طوال سنوات خلت حمل بعض العقلاء في الساحة الرياضية على عاتقهم مهمة التصدي لما كان يسمى بصحافة"الميول"، محذرين من سلبياتها وعدم مهنيتها باعتبارها تنافي الحيادية ولا توازي الاستقلالية التي تمنحها الصحافة كمهنة مقدسة للعاملين فيها. وعلى رغم مجهودات مضنية لتحجيم صحافة الميول، إلا أننا اكتشفنا لاحقاً أنها صحافة خجولة في تجاوزاتها، وتمتلك قدراً من المهنية في تحريرها وموضوعيتها، وما جعلنا ندرك تلك الحقيقة ظهور الجيل الثاني من الصحافة والمسمى ب"صحافة التعصب"وانتشار أخلاقياتها على نطاق واسع، أغرى كثيراً من المتعصبين لأنديتهم بالدخول الى بلاط صاحبة الجلالة والتطوع لخدمة رؤساء الأندية وأعضاء الشرف والمقربين، مستفيدين من جهل بعض القائمين على الاقسام الرياضية في الصحف وعدم إلمامهم بأبسط قواعد المهنة. وفي صحافة"التعصب"بدأت"المهنية"تحتضر على يد بعض الأدعياء الذين دخلوا الى الصحافة باذلين الغالي والنفيس، بحثاً عن خدمة هذا والنيل من ذاك، بعيداً عن اخلاقيات وقواعد مهنة"الصحافة"، وبلغ الأمر أن وصل بعضهم الى مناصب قيادية في الصحافة الرياضية لينشر افكاره وقناعاته المهنية المشوشة ويصبح قدوة لجيل مقبل من الصحافيين الشبان الذين سيدلفون الى البلاط نفسه بعقلية وثقافة مدرجات"الدرجة الثالثة"ومن دون أن يكون للمهنية أدنى قيمة في نظرهم. وبعد أن كنا نعتقد أن صحافة الميول نقمة وخطر يجب اجتثاثه، وجدنا أنفسنا نلوذ بها من"التعصب"، لأنها توفر للعاملين في مهنة المتاعب نوع من التوافق النفسي يجعلهم يعملون صحافيين، ويستمتعون متابعين من دون أن يطغى جانب على الآخر، وليس عيباً أن يكون الصحافي صاحب ميول طالما كانت ميوله غير معلنة وبعيدة عن حياته العملية باعتباره فاعلاً في الساحة الرياضية، ولا بد أن تتأثر مشاعره، تعاطفاً مع ناد أو لاعب أو مسؤول. والمؤسف حقاً أن البعض بات يخلط بين"الميول"و"التعصب"حتى أن بعض الصحافيين بات أخيراً يجاهر بتعصبه من خلال اعلان ميوله، متناسياً أنه لا يعمل في ناديه المفضل وأن النادي بالنسبة إليه مجرد مصدر للأخبار والتحقيقات والتقارير وحالة يتناولها في مقالاته، خصوصاً أنه متى ما أعلن ميوله ومحاباته لطرف على حساب آخر نفى صدقيته وحياديته وتنازل عن استقلاليته، وبالتالي تنازل عن مهنته الصحافية. وأحياناً لا ندرك قيمة الأكاديميين وبحوثهم ودراساتهم الا عندما تغيب المعايير ويختلط الحابل بالنابل ونصبح في حيرة من أمرنا نحو قضية جدلية تتعدد فيها الآراء والاتجاهات في انتظار دراسة علمية ذات نتائج مثبتة تعيد الضالين الى جادة الصواب. وما أحوج مكتبتنا الرياضية اليوم الى مؤلفات أكاديمية تؤطر ما يسمى ب"الصحافة الرياضية"وتضع القواعد الصحيحة والأسس العلمية لممارسة المهنة لتكون مرجعاً لطلبة الجامعات والعاملين في حقل الصحافة الرياضية! علنا نستطيع ان نتدارك بعضاً من ما يمكن تداركه، وأن نضع حداً لحال الفوضى الصحافية التي اجتاحت الرياضة السعودية في السنوات الأخيرة.