كانت الطفلة زينة 8 أعوام وشقيقها يزن 4 أعوام يغطان بهدوء في غرفة نومهما في الطابق العلوي من الفيلا الرقم 5 في مجمع "الحمراء" السكني في تلك الليلة الجهنمية، حين استيقظا على صوت اطلاق الرصاص ودوي القنابل. ولخوفهما من هذه الأصوات احتضنا بعضهما بعضاً، في حين هرع والدهما منذر سليمان عباسي من الدور السفلي للفيلا ليهرب بطفليه بعيداً عن الخطر. لكن متفجرات الارهابيين التي وصلت شظاياها الى الدور العلوي كانت أسرع من والد الطفلين الذي سقط على الارض قرب السلم مصاباً بكسور بليغة منعته من افتداء طفليه اللذين احترقا محتضنين بعضهما، بعدما دمر الانفجار الفيلا وأحرق الغرفة التي كانا في داخلها. وشاء القدر أن يموت الطفلان زينة ويزن بعيداً عن أعين أمهما التي كانت قد غادرت ظهر ذلك اليوم الى عمان مضطرة للاطمئنان على أمها المريضة هناك. لم يكن هذا هو المشهد الحزين الوحيد في تلك الليلة التي حوّلها ارهاب المتطرفين الى ليلة مروعة في الرياض… بل تتعدد مشاهد المآسي، خصوصاً في مجمع "الحمراء" في حي قرطبة الذي تسكنه غالبية عربية. كان مشهد وداع ستة منهم، أديت عليهم صلاة الجماعة معاً في أحد المساجد الكبرى في الرياض في حضور أمير منطقتها الأمير سلمان بن عبدالعزيز ونائبه الأمير سطام بن عبدالعزيز وأهالي الضحايا، مشهداً حزيناً. وتفطرت القلوب ألماً لمنظر أهالي الضحايا سمير الحربي وصالح نافذ عوده ويحيى عسيري وعمر الظاهر ووليد ياسين يقفون صفاً واحداً يتلقون العزاء، ويبكون لفراق أعزاء كانوا ملء السمع والبصر قبل يومين. ووقف الى جانب هؤلاء في هذا المشهد الأليم وكيل أمير منطقة الرياض عبدالله البليهد الذي فقد نجله محمد الذي دفن قبل يوم من صديقيه صالح عودة وعمر الظاهر. كان الضحايا الست من الشباب الذين يراوحون بين ال25 وال35 عاماً من العمر، وكان لكل منهم قصته الخاصة. فما بين محمد عبدالله البليهد وصالح نافذ عودة من صداقة كللها الموت معاً كان هناك الكثير من التشابه. فالشابان تزوجا في مرحلة واحدة قبل عامين تقريباً وأنجب للمصادفة كل منهما توأمين من البنات. ومحمد البليهد، البالغ من العمر 30 عاماً، خريج احدى الجامعات الاميركية كان يمارس حياته العادية في مجمع "الحمراء" الذي يقطنه بعد يوم عمل طويل في امارة منطقة الرياض التي يعد أبوه الرجل الثالث فيها، وعندما أبلغ الأب بالحادث انتابه احساس لم يخطئ بأن ولده تعرض لمكروه. فتوجه الى الموقع مباشرة يبحث بين حطام المكان ويسأل من يلقاه عن محمد الذي وجده أخيراً ملقى على أحد أرصفة "المجمع" وقد فارق الحياة، مخلفاً وراءه أباً وأماً مكلومين وزوجة ثكلى وزهرتين توأمتين لم تتجاوزا الشهر بعد من عمرهما. وكان المشهد حيال صديقه صالح نافذ عودة أكثر مأسوية، فصالح هو الابن الوحيد لرجل الأعمال السعودي من اصل فلسطيني نافذ عودة بين اكثر من نصف دزينة من الأخوات. كان صالح قد ودع طفلتيه التوأمين في مطار الملك خالد الدولي في اليوم نفسه، وعاد الى "المجمع" ليلقى مصيره. لقد قتل صالح في فيلته في "المجمع" مع صديقيه عمر الظاهر ووليد ياسين الذي كان، ومن مفارقة القدر، عاد في صبيحة ذلك اليوم من الأردن بعدما اطمأن على زوجته التي أنجبت له قبل أربعة أيام مولودتهما الاولى. الصورة ذاتها من الألم وملامح المأساة تتكرر في المجمعين الآخرين اللذين استهدفهما الارهابيون ايضاً. كما استهدفوا عدي الصادق الذي كان عائداً من لبنان قبل أيام بعدما زار والده المريض في صيدا. كان مع زوجته في المنزل يؤديان صلاة العشاء حين دوى الانفجار فسقط عدي تاركاً زوجته الحامل وطفلة صغيرة تبكي أباها الذي شاهدته يموت أمامها. الجميع لا يزال يعيش تحت تأثير الصدمة والخوف. الأطفال ينهضون من النوم مذعورين، وبات أي صوت مريب يثير الهلع في النفوس. هكذا بدا حال ساكني المجمعات السكنية الثلاثة، حيث ما زالت تعشش رائحة الموت والارهاب وحطام ما كان بالأمس القريب بيوتاً هانئة حوّلها الإرهابيون ركاماً، ضاعت في وسطه أحلام الطفولة التي روّعت وتاهت ألعاب الاطفال وسط ركام أثاث المنازل الذي تحطم