شن محلل ومتخصص مالي حملة واسعة على محللي القنوات الفضائية والصحف، معتبراً أنهم لم يأخذوا في الحسبان حقائق السوق المتغيرة، وظلوا منهمكين في تحديد نقاط الدعم والمقاومة لشركة"بيشة"وغيرها. ورأى المحلل المالي وأستاذ الاقتصاد المساعد في كلية الملك فهد الأمنية الدكتور عبدالعزيز الطويان في قراءة للسوق ستنشر في مجلة"استثمار"العربية، ان الأسئلة التي يطرحها المتعاملون في السوق هي: ما الذي حدث؟ ومن يتحمل المسؤولية؟ وأين ستتجه السوق في الأيام المقبلة؟ ويوجز انه للحديث عن السوق لا بد من استعراض بعض المقدمات، ومنها: أولاً: أن المؤشر العام للسوق السعودية بدأ في الارتفاع من مطلع عام 2003، إذ بلغت قيمة المؤشر العام نحو 2900 نقطة، ثم واصل ارتفاعه إلى أن بلغ في منتصف الربع الأول من عام 2006 نحو 20 ألف نقطة، وهو في رحلته تلك لم يشهد أية تصحيحات حقيقية، إلا عند مستوى ستة آلاف نقطة، وعند مستوى 14 ألف نقطة، ثم جاء التراجع الحاد والكبير عندما تجاوز مستوى 20 ألف نقطة. ثانياً: أن السوق شهدت طرح الكثير من الشركات الجديدة، وزيادة رؤوس أموال شركات قائمة، إذ بلغ عدد الشركات المطروحة، التي تمت زيادة رأسمالها في عام 2005 والربع الأول من عام 2006 فقط، نحو 33 شركة، أضافت إلى السوق 438 مليون سهم، بعد استبعاد حصة الدولة في أسهم شركتي"سابك"و"الاتصالات"وبلغت القيمة السوقية لهذه الزيادة يوم 25-2-2006، أي اليوم الذي وصلت فيه السوق ذروتها نحو 658.5 بليون ريال. ثالثاً: أنه في كل مرة يزيد فيها رأس المال، وتعطي هذه الشركات أسهما مجانية، كان سعرها يتراجع، ثم سرعان ما يعود إلى السعر قبل الزيادة، وهي حال نادرة لم نشاهدها إلا في السوق السعودية، وهذا السلوك يزيد من حاجة السوق إلى السيولة للمحافظة على مستوى السعر السابق نفسه. ويضيف أننا لو تأملنا هذه النقاط فيها لأصبحت الصورة واضحة جلية، فالمتعاملون الذين اندفعوا يرفعون المؤشر من مرحلة إلى أخرى، ويتحدثون عن الوفرة في السيولة لم يضعوا في الاعتبار الزيادة المطردة في عدد الأسهم، التي دخلت السوق، نتيجة زيادة رؤوس أموال الشركات، وطرح الشركات الجديدة، بل أغرتهم الأسهم الممنوحة بالتوسع في الاقتراض والشراء من جديد، وأدى ذلك كله إلى عملية رفع متواترة للمؤشر على رغم الزيادة في المعروض من الأسهم، لذا عندما انهارت السوق وبدأ الهبوط المتسارع، لم يكن لدى المتعاملين في السوق القدر الكافي من السيولة لصد هذا الطوفان المنهمر من العروض، حينها تقطعت السبل بالمتعاملين الذين أغفلوا أن منح أسهم مجانية يؤدي إلى انخفاض سعر السهم، وليس إلى عودته إلى مستوياته السابقة، وللأسف انبرى المحللون بعد فشل توقعاتهم في كيل اللوم على هيئة السوق المالية، من دون أن يدركوا أنهم لم يأخذوا في الحسبان حقائق السوق المتغيرة، وظلوا منهمكين في تحديد نقاط الدعم والمقاومة لشركة"بيشة"الزراعية حتى تجاوز سعرها سعر"سابك"ما يُحسب للمحللين الفنيين في سوقنا كإنجاز غير مسبوق! وزاد أن أبرز ملامح هذا الواقع الجديد أن المتعاملين - وفي ظل الهبوط المتسارع للأسعار في شركات المضاربة الصغيرة - وجدوا هُوة واسعة بين سعر الشراء والأسعار التي وصلت إليها، وتكدست كميات كبيرة بين أيدي المضاربين الكبار أو من يسمون ب"الهوامير"من دون أن يستطيعوا بيع شيء مما يملكونه، لا سيما أنهم في مرحلة من مراحل الهبوط حاولوا كبح جماح الانهيار من خلال الشراء، لكنهم لم يستطيعوا، فأصبحت العروض من دون طلبات، وبدأت الأسعار بالنزول يومياً بالنسبة القصوى المسموحة، وهكذا أصبح ملاّك هذه الأسهم صغاراً أو كباراً مخيرين بين أمرين أحلاهما مر، إما البيع بأسعار متدنية وإما الصبر. ويختم أن السؤال حالياً هو: أين سيكون مستوى التوازن الجديد؟ وعند أي نقطة سيكون المؤشر قادراً على الارتداد ثم الاستقرار؟ ويشرح إن هذا سيعتمد على جملة من العوامل يمكن تلخيصها في ما يأتي: - أن أسعار أسهم المضاربات لن تعود إلى المستويات التي وصلت إليها في ذروة ارتفاعها أبداً، وسيتكرر ما حدث مع أسهم الشركات في التسعينات من القرن الماضي، فمن المستحيل أن تعود"الغذائية"و"المتطورة"و"بيشة"الزراعية وغيرها إلى مستوياتها السابقة، لذا فإن تحرير جزء من السيولة المجمدة فيها يعتمد على قرار مالكيها بتحمل الخسائر، ومن المتوقع لها أن تعود إلى مستويات الأسعار التي انطلقت عام 2004، وأن يتحدد سعرها من خلال عوائدها. وقرار البيع أو عدمه سيؤثر في مستوى السيولة في السوق، وبالتالي سعر التوازن الجديد. - أن الأسهم القيادية - وخصوصاً قطاع المصارف - ستستقر عند المستوى الذي كان من المفروض أن تستقر عليه عند منح الأسهم المجانية، وإذا ما تراجعت السوق وتقلصت العمولات والتسهيلات، فإن أرباح المصارف ستعود إلى سابق عهدها. - أن توازن السوق من جديد سيعتمد على ما يطرح من الشركات على شكل إصدارات جديدة، ولا شك أن هذه الإصدارات ستعمل على تقليل السيولة من جانب، وزيادة المعروض من الأسهم من الجانب آخر، والواقع أن الإصدارات في السوق أكبر أثراً من زيادة رؤوس أموال الشركات القائمة، لأن تلك الشركات في الواقع تكون أسهمها مملوكة، إما لمستثمرين كبار أو مضاربين كبار، ولكن الشركات المطروحة للاكتتاب يتم طرح كميات كبيرة منها للتداول، ويؤدي ارتفاع قيمتها إلى سحب كم كبير من السيولة، ولعل واحداً من أسباب التعجيل في تراجع الأسعار فجأة ما سحبته شركة"ينساب"من السيولة المتوافرة للسوق بعد طرحها للتداول. يبقى بعد ذلك عامل مهم في تحديد مستوى التوازن الجديد للأسعار وهو متلخص في القرارات التي وجه بها خادم الحرمين الشريفين بالسماح للمقيمين بالاستثمار في الأسهم، وتخفيض القيمة الاسمية للسهم عبر التجزئة، وكلا القرارين سيكون له أثر إيجابي وإن كان الأفضل أن يتزامنا، أي لا تكون بينهما فترة زمنية طويلة. ولا شك أن المقيمين إذا نظموا أنفسهم ودخلوا في محافظ يديرونها بأنفسهم بواسطة خبراء متخصصين من الجالية، فإن ذلك سيكون له أثر إيجابي في السوق، وعلى الجالية نفسها، إذ من الممكن عندئذ تفادي المخاطر غير المنتظمة من خلال تنويع المحفظة.