أُطلق على السبت الماضي 16 حزيران/ يونيو في سوق الأسهم السعودية تسمية "اليوم الدامي"، بعد خسارة المؤشر نسبة 3 في المئة وخسارة السوق نحو 45 بليون ريال، واكتساح اللون الأحمر الذي يعبر عن تراجع الأسعار 97 في المئة من أسهم الشركات المدرجة في السوق. إذ انخفضت الأسعار السوقية ل 23 شركة بنسبة 10 في المئة، وهي النسبة المسموح بها للتراجع اليومي في السوق. وأغلق المؤشر عند مستويات تعود إلى ما قبل 20 تشرين الأول أكتوبر عام 2004 وعند مستوى 6861 نقطة، وكان وصل إلى مستوى 20630 نقطة في 25 شباط عام 2006. ويكون مؤشر السوق عند هذا المستوى انخفض بنسبة 13.5 في المئة خلال هذه السنة، وخسر نسبة 66.7 في المئة مقارنة بأعلى مستوى وصل إليه في شباط عام 2006 خسائر القيمة السوقية نحو تريليوني ريال، وخسر مؤشر السوق نسبة 52.5 في المئة خلال العام الماضي، وكان ارتفع بنسبة 103.6 في المئة عام 2005. وبالتالي لا تزال السوق السعودية الوحيدة في الخليج التي تغرّد خارج السرب، لجهة حجم الخسائر التي سجلتها خلال هذا العام، في حين حققت بقية الأسواق الخليجية مكاسب متفاوتة ساهمت في تحسن أداء مؤشراتها بنسب متميزة خلال أيار مايو الماضي وبداية حزيران الجاري. مع العلم أن القيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة في السوق وعلى رغم انخفاضها الكبير خلال هذا العام، تشكل نسبة 40 في المئة من إجمالي القيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة في كل الأسواق الخليجية. وما زالت عوامل عدة تضطلع بدور سلبي في تعزيز مستوى الثقة وتحسن أداء السوق، لكنها في المقابل تساهم في ارتفاع مستوى أخطارها واستمرار تأرجح مؤشراتها، على اعتبار أنها أكثر الأسواق الخليجية التي تعاني خللاً هيكلياً، لجهة ضعف الاستثمار المؤسسي وسيطرة الاستثمار الفردي وضعف الوعي الاستثماري، واعتماد السوق على الإشاعات، فضلاً عن أن نسبة السيولة التي يملكها المضاربون تقدر بنحو 75 في المئة من إجمالي السيولة المتدفقة على السوق، وتجاهل هذه السيولة لمؤشرات أداء الشركات ونمو ربحيتها ومؤشرات تقويم أسعارها السوقية. ومثال على ذلك، احتلت أسهم شركة"الأسماك"المرتبة الأولى في نسبة الارتفاع خلال الأسبوع الماضي التي بلغت 17.5 في المئة، على رغم أن مضاعف أسعارها سلبي، بعدما تعرضت لخسائر خلال العام الماضي. واحتلت أسهم شركة"فتيحي"المرتبة الثانية، مع العلم أن مضاعف أسعارها وصل الى 158.4 مرة، وأن مضاعف سعر السوق 14.34 مرة، ومضاعف سعر أسهم"اتصالات"11.02 مرة ومضاعف سعر قطاع المصارف 12.95 مرة. ونلاحظ أن الشركات التي استحوذت على نحو ثلث حجم التداول في السوق الأسبوع الماضي كان مضاعف أسعارها سلبياً، بسبب الخسائر التي تعرضت لها خلال العام الماضي، وفي مقدمها شركة"ثمار"كذلك شركات"الأسماك"و"شمس"و"الشرقية للزراعة والأسماك". وهذا التداول غير العقلاني الذي يركز على أسهم شركات خاسرة، ويبتعد من شركات قوية تضعف مستوى الثقة في السوق. واللافت أن النشاط الملحوظ في سوق الإصدار الأولي خلال هذا العام، أدخل سوق الأسهم السعودية في نفق فقدان التوازن، على ما قال بعض المحللين، بسبب طرح أسهم عدد كبير من الشركات للاكتتاب العام في ظل النقص في السيولة المتداولة في السوق، خصوصاً بعد الإعلان عن طرح جزء من شركة"المملكة القابضة"للاكتتاب العام قريباً، والتي دفعت بالمتداولين الى الاحتفاظ بالسيولة خارج السوق. وبلغ عدد الإصدارات في سوق الأسهم السعودية عام 2004 اثنين فقط، وقيمة الأموال المكتتب بها 2.4 بليون ريال، بينما بلغ عام 2005 أربعة، وقيمة الأموال المكتتب بها 7.3 بليون ريال. ووصل عدد المكتتبين في ذلك العام الى 20.3 مليون مكتتب. وارتفع عدد الإصدارات الى 10 شركات عام 2006، وقيمة الاكتتابات 10.6 بليون درهم، في حين بلغ عدد الاكتتابات في السوق خلال عام 2007 حتى نهاية أيار الماضي 17 شركة، وقيمة الاكتتابات 9.9 بليون درهم. وعلى رغم النمو الملحوظ في عدد الإصدارات إلا أن قيمتها لا تشكل نسبة تذكر من القيمة السوقية للسوق السعودية وحجم التداول فيها. وتشجع هيئة المال السعودية في المقابل على طرح مزيد من الإصدارات وإدراج أكبر عدد من الشركات في السوق لتعزيز عمقها، إضافة إلى اقتناع الهيئة بالمكاسب الضخمة لهذه الاكتتابات على الأجل الطويل، مقابل أي تكاليف محتملة على السوق في الزمن المنظور القريب. إذ تساهم الإصدارات الجديدة في تأمين مزيد من الفرص الاستثمارية أمام المدخرات الوطنية. وفي المقابل يمثل معظم الإصدارات مشاريع استثمارية مهمة للاقتصاد الوطني تساهم في تنويع القاعدة الإنتاجية والاقتصادية، وفي ترسيخ الاستقرار واستدامة النمو الاقتصادي، والابتعاد من أخطار تأرجح الاعتماد على المصدر الأبرز للدخل ممثلاً في النفط. كما تعكس الدور المتطور للقطاع الخاص في مساهمته المتزايدة والحقيقية في دعم النمو الاقتصادي، إضافة إلى أهمية هذه الإصدارات في توسيع الخيارات الاستثمارية، إذ ساهمت محدودية الفرص الاستثمارية داخل السوق خلال الفترة الماضية في تضخم أسعار أسهم الأصول، في ظل ارتفاع متواصل لمستويات التدفق النقدي الكبير. * مستشار بنك أبوظبي الوطني للأوراق المالية