الانهيار الذي تعرض له الجمهوريون في انتخابات الكونغرس النصفية، والصورة السلبية التي لطخت وجه أميركا عالمياً، بدءاً من سجن"أبو غريب"ومروراً بمشنقة اتفاقات جنيف لحقوق الإنسان في غوانتانامو، والسجون السرية حول العالم، وبرامج التنصت، وانتهاءً بالفشل في الحرب على العراق، والمسؤولية المباشرة عن قتل 650 ألف عراقي، هي ظواهر لتحكم اللوبي الصهيوني في صناعة القرار الأميركي، وتوجيهه لخدمة النازية الإسرائيلية، التي تمارس القتل يومياً في حق شعبنا الفلسطيني الأعزل، وتسعى للهيمنة على المنطقة وتطويعها. إذا كان الناخب الأميركي يسمع صوته مرة واحدة في مواسم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فإن اللوبي الصهيوني يسمع صوته آلاف المرات، تأثيراً وتوجيهاً وضغطاً، ويمارس أكبر صناعة للتضليل وتشويه الحقائق، ومع ذلك جاءت نتيجة الانتخابات لتؤكد ما كان يخشاه ويحذره اللوبي الصهيوني ويعمل له ألف حساب. لقد عكست نتائج الانتخابات المستوى الذي وصل إليه مؤشر التيارات الباطنية الهادرة في المجتمع الأميركي، والتي باتت تدرك خطورة هذا اللوبي على المصالح الحيوية للمواطن الأميركي، وتتحمل مسؤولية الكره الذي يحظى به دولياً، والحقيقة أنني لا أخفي انبهاري بهذا النموذج الأميركي الديموقراطي، وهذا الإعجاب يضاهي الفارق ما بين نانسي بلوسي، زعيمة الديموقراطيين، رئيس مجلس النواب الأميركي، وبين نانسي عجرم أكثر الشخصيات تأثيراً في العالم العربي، بحسب استطلاع الرأي في عالمنا العربي! لقد أظهرت الانتخابات الأميركية الفارق الجوهري ما بين"المحاصصة"السياسية، التي تستمد شرعيتها ووجودها من الإرادة الحرة للمواطنين، على اختلاف عقائدهم وأجناسهم وانتماءاتهم، وبين مجتمعات"المحاصصة"الطائفية والمذهبية والعرقية، التي تدعي كل طائفة امتلاكها للحقيقة المطلقة بالقدر الذي يسمح لها بإبادة الآخرين من أبناء الوطن الواحد، طلباً لمرضاة الله."المحاصصة"الطائفية التي تجيز تقسيم الوطن إلى أوطان، وتستبيح دم المواطن وعرضه وماله، الحقيقة المطلقة التي تجسد السادية في أبشع صورها من خلال التعذيب الوحشي للضحايا قبل الإجهاز عليهم وقتلهم، ولكن اليوم تحت الراية الشيعية، بل وتفوقت على البعث بأنها الأكثر دموية وسادية. وللإنصاف، فإنه يحسب لصدام"المجرم"تورعه عن هدم المساجد واستهداف ضحاياه على الهوية الدينية، لقد فرضت"المحاصصة"السياسية على رئيس القطب الأوحد أن يعلن بُعَيد فوز الديموقراطيين عن انتهاج سياسة التعايش والتعاون من أجل خدمة المصالح الأميركية، في حين أن"المحاصصة"الطائفية تضع مصلحة الطائفة فوق مصلحة الوطن، والمذهب فوق الحق، فتجيز لأتباعها أن يطلقوا حمم الحقد والانتقام لتجري دماء شركاء الوطن أنهاراً. لقد بات العالم العربي عاجزاً عن العمل والفعل، لدرجة أنه يرهن مستقبله بمصير الانتخابات في أميركا وإسرائيل! فيترقب فوز الحمائم على الصقور، لمناصرة قضاياه العادلة. إن المبادرة الحقيقية العربية التي جاءت لملء الفراغ، والتي لا يزال الشارع العربي يتوجع من فجعتها، هي مبادرة"إسراطين"التي اقترحها الزعيم القذافي، ينتظر أن تفتح ملفات عدة خلال جلسات الاستماع والتحقيق في الكونغرس، الذي يسيطر عليه الديموقراطيون، والتي ستطال نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني ورئيسه جورج بوش، نعم هذه هي الديموقراطية التي تصحح نفسها ولا تسمح بأن يتحول الرئيس إلى مقدس، ولو كان الحاكم هو رئيس السلطة في أكبر إمبراطورية عرفها التاريخ، فلا تحنطه، إن المواطن في الديموقراطية الغربية هو الأعلم بالمصلحة، لأنها تنعكس مباشرة على حياته اليومية، وهو الأجدر على اختيار من يمثله، وليس من يسجنه ويعتقله ويحارب عقيدته ويضطهد مظاهر التدين. لقد أثارت لدي الانتخابات الأميركية الأخيرة كثيراً من التفاؤل في تغيير ديموقراطي أوسع، أظن بأنه سيسمح للمواطن العربي ليختار المرشح الأحق بالفوز ما بين أكثر من مرشح في الحزبين الديموقراطي والجمهوري! إن ما أحدثته الانتخابات النصفية الأميركية من خوف ستتوالى توابعها الكارثية، وينتظر أن يتبرأ الحزب الجمهوري من هؤلاء ويقدمهم للمحاكمة، حتى يحسن صورته في العالم، بعد أن تبرأ الشعب الأميركي الحر من العصابة التي أثرت بدماء الأبرياء. هيثم صوان - مكةالمكرمة [email protected]