هدوء وترقب أطبقا على قاطني المجمع السكني ل"الرعايا الغربيين"الوحيد في حي اليرموك لحظة اندلاع المواجهة، في حال مشابهة إلى حد كبير لما هي عليه الحال داخل منازل السعوديين القريبة من مسرح الأحداث، وإن تفاوتت درجات الإحساس بالخوف بين الاثنين. الغربيون نالوا نصيبهم من استهداف الإرهابيين لهم في وقت سابق من خلال حوادث الاغتيال وتفجير مجمعاتهم السكنية، فهذه المشاهد لم تكن غائبة في تلك الليلة إذ إن صوت إطلاق النار شحذ ذكريات مروعة سهلت على مشرف المناهج في شركة فينيل جون ميللر، وصفها ب"أصوات الموت". وقال:"لا أحب صوت إطلاق النار، انه يجعلني أتذكر الموت ماثلاً أمامي، ولا أظن أن هناك أبشع من الموت؟ ربما أن طبيعتي الحساسة أثرت فيَّ في هذا الجانب، فأنا لا أستطيع مشاهد الأفلام المرعبة أو التي تتطاير فيها الدماء مع أني مواطن أميركي ويدرك أكثر من غيره حقيقة تلك المشاهد التي يؤديها ابطال هوليويود بإتقان تام". ميللر يذكر أن الجميع حوله كانوا مترقبين لما ستنتهي إليه تلك"الأصوات المزعجة"، ويروي ل"الحياة"حال بعض من أصدقائه وأهله، قائلاً:"استيقظ الأطفال الصغار حينما سمعوا حديثي مع زوجتي، أحسوا بأن أمراً مريباً يحدث من حولهم ولذا تعالت أصواتهم بالبكاء، لكن أصدقائي في المجمع زادوا من طمأنينتي حينما اتصلت على أحدهم فقال لي إن الأمر لا يستدعي هذا الخوف، ثم إن مواجهة القوات الأمنية السابقة مع الإرهابيين كانت ناجحة وتدعوا للتفاؤل". ويشيد ميللر بحرفية رجال الأمن السعودي الذين يسجلون نجاحات متوالية في كل مواجهة، إلا أن ذلك لم يغير في طبيعيته المذعورة من أصوات النار، كما يقول:"بعد أن انتهت المواجهة وأعلن نجاحها، بقيت خائفاً بقية ساعات اليوم، لا أعرف لماذا! حتى إن أصدقائي لاحظوا ذلك عليّ وأخذوا يعلقون عليّ". السعوديون المجاورون للمجمع بدوا متفاوتين في قبولهم العيش حول مكان يوجد فيه الغربيون، الذين يعدون هدفاً حيوياً لأفراد تنظيم القاعدة. وفي الوقت الذي غادر البعض مسكنه إلى مكان أكثر أماناً، فإن آخرين بدأوا للتو بناء مسكنهم غير مبالين بتقديرات المتشائمين، كما هي الحال مع حسن وموسى الحربي الذي التقتهم"الحياة"وهم يقومون برش قواعد فلتهم الجديدة التي يفصلها قطعتي أرض عن مجمع سكن الغربيين في اليرموك. لسان حال الأخوين الحربي يقول:"اللي يجي من الله حياه الله"، وقالا ل"الحياة"كشخص واحد:"لا يعني لنا وجودنا بجوار المجمع أي شيء، فنحن كما تشاهدون ما زلنا في بداية بناء منزلنا الجديد وبإمكاننا استبدال الأرض في مكان آخر، لأننا مؤمنون بقضاء الله وقدره". ومع أن أنهما يلمحان إلى أن هذا الشعور لمسوه عند بعض جيرانهم إلا أنهما يؤكدان أنه لا يبدو منافياً للمنطق أن يغادر البعض الشقة التي استأجرها هنا، أو حتى مغادرة المنزل الذي بناه بنفسه وتركه للمستأجرين الشجعان،"ومن خاف سلم"، مثل ما يقولون".