تربية النشء والمجتمع على احترام النظام وتطبيقه والإيمان بفوائده حتى يصبح سلوكاً عملياً يمارسه الفرد، في حضور السلطة أو غيابها، عملية تحتاج الى تكامل الأدوار بين كل من البيت والمدرسة والمجتمع بكل مؤسساته، وأكثر مؤسسات المجتمع احتكاكاً بالفرد هي الإدارة العامة للمرور التي تقوم هذه الأيام بحملة في جميع مدن السعودية ضد مخالفي أنظمة المرور، وتطبق بحقهم العقوبات المادية والمعنوية، ولا اعتراض على ردع المستهترين بالأرواح والأنظمة، وإنما الاعتراض على الأسلوب المتبع في معالجة هذه الظاهرة السلوكية في القيادة، فالذين يشعرون بالظلم من المرور السري، الذي اخبر عن مخالفات لم يرتكبوها، سيولد هذا الشعور فجوة بينهم وبين رجال المرور يصعب علاجها، والذين شعروا بالإذلال والامتهان في حجز التوقيف سينتابهم شعور بان العملية برمتها ليست حماية للنظام، ولو كان الأمر كذلك لحماهم النظام من الامتهان حتى في ظل العقوبة، ويمكن تلافي هذه السلبيات ونتائجها المستقبلية باتباع أسلوب آخر، يجمع بين تطبيق النظام وتربية النشء على حبه واحترامه بإجراءات عدة: الإجراء الأول: عمل منصات خاصة لإبراز رجال المرور وآلياتهم داخل الميادين، وبجوار الإشارات، والعودة الى استخدام الصافرات النحاسية عندما يضيء اللون الأصفر لضبط التوقف الآمن للسيارات من الاصطدام، وبهذا الإجراء نطبق النظام ونغرس في النشء داخل كل سيارة احترامه والالتزام به. ولهذا الأسلوب العملي في التعلم غير المباشر أثره الذي سيظهر في السلوك في قابل الأيام، وبهذا الأسلوب أيضاً سنحصر المخالفات في فئة قليلة استمرأت التهور واللامبالاة بالأنظمة، ويمكن إصلاحها بالعقوبة المادية وإلزامها بحضور محاضرات التوعية، وهذا ما دعا إليه رئيس لجنة السلامة المرورية في جامعة الملك سعود الدكتور علي الغامدي، الذي قاد منذ سنين وما زال حملات التوعية بأخطار عدم الالتزام بالأنظمة المرورية. الإجراء الثاني: إخضاع الطرق فوق الأرض وتحتها والإشارات الضوئية والتقاطعات والميادين لعلم الهندسة المرورية، بما يقضي على جميع مسببات عدم انسيابية الحركة المرورية، وبذلك نشجع على احترام الإشارة الضوئية، ونقضي على الضغوط المحرضة على تجاهلها"وهذا تفسير وليس تبريراً". الإجراء الثالث: العمل على انجاز نظام احتساب النقاط ووضع الحوافز المجزية والمبتكرة التي تشجع على احترام الأنظمة، فالجزاء له جانبان هما: الثواب والعقاب، والثواب مقدم على العقاب شرعاً وعرفاً، وهو من دعائم تعزيز السلوك واستمراره حتى يصبح خلقاً وعادة، وأما العقاب فترتيبه الأخير بين وسائل التربية وفي حالات خاصة ولإيقاعه شروط وضوابط كثيرة. الإجراء الرابع: الإسراع بتشكيل المحاكم المرورية لإعادة صياغة العلاقة بين السائق"المواطن"ورجل المرور"المواطن"على أسس الاحترام المتبادل والهدف المشترك وهو احترام النظام وحماية الأرواح والممتلكات، وبذلك تتضاءل الفجوة الناجمة عن الترصد وتصيد الأخطاء وتضخيمها. الإجراء الخامس: إطلاق حملة توعية مستمرة تذكر بأصول القيادة وآدابها وفنونها بعبارات مباشرة ومحفزة، تبرز فوائد احترام النظام، وعلاقة القيادة بالأخلاق والتركيز على استثارة الوازع الديني، فانتهاك النظام فيه إثم وقتل النفس من أعظم الكبائر. وفي الختام، لا يمكن اعتبار إعلان المرور عن انخفاض المخالفات المرورية في ظل هذه الحملة تغييراً حقيقياً في السلوك له صفة الثبات، وإنما هو تغيير وقتي سرعان ما يعود الى سابق عهده، وربما أكثر في غياب السلطة، والأمة العظيمة هي التي تربي في أبنائها حب النظام واحترامه وتطبيقه حتى في غياب السلطة، لأنها تقدم لهم الأمثلة المحسوسة لفوائده في جميع المجالات، والتربية ليست عملية سهلة بل شاقة وطويلة ومستمرة يزرعها جيل أو جيلان، وتجني ثمارهما الأجيال اللاحقة بشرط أن يتعاهدها كل جيل بالرعاية والصقل والتنمية. عبيد السويهري ? مكة المكرمة