أثار"ملتقى النقد الأدبي في المملكة"الذي تبدأ فعالياته مساء اليوم، جملة من التساؤلات لدى عدد من المبدعين، ولعل أبرز ما أثير: كيف يعقد ملتقى للنقد، في ضوء الشكوى المتزايدة من الأدباء، حول غياب النقد وعجزه عن مواكبة الإبداع الجديد. إضافة إلى أن الكتب النقدية التي يعرفها المشهد النقدي، لا تعدو كونها في رأي بعض الأدباء، إما رسائل جامعية، أو مقالات صحافية، وليست مشاريع نقدية، ترتكز إلى منهج وإلى جهاز مفاهيمي. هنا ثلاث شهادات لثلاثة مثقفين. حامد بن عقيل: ملتقى الوهم النقدي الواضح أننا نغيب على رغم حضورنا، ونتلاشى مع وجود مفترض، أنشطتنا الأدبية الآن بعمومها تتخذ شكلاً تأريخياً، فنحن نؤرّخ ولم نزل نحبوا، ونكتب عن النقد في المملكة ولازلنا نتساءل: هل هناك من الرصيد النقدي والتراكم الإبداعي الذي طاله النقد ما يشفع لنا بذلك؟! والمتابع للحركة النقدية في المملكة العربية السعودية يرى بشكل واضح غياب النقد التطبيقي إلا أقلّه، ويلمح بجلاء أن النقد الصحافي هو السائد على طريقة الوجبات السريعة، أما كتب النقد الحديث في المملكة فكانت ? جلّها لا كلّها- تخطف من الغرب نظرية وتأتي بها إلينا مجلّلة بوقار الترجمة، مع اقتطاف ما يدعم النظرية من نصوص مبدعينا، وهو اختيار واعتساف لا يفيد النّص ولا يرسم منهجاً لكونه خاضعاً ? بدرجة كبيرة - لإرادة الناقد المتمثلة في دعم نظريته الوافدة لا أكثر، فنبت لدينا خليط من النقد يشبه النقد كثيرا، ولكنه أقرب للوهم. مؤسف أن نناقش التاريخ النقدي في المملكة وتاريخ الحركات النقدية ونحن لم ننجز ما يشفع لنا بنقاش كهذا، فلسنا ممن وضع الحافر على الحافر فتبين طريقه واتضحت طريقته، ولسنا ممن عمل على نصوصه الأدبية فشرّحها، بل عملنا على الاستشهاد بما يعيننا على دعم نظرياتنا الكثيرة الوافدة، وبقي النّص، كما بقيت الظواهر والأعمال الإبداعية أيا كان مجالها خارج دائرة النقد، وها نحن اليوم نتشبث بمحاولات فردية أنتجت على فترات زمنية متباعدة كي نملأ أفقنا الفارغ بالوهم، ونزعم أننا نمتلك من التراكم النقدي ما يشفع لنا بالخوض في تاريخ حركتنا النقدية، أو سباتنا النقدي بشكل أدقّ. عبدالله الزيد: المؤاخذة لا تنصب على الملتقى في ذاته بدءاً، لا نملك في الساحة الثقافية إلا أن نرحب ونحتفل بأي مشروع ثقافي يحرك المياه الراكدة فيها، ولعل النقد في ذاته، وبشخصياته، وسياقه، من أهم العوامل الثقافية التي ? فعلاً- تحرّك المياه الراكدة في ساحتنا الثقافية. نأتي بعد ذلك إلى مسألة التقويمات، أو التفكير بشكل فاعل في جدليات نلمسها بين فقرات ما سيطرح، وهذا في ذاته سابق لأوانه، فلعلنا ننتظر قليلاً حتى نرى ماذا سيكون، ولنفترض أن ما سيطرح من أعمال في هذا الملتقى أنها تشبه إلى حد كبير تلك الأعمال الأكاديمية التي ترصد ما سبق أن كان، وعلى أي حال ذلك لا يمنع أبداً من التفاؤل بما سيكون من نتائج، لأننا في أقل الأحوال سنحتفي بشيء يمارس أكثر من ألاّ يكون هناك شيء، وعلى أي حال سننتظر معطيات هذا الملتقى، وعندها يتضح ماذا سيكون هناك من نتائج، أما مسألة إيجابيتها من عدمها، فتلك أيضاً مهمة الذين يراقبون أو سينتقدون ما سيكون. بقي أن أشير إلى أهم المحصلات في هذا السياق، وهي أن المؤاخذة لا تنصب على الملتقى في ذاته، وإنما كلّ الفقرات الثقافية في الساحة مطالبة بشيء ما. فهد العتيق: ضجيج فج حول حداثة النقد بصراحة لا يوجد لدينا حركة نقدية حداثية فعلاً، على رغم هذا الضجيج الفج حول حداثة النقد، كما أن حكاية النقد والنقاد لدينا عجيبة فعلاً، مثلاً: ناقد كبير؟ يدعي الحداثة، لكنه يفرق بين الرواية الأدبية والرواية الثقافية؟!، في وقت لا تفرق فيه الحداثة بين الأجناس الأدبية كثيراً. لكن النقد لدينا يصنع فروقات داخل الجنس الأدبي الواحد، ولهذا نلاحظ أنه مع غياب حركة نقدية أدبية ثقافية مهمة وفاعلة، تم ابتداع حكاية النقد الثقافي من اجل الهرب من الكتب الإبداعية، التي تصدر بهمومها الثقافية الجادة أحياناً، والتركيز على تنظيرات ساذجة تتفلسف على القارئ. ولاحظ أيضاً كيف أنه في غياب حركة نقدية جادة، يقوم مشرف على ملحق ثقافي بصناعة نقاده ويفصلهم على مقاسه ومقاس زملائه، أو يطبلون صحافياً لأعمال روائية ضعيفة ويهملون الجادة، أو يطرحون اسئلة صحافية ساذجة حول الرواية المحلية، هذا هو حالنا الثقافي البائس فعلاً، تحولت العملية إلى علاقات شخصية وعلاقات نفوذ صحافي مكشوف للقارئ والمتابع، في ظل غياب حركة نقد حقيقية جادة، ومثابرة ومحتشدة لمشروعها النقدي الحديث باخلاص.