كشفت دراسة حديثة، أجراها باحث سعودي أن نحو 87 في المئة من السجينات السعوديات في قضايا أخلاقية كن يعانين من الحرمان العاطفي. وأجريت الدراسة على عينة مكونة من 228 سيدة، حكم عليهن بأحكام متفاوتة في قضايا"أفعال جنسية محرمة وسكر ومخدرات واعتداء على أموال وضرب وقتل". ويقضين فترات حكمهن، موزعات على مؤسسات"رعاية الفتيات"في المملكة، منهن 59 امرأة في مكةالمكرمة، و54 في الرياض، وفي الأحساء 22، وسجن النساء في الرياض 49 مسجونة، وفي سجن جدة 22، وفي الدماموالأحساء 22 امرأة. وحقق معدل جرائم الجنس أعلى نسبة مقارنة بالجرائم الأخرى، وبلغ 28.4 في المئة، بينما بلغت نسبة الجرائم المالية 4.5 في المئة، والسكر والمخدرات 10.4 في المئة، وأخلاقيات وسكر ومخدرات 0.9 في المئة، ونسبة جرائم القتل والاعتداء 4.5 في المئة. ومن ناحية أخرى، يلاحظ أن غالبية النساء اللواتي لا يجدن الأمان العاطفي في أسرهن 90 في المئة، كن أكرهن على الزواج، واثبت اختبار الارتباط الثنائي الحقيقي أن هناك ارتباطاً بدرجة 0.46 بين الإكراه على الزواج ومستوى الشعور بالحرمان العاطفي. ارتفاع كبير في عدد السجينات ولاحظ الباحث أستاذ مناهج البحث والدراسات الاجتماعية في كلية الملك فهد الأمنية، العقيد الدكتور محمد إبراهيم السيف، من خلال دراسته التي حصلت"الحياة"على نسخة منها، أن"الفترة الأخيرة شهدت ازدياداً في عدد الإناث الزوجات والبنات، المحكوم عليهن بالسجن في المجتمع السعودي، لارتكابهن أفعالاً جنائية محرمة". وبدأت هذه الملاحظة حين أجرى الباحث مقارنة بين دراسة قام بها عن"الاستقرار العاطفي والجرائم الجنسية"عام 1414ه، وأغفل من دراسته الإناث، مركزاً على الذكور، لقلة عدد الإناث السعوديات المحكوم عليهن بالسجن في تلك الفترة. ويؤكد الباحث أنه لا يزال يذكر وجود امرأة واحدة فقط محكوم عليها بالسجن في إحدى الإصلاحيات أثناء إجراء دراسته، فلم ينظر إليها"باعتبار أنها لا تمثل مشكلة اجتماعية". بيد أن دراسته الأخيرة أظهرت تفاقم المشكلة، إذ وجد أن عدد الإناث المسجونات وقت إجراء دراسته في سجون النساء ومؤسسات رعاية الفتيات في المملكة بلغ 228 امرأة"ما يتطلب البحث والتقصي عن هذه الظاهرة". الكشف عن الحرمان العاطفي ويقصد بجرائم الإناث في الدراسة"الأفعال التي ارتكبتها المرأة السعودية، سواء أكانت بنتاً أو أماً أو زوجة، وحكم عليها بالسجن". ويحاول العقيد السيف من خلال دراسته تحقيق أهداف عدة، منها"الكشف عن علاقة المجتمع بالحرمان العاطفي الأسري عند الزوجات، ودفعهن نحو ممارسة الجريمة والانحراف، بحثاً عن مشاعر الحب والحنان". والكشف عن علاقة ثقافة المجتمع بالحرمان العاطفي الأسري عند الزوجات، ودفعهن نحو ارتكاب الجريمة والانحراف"كرد فعل وانتقام وتشفي وكراهية للزواج". والكشف عن العوامل الثقافية المرتبطة بطلاق الإناث في المجتمع، وحرمانهن عاطفياً، وعلاقة ذلك بارتكابهن"السلوك الإجرامي"، مع الكشف عن العوامل المؤثرة على الحرمان العاطفي عند بنات الأسر غير المتزوجات. وفيما يبدو من وصف مجتمع الدراسة أن هناك مسحاً شاملاً لجميع النساء مرتكبات الجريمة، اللواتي تقل أعمارهن عن 30 سنة، والمحكوم عليهن داخل مؤسسات رعاية الفتيات في المملكة، بينما تم اختيار أكبر سجون النساء في المملكة، وعددهن أربع موجودة في المدن الكبرى"الرياضوجدةوالدماموالأحساء"، التي تُرحل إليها النساء الموقوفات في سجون المدن السعودية الأخرى، وتحوي السجون المحددة في البحث أعداداً كبيرة من السعوديات. المشكلة في البناء العاطفي وافترض السيف في دراسته أن"ظاهرة الانحراف عند الإناث في المجتمع السعودي ترتبط ببنائه الاجتماعي وثقافته الأسرية، وأن دور التأثيرات الخارجية للأسرة كوسائل الإعلام، وأصدقاء السوء، تعتبر عوامل مساعدة، قد تنجح في تعزيز ظاهرة الانحراف والجريمة عند المرأة، إذا وجدت بيئة أسرية خصبة متصدعة في قواعدها العاطفية المادية والمعنوية". ويضيف السيف مؤكداً فرضيته هذه"أن معظم الإناث السعوديات المحكوم عليهن بالسجن بسبب ارتكابهن سلوكيات منحرفة، كانت أفعالهن تهدف إلى تحقيق أبعاد عاطفية أكثر بكثير من الحصول على منافع مادية". واتضح من الدراسة الميدانية التي قام بها أن"أسر المسجونات وضعت حدوداً وقيوداً خانقة عليهن، بحيث يصبح الحصول على الاستقرار العاطفي داخل الأسرة من الوالدين والأشقاء، أو من الزوج"أمراً غير ميسور لهن، وأحياناً يكون مستحيلاً". الأسرة تساعد على الانحراف ويرى أن الأسرة بذلك"أصبحت حاجزاً وطريقاً لانحراف المرأة السعودية"، وهو ما أكدته نتائج البحث التي أظهرت أن"البعد الاجتماعي المادي في جرائم الإناث يكون دافعه الحاجة المادية بنسبة 13 في المئة. بينما حقق البعد الاجتماعي العاطفي في جرائم الإناث، التي تكون دوافع الجريمة فيه متمثلة في إشباع الغريزة ستة في المئة، والهرب من مشكلات وقسوة الوالدين بنسبة 5.7 في المئة، والانتقام وكراهية الأسرة أو الزوج بنسبة 33.8 في المئة، أما البحث عن مشاعر الحب والحنان فبنسبة 32.5 في المئة، ليحقق المعدل العاطفي لهذا البعد 86.8 في المئة". وبرهنت البيانات الإحصائية لاختبار التمايز الذي قام به الباحث"تدني وظيفة الأسرة في تحقيق الأمان العاطفي لبناتهن، فالبنات في ظل هذا المناخ الأسري يشعرن بمعدل حرمان عاطفي قوي"فتفتقد البنت الدفء العاطفي والانسجام الأسري، فالمناخ الأسري مضطرب، وخبرات الطفولة والشباب عند الإناث وأساليب معاملة الوالدين يسودها الإحباط والحرمان والإهمال والقسوة والنبذ وعدم الحب، فاتسمت حياتهن بعدم الأمان العاطفي". مناخ أسري مضطرب وتبين من خلال الدراسة أن"الزوجات المحكوم عليهن بعقوبة السجن لارتكابهن أفعالاً محرمة، كن يعشن في مناخ أسري مضطرب وغير سليم، وبسبب ذلك يشعرن بمعدل حرمان عاطفي كبير، وضعف شعور بالأمان العاطفي". ومع انخفاض في درجة التواصل الفكري والوجداني والعاطفي والجنسي بين الزوجين،"تعاني الزوجة أشد المعاناة بالنبذ والإهمال في صور متعددة من الزوج، كالانشغال والسهر خارج المنزل وكثرة الأسفار، كما تعاني ضعفاً في التوافق العاطفي وجفوة من جانب الزوج وفقدان الحنان والصدر الحنون". وأثبتت الدراسة أن الزوجة المحكوم عليها بالسجن كانت"لا تجد في كنف الزوج الأمان العاطفي والاستقرار الاجتماعي، لقلة تعامله مع زوجته بأسلوب المودة والرحمة، فيقل بذلك الاحترام المتبادل أو الالتزام بأداء الحقوق والواجبات ومراعاة مشاعر الآخر، ما يمنح فرصة لشيوع أسلوب النبذ والإهمال في معاملة الزوج لزوجته، فيتصف بضعف غيرته نحو الزوجة، فيتركها تفعل ما يحلو لها من دون محاسبة أو عقاب، ويصل الأمر إلى حد عدم الاكتراث بوجودها". وهو ما تثبته"متغيرات أسرية مستقلة لها أثر واضح في تحديد مستوى الحرمان العاطفي عند الزوجات في المجتمع السعودي"حسب السيف. الأمان العاطفي مفقود وتؤكد النتائج أن هناك"تدنياً في معدل شعور كثير من النساء مرتكبات الفعل الإجرامي بالأمان العاطفي، وأنهن يعانين من الشعور بمعدل حرمان عاطفي كبير، وبلغت نسبة الشعور بالحرمان العاطفي عند المتزوجات 55.9 في المئة. وشعرت 67.7 في المئة من المطلقات بالحرمان العاطفي، أما غير المتزوجات بنات، فكانت النتيجة مناصفة. وبرهنت النتائج الإحصائية أيضاً أن"21.3 في المئة من المتزوجات مرتكبات الجرائم يعشن حياة اعتيادية مدعمة بالعلاقات العاطفية الفجة والسطحية، ولذلك يرتكبن الأفعال المحرمة، بحثاً عن مشاعر الحب والحنان، التي لم تتوافر لهن في ظل الحياة الأسرية مع الزوج". وثبت من تحليل الدراسة أن"حجم الجريمة يزداد أكثر عند المتزوجات اللواتي يشعرن بمعدل حرمان عاطفي كبير، بسبب طقوسية وروتين الحياة الزوجية". كما تبين أن هذا النمط من الحرمان العاطفي"يدفع أكثر إلى ميل المرأة إلى ارتكاب الخيانة الزوجية وممارسة الأفعال الجنسية المحرمة، بسبب التعاسة والشقاء وسوء التوافق الزوجي". بعد أن وقعن فريسة لمجرمين حرموهن البراءة . فتيات في عمر الطفولة ينجبن في دور الرعاية ... وينتظرن القتل بعد انتهاء "المحكومية" دخلت طفلة لم تتجاوز 11 عاماً، دار رعاية الفتاة في قضية، سرقت منها الطفولة، لتحولها إلى مجرمة في نظر مجتمعها، لتكمل حياتها بعد ذلك تعيسة تحمل على رأسها ذل الخطيئة. الطفلة، التي جاءت لتقضي فترة محكوميتها، كانت تحمل طفلة صغيرة، حسبتها إدارة المؤسسة أختها، إلا أنهم صعقوا حين علموا أن المولودة الصغيرة هي ابنة هذه الطفلة، التي دخلت إلى عالم الأمومة مبكراً، ومن بوابته غير الشرعية. كانت تكثر المسح على رأس ابنتها في صورة بعيدة كل البعد عن مشاعر الأمومة الحقيقية، ولا تتعدى صورة طفلة تلعب بلعبة، جُلبت لها هدية في مناسبة عيد ميلادها، إلا أن هذه الهدية جلبت في يوم وفاتها، فهذه الطفلة كانت ضحية سوء تقدير والدتها، التي كانت تبعث بها إلى محل خياطة مجاور لمنزلهم، ليأخذ الخياط الآسيوي قياسات فستانها الجديد، ولم تكن الفتاة على علم أن الحلويات التي كان يقدمها لها الخياط مجرد شبك ليصطادها بها. وأغرى الخياط الطفلة، التي كانت معجبة بالفساتين الجديدة والحلويات والمال والقُبَل والألعاب التي كان يغدق بها عليها، حتى استودع رحمها جنيناً، حكم عليه وعلى والدته قبل ولادته بالخطيئة والإثم. البريء كان وحشاً ولم تكن الطفلة الأم أسوأ حالاً من جارتها في المؤسسة، وهي أم لفتاة يبلغ عمرها 14 سنة، إلا أنها لم تحتفل بعيد ميلاد طفلتها مرة واحدة. والفارق العمري بينهما لا يتجاوز 13 عاماً، فقبل 15 سنة حرمت الأم من والدها، الذي اختطفه الموت، لتبقى واخوتها وأمها وحيدين، إلى أن تقدم للأم رجل ضرير، معروف بالتقى والورع والزهد، ما جعل الأرملة توافق على الارتباط به. ولم تخف الأم على ابنتها من زوجها، بل أسندت له مهمة تربيتها وتعليمها وتقويم سلوكها، ولم تكن تعلم أن الراعي هو الذئب الذي يخطط لافتراس الشاة. حاول زوج الأم مراراً وتكراراً استمالة الطفلة إلى حضنه، لكنها كانت تفر هاربة خائفة، إلى أن سلبها ما يربطها بعالم البراءة والطفولة، ولم يكن هذا السلب إلا نقطة في بحر المأساة، فالطفلة أحست بأعراض الحمل وخافت سخط الأهل والمجتمع، فلجأت إلى صاحب الجريمة تطالبه بحل يقيها توابع المشكلة. زوج الأم احتال عليها من جديد، وقال لها أنه يستطيع أن يتلو آيات وأدعية تمحو آثار الحمل، وتمكنها من إنزاله في أسرع وقت، ومن دون آلام. إلا أن هذه الحيلة لم يُكتب لها النجاح، ويوماً تلو آخر أحست الأم بالتغييرات في جسد طفلتها، وبعد أن اكتشفت الحمل وفاعله، أبلغت عنه، ليحاكم بجريمته التي كشفت صفحته السوداء في مجتمع كان يظنه ملاكاً. وأدخلت الطفلة دار الرعاية، وهي تحمل في أحشائها طفلة، تكره أن تذكرها، حتى جاء يوم الولادة، التي لم تجلب لها السعادة بقدر ما سكبت عليها صهريج ألم وخوف وقلق من مستقبل مجهول. ورفضت بشدة أن تنظر إلى ابنتها، أو ترضعها، أو تشعرها بالأمومة، وكانت تصرخ رافضة الاعتراف بها، إلا أنها استسلمت لفطرة الأمومة، وتدرس البنت حالياً في الصف الأول الثانوي في دار التربية. مصيرهن القتل وتحتضن دور الرعاية قصصاً تُحمّل من يسمعها ثقلاً كبيراً من المشاعر المتناقضة، فالعطف والسخط والرضا والكره والمحبة والغرابة والخيال والحقيقة، كلها تجتمع في وجوه فتيات وجدن أنفسهن في"قافلة الخطايا". ولن تقف المأساة عند حدود قضاء الفتاة محكوميتها في دور الرعاية، التي تستقبل الفتيات من أعمار 30 عاماً فما دون، والتي قد تتجاوز السنوات الخمس وأكثر، وتواجه الفتيات مصيراً أشد قساوة من المحكومية التي عزلتها عن عالمها لسنوات. ففئة منهن يرفضها المجتمع رفضاً تاماً، ويرميها ب"العهر والفسوق"، وأخرى لا تجد طريقاً إلا الخطيئة، التي قد توفر لها لقمة العيش، أو لأنها اعتادت عليها، وفئة ثالثة ترفضها عائلتها وتنبذها وتمحوها من سجل الأسرة. وفي وقت سابق حدثت واقعة فاجأت الرأي العام، حين قتل أب ابنته التي أنهت فترة محكوميتها، بعد أن وقعت في شرك الرذيلة، وأنجبت طفلة. على رغم أن الأب كان متعاطفاً مع ابنته، وكان يزورها كثيراً، ويجلب لها ما تريد، ويصبّرها ويلهمها الأمل في مستقبلٍ جديد في حال خروجها. وفي أحد الأيام، تلقى الوالد خبر خروج ابنته، وأن عليه أن يستلمها شخصياً، فحضر على الفور، واستقل سيارته، وبجواره ابنته وحفيدته، وبعد الأحساء بنحو مئة كيلو متر، وفي مكان صحراوي، أخرج مسدسه وأفرغ الرصاصات في رأس ابنته. ولم يهرب، بل سلم نفسه إلى الجهات الأمنية، معترفاً بقتلها بحجة"الدفاع عن الشرف وتطهير العرق".