بينما كان جون توفام يتموّن من أحد أسواق الدمام لفتت انتباهه مشغولات يدوية كانت تعرضها بعض البدويات، فوقف يقلب ناظريه في منتجات السدو التي برعت الأيادي في نسجها وحياكتها. وكان البساط الذي اقتناه من إحداهن،"البوابة"التي دخل منها لاكتشاف فنون وأسرار"الحرف التقليدية في السعودية"، وهو عنوان الكتاب الذي أصدره ل"توثيق الفنون والحرف البدوية والقروية في السعودية قبل أن تحل منتجات الألمونيوم والبلاستيك والنايلون محل طريقة الحياة القديمة، على حد تعبيره. وهو يعرب عن أسفه لدخول الآلة والمواد المستوردة في حرف النسيج والحياكة، وصناعة الفخار، والأعمال الجلدية، وصناعة السلال، والتطريز. يذكر توفام أن اهتمامه بالحرف اليدوية السعودية بدأ في أول زيارة له للبلاد عام 1977."كنت أعمل حينها في الظهران، وفي أيام الجمع كنت أذهب لسوق الدمام لشراء الفواكه والخضراوات. هناك لفت انتباهي بعض السيدات اللاتي كن يبعن المنسوجات اليدوية، ومن إحدى البدويات اشتريت بساطاً يدوياً، لقد كان بساطاً مقلماً ذا ألوان زاهية تزينه حزم من شعر الإبل". حينها شُغل المؤلف بجمع واقتناء منتجات الحرفيين، فطاف بالتجار والباعة في الأسواق الشعبية في كل من الطائف، عسير، ينبع، الخرج، الدلم، الهفوف، القطيف، الجوف، تبوك، يبحث كتابةً وتصويراً ويشتري بعض المعروضات. "في أول زيارة لي للأحساء التقيت برجل كان يقول الآثار تتبعني"، ومن احد الحوانيت الصغيرة بالسوق"القيصرية"ابتعت بعض المنسوجات اليدوية". قضى توفام معظم عام 1978 في جدة"لقد اعتدت في المساء أن أذهب إلى دكاني عبدالعزيز الزهراني وهو أحد تجار السجاد في سوق المطار القديم، كنا نجلس ونتجاذب أطراف الحديث". ويذكر أن علاقته بالزهراني مكنته من جمع مقتنيات فضية فريدة"لقد كانت أفضل فضيات شاهدتها، وهي صنعت في نجران". في أيام الجمع كان توفام يمارس هوايته في جمع المقتنيات التراثية في الطائف"كان هناك ما يقارب 30 متجراً لبيع السجاد، يبرز من بينها متجر لشقيقين تخصصا في بيع الخيام، وخصوصاً تلك المصنوعة من شعر الماعز. ومن هذه السوق ابتعت مقالع ومزاود عدة". غادر المؤلف جدة عام 1979 ليحط رحاله في الرياض،"وذلك بهدف متابعة اهتماماتي بالحرف والسجاد في وسط المملكة"، ويذكر أن هناك بضعة محال تهتم بهذا الجانب، وأن أشهرها كان لشخص اسمه سليمان"ابتعت منه دلة قديمة صنعت في عنيزة، وذات مساء أخذني لمستودع السلع والبضائع، إذ أطلعني على مجموعة من القطع النقدية والنحاسيات الدمشقية والباكستانية والبغدادية، كما دعاني لزيارة بيت مبني من اللبن، تتكدس في فنائه مئات من الصناديق التي صنعت في مكة والمدينة والكويت، فضلاً عن أعداد ضخمة من آنية الطبخ ودلال القهوة العربية الصنع". ويبدي توفام قلقه على وضع الحرف التقليدية وحلول الآلة مكان الأيادي التي طالما برعت في تشكيل منتجات فنية،"معظم حلي الذهب الموجودة حالياً في الأسواق العربية صنعت في إيطاليا، والجلود الطبيعية حلت مكانها الإطارات القديمة، والأصباغ المستخدمة في الحياكة كيماوية، والمنسوجات خشنة الملمس". ويستعرض المؤلف الذي يعيش حالياً في نيويورك بالتحليل والتصوير عدداً من الحرف اليدوية والصناعات التقليدية مثل: الحياكة الخيام، السجاد، الستائر، الحقائب النسيجية، المجوهرات الخواتم، الأقراط، الأحزمة، القلائد، الملابس التقليدية الرجالية، النسائية، أدوات البادية السروج، القرب، الشداد، الأسلحة السيوف، الخناجر، البنادق، الحرف التقليدية المنزلية صنع السلال، أوان خشبية، أوان فخارية، أوان معدنية، أدوات الوزن والقياس، خزانات، الأبواب، النوافذ، والأقفال، القهوة والبخور أكياس حبوب القهوة، أدوات التحميص، المنافيخ، الهاون، المباخر. قدم توفام مجموعته من المقتنيات التراثية عام 1982. وتحت مسمى"الحرف التقليدية في المملكة العربية السعودية"، عرض مجموعته في 14 متحفاً في الولاياتالمتحدة الأميركية بين عامي 1983، و1991.