز الحركة، جاء من الولاياتالمتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، بوقف المعونات التي كانت تقدم للفلسطينيين ومواصلة القصف والحصار الإسرائيليين لقطاع غزة، والمشكلة الأخرى، الأزمة المالية الخانقة التي لا تزال تمر بها، في عدم استطاعتها صرف رواتب ما يقارب 140 ألف موظف حكومي. وواصلت الحركة جهلها السياسي حينما أعلنت عدم قبولها بخطة السلام العربية، والتي اعتمدت في قمة الدول العربية في بيروت. كان يمكن لحركة حماس أن تتفادى كل تلك الأزمات لو أنها وضعت المصلحة الوطنية فوق كل شيء، وتعاملت مع الأحداث بعقلانية. مشكلة المقاومة أنها اعتقدت أن رسالتها الانتخابية هي التي ستقود البلاد إلى تحقيق الأمنيات وحل المشكلات. وان الخطب التي كانت تلقيها على الفلسطينيين قبل فوزها، هي التي ستؤكل 250 ألف موظف الخبز، وتؤمن لهم الوظيفة، الخطب الرنانة تصلح فقط لتأجيج المشاعر وتأسر الناس، ولكن لا تبني، الأمر يختلف حينما تتحول إلى حزب حاكم سياسي. الاحتقان الداخلي هو الذي أجج الموقف، وأصبحت الفصائل الفلسطينية تتصارع في ما بينها، والبقاء للأقوى، والضحية هو المواطن الفلسطيني البسيط الذي ينام ويصحو على كلام لا يسمن ولا يغني من جوع. في ظل شدة الضغوط الخارجية، زادت حدة التوتر بين مختلف الفصائل الفلسطينية، واشتد الصراع على السلطة، فإن حماس في حاجة إلى الحفاظ على هدوء الوضع من أجل توطيد مكانتها في السلطة وكسب ثقة المواطنين. ومن الواضح أن الأزمة الحالية ستستمر ما لم تتراجع حماس عن سياستها، وتخلع عباءة المقاومة، وتعيد النظر في بعض آرائها وتوجهاتها، لم تفهم حماس لعبة السياسة، واعتقدت أن أسلوب المقاومة، هو الذي سيخلق هيبتها أمام خصومها. تجربة حماس في الحكم، قد تكون غير مشجعة مستقبلاً لحركات مقاومة أخرى، أن تكرر التجربة للوصول إلى السلطة، او تدخل انتخابات. المراقبون للأوضاع السياسية في فلسطين ربما يلاحظون تطور الأحداث وتسارعها، وكيف عاش الفلسطينيون في حرب أهلية على مدى أسابيع، ولا يكفي ألا يتسلم الموظفون رواتبهم، ولكن أيضا أن يعيش الشعب الفلسطيني في انقسامات طائفية، وانتماء إلى فصائل مقاومة. فكأن الانتماء إلى المقاومة أهم من الانتماء إلى الوطن. الفرصة لا تزال سانحة أمام الحركة لتعيد ترتيب أوراقها، وحساباتها، وتراجع بعضا من قراراتها التي لا تريد أن تحيد عنها، وهذه القرارات قابلة للتفاوض والنقاش، وأيضا قابلة للحوار، وربما يكون للجهل السياسي لبعض من قادتها سبب لما وصلت إليه هذه الحركة، بدءاً من عدد المتحدثين، والخطاب الهجومي دائماً في أي حوار أو لقاء تلفزيوني، فهناك قائد ميداني، وآخر عسكري، ومتحدث إعلامي، وقائد مقاومة، ومناصب عديدة كلها تحت مظلة مقاومة، فمن يتحدث عن الحكومة. الفلسطينيون والعالم، وأيضاً العرب ينتظرون موعد الاستفتاء على وثيقة الأسرى التي حددها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي سينعقد في 26 من هذا الشهر. وعليها أيضا أن تجسد مبادئ النزاهة والشفافية والفعالية من أجل خدمة المواطنين، وموازنة مصالح مختلف الفصائل من أجل ضمان شمولية الحكومة واستقرارها. وتخفيف مواقفها المتصلبة للحصول على اعتراف المجتمع الدولي واستمرار الدعم والمساعدات المالية. وكل ذلك لن يحدث ما لم تتخل عن مواقفها التقليدية. ما أريد قوله، هو هل يمكن اعتبار أن حركة حماس فشلت كحركة مقاومة في أن تتحول إلى حزب سياسي، قادرة على التجاوب مع المعطيات السياسية، وتسهم في بناء وطن، بعد مقاومة وتنفيذ عمليات استمرت لأكثر من عقدين. وهل ينعكس فشل حماس، مستقبلاً، على حركات أخرى، في المنطقة لها توجهات متعصبة، وآراء مختلفة، قد تكون مقبولة من الناس الآن ولكن حينما تصل إلى كرسي الحكم، ينقلب الأمر ضدها، وقد يقول المواطن حينها، خبز في اليد، خير من كلام قد يتسبب في الجوع ويخلق فوضى. صدقوني الحركات المقاومة، أي حركة لا يمكن أن تسير بالنهج نفسه الذي أعلنت عنه أثناء الانتخابات، فالكلام وقتها مختلف، والآن الأمر مختلف، فالسياسة والمصالح هما اللذان يحركان العلاقات. فهل نرى خلال الأيام المقبلة"حماساً"جديدة، أم تغلب عليها التعنت والإصرار، وحينها ستندم، لأنها لم تستغل الفرصة التي أتيحت لها، لأن هدفها أن تحول المواطن الفلسطيني إلى جندي مسلح، جاهز للمقاومة في أي لحظة، وتقضي على كل مبادرات السلام التي تعطي فرصة العيش بسلام مع جاره الإسرائيلي. أقول لكم بصراحة، استمرار حماس بهذا الحال، سيفضي بالفلسطينيين إلى قلق وخوف، وعدم ثقة المجتمع الدولي. فمن الأفضل خذوها من قاصرها. * إعلامي وصحافي اقتصادي [email protected]