حذر اختصاصيون في الأمراض الوبائية والمعدية من ازدياد أعداد المصابين بالتهابات الكبد الفيروسية في السعودية، والتي تتخذ أشكال عدة من ضمنها فئة أ وب وج ود، وتنشط مثل هذه الفيروسات في الأماكن التي يتدنى فيها مستوى النظافة البيئية. واتفق الاختصاصيون على أن النوع الجيني ج يعد من أكثر أنواع الفيروسات الكبدية انتشاراً في السعودية بنسبة 62 في المئة، ويعتبر هذا النوع من الفيروسات من الأنواع البطنية"الصامتة"، إذ يستمر ما بين عشرة إلى 30 عاماً قبل أن تظهر أعراضه على الإنسان. وأكد استشاري أمراض وتنظير الجهاز الهضمي والكبد الدكتور عبدالله الغامدي في حديث إلى"الحياة"، أن الدم الملوث يعد من أهم أسباب العدوى بالكبد الوبائي، إذ جرى اكتشاف وجود هذا الفيروس في عينات الدم المتبرع بها من جانب المواطنين عام 1989م، ما أدى إلى إخضاع المتبرعين بالدم كافة، لاختبارات اختصاصية لاكتشاف الفيروس، واعتمادها في جميع بنوك الدم في السعودية منذ عام 1992م". وأكد الغامدي أن الإبر الملوثة بالفيروس تعد سبباً مباشراً للإصابة بالعدوى والمرض، لذا تحذر وزارة الصحة من عدم استخدام الإبر لأكثر من مريض، إضافة إلى استخدام الأدوات الخاصة بتنظيف وتقصير الأظافر، والحذر خصوصاً من استخدامها بعد أشخاص غير معروفين. ولفت الغامدي إلى أن أمواس الحلاقة تشكل خطراً ثالثاً في نقل فيروس الكبد الوبائي، علاوة على استخدام أدوات الحجامة والوشم، إلى جانب استخدام الأغراض الشخصية للمصابين بالمرض. وعن طرق اكتشاف المرض أوضح الغامدي أن مرض الكبد الوبائي من الأمراض التي لا تصاحبها أعراض ثابتة، ولا تظهر أعراضه إلا في مراحل متقدمة للمرض، أي بعد الإصابة بالفيروس بفترة تتراوح ما بين عشرة و30 عاماً. وقال:"يكتشف المرض غالباً أثناء الفحص الروتيني للدم، إذ يخضع المريض لفحوصات سريرية ومخبرية هدفها معرفة كمية الفيروس في الدم، والنمط الجنيني للفيروس"، مؤكداً في الوقت نفسه أن مرض الكبد الوبائي ج الموجود في السعودية هو من الأمراض التي يمكن علاجها، وتمتد مدة العلاج من ستة أشهر إلى عام كامل، حسب النمط الجيني للفيروس. ونوه الغامدي إلى أهمية شرح المرض للمريض وأسرته وتوضيح طرق العدوى به، وكيفية العلاج منه، كخطوة أولى ضرورية للمريض لتفادي الأعراض النفسية التي تصاحب المرض، والتخفيف من خشية أمراض الآخرين. من جانبه، قال رئيس الخدمة الاجتماعية في مستشفى الملك فهد العام في جدة طلال الناشري:"ترافق المصابين بالأمراض الفيروسية المعدية حال من الخوف في التعاطي مع الآخرين، الأمر الذي يؤدي إلى تغيرات اجتماعية وسلوكية ونفسية عدة تصيب المريض، إضافة إلى نبذ أفراد المجتمع للمصاب بهذا النوع من المرض خشية التعرض للإصابة". وأضاف أنه في الحالات المتقدمة للمرض يعزل المريض في مستشفيات اختصاصية، تتوافر فيها مستويات الأمان الضرورية من الناحية الوقائية والعلاجية. وأشار الناشري إلى أن المصاب بمرض الكبد الوبائي، يتعرض لنوعيات مختلفة من الضغوط الاجتماعية، خصوصاً في حال وجوده في بيئة غير مثقفة أو غير واعية لأبعاد المرض وسبل انتقاله وطرق الوقاية منه، من دون المساس بمشاعر المريض، وذلك من شأنه أن ينعكس سلباً على صحته. وأرجع عدد من الاختصاصيين أن خوف غالبية المجتمع السعودي من الأمراض المعدية والوبائية خلقت نوعاً من التحفظ في التعامل مع المرضى، الأمر الذي يفرض على المريض حصاراً يؤدي إلى عزلة تامة حتى بين أفراد أسرته. ولفت الناشري إلى أن عامل الخوف من الأمراض المعدية يختلف في حدته بحسب نوع المرض ومعرفة المريض به، إضافة إلى شخصية وكيفية التعايش معه، وقال:"إن الكثير من المصابين بالأمراض المعدية يرفضون التعاطي مع الآخرين". وأرجع رئيس الخدمة الاجتماعية رفض المرضى للتعايش مع المرض أو مع الآخرين لقسوة المجتمع عليهم غالباً، وإصداره أحكاماً تضر بصحتهم ونفسيتهم، مثل إظهارهم على أساس أنهم وباء لابد من تجنبه. وقال:"إن ضغوط المجتمع تعد سبباً رئيساً لهروب المريض من محيطه المباشر، خصوصاً إذا كانت أسرته غير متعاونة معه في هذا الجانب، ما يدفعه إلى العزلة الاجتماعية، وإصابته بالأمراض النفسية المزمنة". وأضاف أن وضع المريض النفسي من شأنه أن يدفعه إلى اليأس من الحياة، والرغبة في الموت والخلاص، ناصحاً في الوقت نفسه أسر المرضى بضرورة التعامل معهم على هذا الأساس، من أجل العمل على تخفيف الضغوط النفسية التي يتعرضون لها بصفة مستمرة. ورأى أن على الجهات المختصة توعية المجتمع بأنواع الأمراض المعدية والوبائية بشكل عام، وإيضاح خطورة كل مرض تفصيلياً، و طرق انتقال العدوى والوقاية منه. وشاركت استشارية الباطنية في المستشفى العسكري في محافظة جدة الدكتورة شادية الحملي برأيها إذ تقول:"الدراسات التي أجريت في محافظة جدة حول مدى انتشار وباء الالتهاب الكبدي من فئة ج قليلة جداً، إلا أن دراسة العام الماضي المختصة شملت مناطق السعودية كافة كشفت أن النسبة تراوحت بين20 و25 في المئة بين المواطنين السعوديين والأجانب". وأضافت أن فيروس فئة ج من وباء الالتهاب الكبدي من أخطر الأنواع، مرجعة ذلك إلى عدم شعور المصاب بالمرض منذ البداية، ولا تظهر علاماته بشكل واضح، ومع مرور الوقت تبدأ أعراضه بالظهور والمتمثلة بالكسل والألم في المفاصل، وربما يؤثر على الكلى أو الكبد بشكل مباشر، وأحياناً تظهر لدى المصاب حبوب تؤثر بالتالي على بقية جسده، وفي هذه الحال يشخص المرض على أنه وصل إلى مرحلة الأمراض المزمنة، وذلك من خلال تحاليل الكبد غير الثابتة لديه. وأشارت إلى أن خطورة هذا الفيروس تكمن في تكسيره للصفائح الدموية في الدم، أو ظهور الدوالي في المريء، ويؤدي بعد مرور 20 عاماً إلى الإصابة بسرطان الكبد. وأوضحت الحملي أن العلاج في بداية مرحلة المرض ربما يمنع التليف، وقالت"نسبة نجاح العلاج لهذا المرض تصل إلى 80 في المئة بحسب آخر الدراسات الأميركية والعالمية حول المرض، والتي أشارت إلى أن الشفاء من المرض يكون من خلال وقف التليف أو القضاء على الفيروس مع استعمال الإبر والحبوب الخاصة لعلاجه، وفي حالات نسبية أخرى يعود فيها الفيروس للمريض حتى بعد انتهائه من مرحلة العلاج، وأهم الأسباب التي تُنشط ظهور الفيروس مرة أخرى في العادة استخدام المريض للأعشاب والأدوية الشعبية" ولفت اختصاصي الباطنية الدكتور سعود عبدالله إلى أن انتقال العدوى بالفيروس ج يتم من طريق نقل الدم، أو زراعة الأعضاء من متبرع مصاب، إضافة إلى أن مرضى الفشل الكلوي الذين يعتمدون على عملية الغسيل الكلوي معرضون بدرجة نسبية لخطر العدوى بالفيروس، علاوة على استخدام إبر أو أدوات جراحية ملوثة أثناء العمليات الجراحية، مؤكداً في الوقت نفسه على أن الفيروس ج لا ينتقل عبر الطعام والماء، وهو غير معد بصورة كبيرة بين أفراد الأسرة. وأشار إلى أن المدمنين على المخدرات، خصوصاً من يتعاطون من طريق الحقن معرضون بدرجة كبيرة إلى الإصابة بالمرض، لاحتمال تلوث إبر الحقن من خلال تداولها بين المتعاطين واستخدامها أكثر من مرة. وقال الدكتور عبدالله"كان يستخدم دواء"إنترفيرون ألفا"في السابق لعلاج المرض من خلال الحقن ثلاث مرات أسبوعياً مع دواء"ريبافيرين"من طريق الفم لعلاج الفيروس ج المزمن لمدة ستة أشهر أو عام كامل". وأضاف أن الدواء المستخدم في علاج هذا المرض"الإنترفيرون"طور بشكل مختلف، الأمر الذي أدى إلى زيادة فاعليته وسمي ب"بيج ? انترفيرون"، ويعطى مرة واحدة أسبوعياً بدلاً من ثلاث مرات كما كان الأمر سابقاً. وأوضح في حديثه، أن هذا الدواء يتوافر بنوعين"بيج ? انترفيرون الفا 3 ب"و"بيج ? انترفيرون الفا 2 أ"، ويستخدم هذان الدواءان بناء على نوع الفيروس، ويستخدمان مع دواء"ريبافيرين"أو من دونه من طريق الفم لمدة ستة أشهر أو يستمر لعام كامل. ... وكلفة العلاج تصل إلى 10 آلاف ريال شهرياً كشفت استشارية الباطنية في المستشفى العسكري في محافظة جدة الدكتورة شادية الحملي أن كلفة علاج مرض الكبد الوبائي عالية جداً وتصل إلى أكثر من عشرة آلاف ريال شهرياً. وقالت"يعد علاج وباء الالتهاب الكبدي من فئة ج من أغلى أنواع العلاج، إذ أن المريض يحتاج إلى أدوية خاصة متمثلة في إبر أسبوعية وحبوب يومية تصل كلفتها إلى ثلاثة آلاف ريال". وأضافت:"تصل كلفة تحاليل الدم التي يلجأ إليها المريض بعد مرحلة العلاج والذي يتم خلال فترة ثلاثة إلى ستة أشهر للكشف عن نسبة القضاء على الفيروس إلى ألف ريال، وقد تزيد في حال أُخذت عينات من الكبد، وهذه الأدوية متوافرة في جميع المستشفيات لكنها باهظة الثمن". وشددت الحملي على ضرورة توعية الجمهور والمجتمع بشرائحه كافة حول وباء الالتهاب الكبدي بجميع أنواعه، من أجل الحد من انتشاره في البلاد والوقاية منه، مضيفة أنه يتعين التأكد بدرجة كبيرة من عمليات نقل الدم في بنوك الدم وخلوها من الفيروس ج. ودعت في الوقت نفسه إلى ضرورة التأكيد على أطباء الأسنان بتحذير وتوعية مرضاهم بعدم استعمال فرشاة أسنان واحدة لأكثر من شخص في المنزل، وتنبيه الأطفال حول استخدامات فرشاة الأسنان الخاصة بالغير. وأوضح تقرير حديث صادر عن منظمة الصحة العالمية أن 80 في المئة من المرضى المصابين يتطور المرض لديهم إلى التهاب كبد مزمن، إضافة إلى أن 20 في المئة منهم يصابون بتليف كبدي، وخمسة في المئة يصابون بسرطان الكبد.