لن تكون قصة العشق بين المشجع عبدالرحمن السدير الذي لم يتجاوز عمره الخمسين عاماً، وناديه الرائد، هي آخر قصص عشاق الرياضة التي أودت بحياة أصحابها، على غرار قصص العاشقين وأصحاب السهر في ليالي المحبين التاريخية... ففي التفاصيل أنه لم يكن يدور في خلد المشجع عبدالرحمن السدير أو أي من أفراد أسرته وأصدقائه أن يكون أدار مفتاح سيارته واتجه عصر الخميس الماضي كعادته إلى استاد مدينة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الرياضية في بريدة، إن ذلك كان بداية قصة النهاية لذلك المشجع، فمع انطلاقة صافرة الحكم عبدالرحمن القحطاني معلناً بداية مباراة الرائد والجبلين، وانطلاقة أول هجمة اقترب فيها مهاجمو الجبلين من مرمى حارس الرائد محمد العسيري، لم يتمالك المشجع الرائدي الشهير السدير نفسه، وذلك لأهمية المباراة على فريقه، إذ أنها تعد مباراة مصيرية تحدد كثيراً موقفه من البقاء في الدوري، وسقط بين كراسي المدرجات متأثراً بضيق في التنفس وارتفاع في الضغط، وقد يكون لعدم تحمله لهذه الأحداث والمباريات الساخنة والحاسمة دور كبير في ذلك إضافة إلى تقدمه في العمر، لتجد الجماهير الرائدية الغفيرة في المدرجات نفسها في موقف البحث عن وسيلة عاجلة لإنقاذه، متناسية في الوقت ذاته أحداث هذا اللقاء بالنسبة لها، وفي غمرة هذا الموقف تمكن أحد أعضاء شرف الرائد أحمد العييري من نقله بنخوة، عوضت غياب وتأخر رجال الإسعاف في الهلال الأحمر السعودي في الملعب، إلى مستشفى الملك فهد التخصصي في بريدة، وهو أحد المستشفيات القريبة من الملعب، إذ أجري له العلاج اللازم وعاد إلى منزله بعد 60 دقيقة من دخوله المستشفى، بيد أن الأعراض تجددت في مساء اليوم نفسه، ونقله ذووه إلى المستشفى نفسه مرة أخرى، ليمكث فيه ساعات عاد بعدها إلى منزله فجر الجمعة ليقضي يوماً أشبه بيوم الوداع، ففي يوم السبت كان القدر المحتوم موافياً له، عندما دهمته الحال وهو بين زملائه في العمل الصباحي الذين حاولوا إنقاذه لكن القدر تدخل في منتصف الطريق، وانتهت سيرة عبدالرحمن السدير في الحياة الدنيا لينتقل إلى الحياة الآخرة، تاركاً ابنه عبدالله الذي اصطحبه معه إلى الملعب في تلك المباراة يستغيث منادياً أباه بصوت جريح وقوي من دون جدوى، فقد رحل الأب وبقي الابن بجانب أشقائه يتذكرون وقلوبهم مليئة بالإيمان أن مباراة الرائد والجبلين ذات الأحداث الشهيرة كانت أهم أحد الأسباب هي الأخرى بعد إرادة الله، في ألا يروا والدهم مرة أخرى، وكذلك من مدرجات ملعب الرائد التي التصقت بهذا المشجع لأكثر من ثلاثين عاماً، ظل فيها مشجعاً وفياً حتى خارج قواعد الفريق ولن تراه مرة أخرى. وقد شيع الرائديون، يتقدمهم رئيس النادي عبدالعزيز التويجري وعدد كبير من أعضاء الشرف والجماهير، جنازة عبدالرحمن السدير، وتم تأدية الصلاة عليه في مسجد الشيخ محمد بن عبدالوهاب بحي الخليج، ودفن في مقبرة الموطأ في بريدة. إلى متى؟ السؤال الذي يفرض نفسه بعد هذا الموقف، إلى متى تتكرر هذه الحالات في ملاعبنا السعودية من دون أن يكون هناك عيادة طبية متكاملة ولو متنقلة لمواجهة ما يتكرر لبعض المشجعين من حين لآخر، كما حدث لأحد مشجعي الهلال في إحدى المباريات الموسم الماضي، عندما سقط من أعلى المدرجات وتعرض إلى إصابات بليغة حرمته من مشاهدة مؤازرة فريقه طوال الموسم الماضي، ناهيك عن المشجع الذي تعرض إلى حال إغماء شديدة في مباراة أحد والنصر في المدينة الموسم الماضي، وغيرها كثير، فهل تتجاوب جهات الاختصاص وتتدارك هذه الفجوة، أم تبقى الحال على ما هي عليه ويكون على أصحاب الفزعات القيام بالمهمة؟.