أوضح رئيس المركز الاستشاري للاستثمار والتمويل الدكتور عبدالعزيز الدخيل أن"أولويات الاستثمار والصرف يجب أن تكون في بناء الإنسان أولاً، ليخرج لنا إنسان متطور علمياً وفكرياً وثقافياً". وأضاف أن"الاقتصاد السعودي لا يزال يعاني من بعض المصاعب التي كان يجب أن يتخلص منها، مثل ضعف الضمان الاجتماعي، وبطء عملية التخصيص، وكبر حجم الوزارات الحكومية، والفساد الإداري، وضعف دور المرأة". وامتدح أداء القطاع المصرفي، وكذلك هيئة السوق المالية، معتبراً"أنها تسير في الاتجاه الصحيح". كما أوضح أن"منافذ الاستثمار لدينا جيدة، لكن لا تزال هناك بعض العقبات متمثلة في البيروقراطية ومشكلات التراخيص والمدن الصناعية والعمالة والمرأة والوضع الاجتماعي". كلام الدخيل جاء في حديث شامل أجرته معه"الحياة"هنا نصه: ما قراءاتك للوضع الاقتصادي في المملكة؟ - عندما يكون الحديث عن الاقتصاد السعودي، يجب النظر إلى طبيعة هذا الاقتصاد بعيداً عما يكتب من مقالات صحافية، التي أكثر ما تكون دعائية أو غير متخصصة وتأخذ الأمور بسهولة وتنظر إلى القشور دون اللب الحقيقي، ويغلب عليها الإطراء فيأتي ضررها جسيماً، لأن مثل هذه الكتابات تعطي معلومات غير دقيقة وغير مهنية للمواطنين، وبالتالي تصبح ثقافة المواطن الاقتصادية ضعيفة وسطحية. والأخطر من ذلك أن مثل هذه الكتابات التي لا تتناول الجوانب الحساسة، تضر، لأنها تعطي المسؤول انطباعاً غير صحيح، علماً بأن بعض المسؤولين يستقون ثقافتهم من الرأي العام ومما يكتب في الصحف، وبالتالي تكون ثقافة صاحب القرار أو المسؤول أيضاً ثقافة غير سليمة. وقد يكون في بعض الكتابات والأرقام التي تكتب وتقبل التأويل، ما يسيء إلى الوضع الاقتصادي العام، والمصلحة العامة، لأن المسؤول أو صاحب القرار، يعتقد أن الأمور جيدة، وان الاقتصاد يسير في أفضل ما يكون. فالكتابة المسؤولة يجب أن تركز على الجوانب الحساسة وتظهر النقد الهادف قبل الإطراء، لأن المواطن والمسؤول أحوج ما يكونان الى المعلومة السليمة والفكر المحايد. وبالنظر إلى الاقتصاد السعودي نظرة استراتيجية، نجد أنه مترابط منذ القدم، ولا يزال مرتبطاً بالنفط. وهذا الارتباط جيد، لأن النفط هو المادة الرئيسة التي غذت التنمية منذ 50 عاماً إلى الآن، لكن المشكلة أن النفط له عمر، سواء أكان 100 أم 200 سنة. وعلى هذا الأساس فإن أي شيء لا يتصف بالديمومة لا بد من أن يؤخذ الحذر منه، والحذر هنا يأتي من كيف سنستطيع، خلال ال 50 أو ال 100 سنة الاستفادة من الثروة النفطية في بناء اقتصاد وإنسان قويين. ولأن الإنسان هو العنصر الأساسي في أي اقتصاد، يجب أن تُصب كل هذه الأموال في مصلحة الإنسان، وتكون الأولوية له، لأنه رأس المال الحقيقي. يجب أن يكون متعلماً أفضل أنواع التعليم، وأن تكون صحته جيدة، وفكره الثقافي والاجتماعي متطوراً، وان يكون مرتاحاً فكرياً واجتماعياً وسياسياً يكون منتجاً. في هذا المستوى سيكون الإنتاج في منتهاه وسيتم الاختراع وتتطور الأمم، فلا يمكن لأي امة أن تتطور من دون أن يكون هناك تطور وتقدم في المواطن. ونلاحظ في الدول النامية النفطية استهلاكاً على مستوى عال، ونجد فيها أفضل المدن والمصانع والطرق، لكن من دون أن يكون هناك إنتاج. فكيف يمكن للفرد المتأخر علمياً وثقافياً وفكرياً أن يأتي بهذه الثروة؟ حل هذا اللغز يكمن في أن هذه الثروة تأتي من النفط الذي نستنزفه كل يوم. ولو نظرنا إلى السوق نجد أن كل ما نستهلكه مستورد، أو 90 في المئة من المستهلك مستورد، وهذا الاستيراد يأتي بعملة صعبة، والعملة الصعبة تأتي من التصدير، فنحن لا تزال صادراتنا محدودة، وليس لدينا سوى النفط. إذن 95 في المئة من العملة الصعبة التي نستورد بها من آسيا وأميركا وأوروبا آتية من النفط، وهذا النفط موجود في الأرض وساعدتنا في إخراجه الشركات الأجنبية ونسوقه ونبيعه للآخرين من دون مجهود، إذن أين الإنتاجية؟ أنا أريد أن أضع الاصبع على هذا الأمر. إن أولويات الصرف الحكومي يجب أن تكون على تعليم الإنسان، فتكون لدينا أفضل المدارس والجامعات والمعاهد العلمية، وأفضل ما يتعلق بفكر الإنسان من الناحية النوعية والكمية، أي نوعية القرارات وما يُدّرس. نحن بيننا وبين العالم فجوة في فكر الإنسان وتمدنه وتحضره، في أدائه لعمله، في احترامه لوقته. فالإنسان منظومة متكاملة، ولا اعتقد أن الموازنات التي تصرف على وزارة التربية والتعليم والصحة في أسلوبها وطريقتها ونوعياتها، أدت إلى خروج إنسان سعودي على مستوى جيد من ناحية الإنتاجية والعمل. وما يؤكد ذلك هو الأعداد الكبيرة من الشباب خريجي هذه الجامعات والمعاهد العلمية والدينية، الذين لا يجدون مكاناً لهم في سوق العمل. ودائماً ما يقع اللوم على رجال الأعمال بأنهم لا يريدون أن يُوظفوا. هناك شيء من الصحة في هذا الأمر، لكنها ليست الحقيقة الكاملة. فالحقيقة الكاملة أن هذا الخريج ليس في المستوى الملائم للعمل في القطاع الخاص الذي يقارب مستواه المستوى العالمي في الأداء، لذلك عندما نأخذ جامعة الملك فهد للبترول والثروة المعدنية مثالاً، وهي الجامعة الوحيدة التي يحصل كل خريجيها على وظائف فور تخرجهم. وكذلك الخريجون الحاصلون على شهادات من جامعات أجنبية، لأنهم يعدون سلعة نادرة. وهذا يؤكد أن الاستثمار الحقيقي هو في الإنسان، ولا اعتقد أن السياسات الحالية سواء التعليمية أم الصحية أم الاجتماعية أم ما يتعلق بالسعودة، ستؤدي إلى نتيجة جيدة، لأنها تعاني من قصور كبير, وهذه الأمور يجب أن توضع في الأولوية السليمة قبل البتروكيماويات والجبيل وينبع والمطارات والمدن الصناعية. فكل هذه الأشياء جيدة، ولكن قبلها الإنسان. نحن نجد مستشفيات تنقصها أقسام وأطباء، وجامعات وكليات لا تستوعب أعداد الطلبة فكل هذه الأشياء تعاني من نقص كبير. ثم نأتي إلى النقطة الأخرى وهي أن حجم القطاع الحكومي كبير، وأكبر من العمل الذي يجب أن يقوم به، فلدينا وزارات كثيرة وأعداد متضخمة من الموظفين، وكلها ترجع إلى أن خريجي الجامعات لا توجد لهم أماكن في القطاع الخاص، والقطاع الخاص لا يرغب فيهم، لأنه منتج، والمواطن سواء من ناحية ثقافته العامة أو الإدارية أم الفكرية، يميل إلى الكسل والعمل السهل، لذلك تجده يرغب في العمل الحكومي، ولو كان راتبه أقل من الرواتب في القطاع الخاص، اضافة الى أنه يجد في العمل الحكومي الأمان والراحة. فالوزارات متضخمة تضخماً كبيراً جداً، ولديها أعداد كبيرة من الموظفين الذين لا داعي لهم. فحجم الوزارات يمكن تقليصه إلى النصف، وتدار العملية الإدارية الحكومية بطريقة أفضل، عندما يصبح هناك عدد أقل من الموظفين وعدد أقل من العقد والإجراءات، ما ينعكس توفيراً في التكاليف. وهذا الوفر يمكن من خلاله إعادة تأهيل الموظفين الذين تم تقليص إعدادهم من الوزارة، وتصرف عليهم خلال مدة السنوات الأربع أو الخمس التي يعاد فيها تأهيلهم الرواتب نفسها التي يأخذونها من الحكومة، حتى يخرج لدينا مجتمع جيد، ونأتي على الفساد الإداري، وهو من الأمور المتفشية في كثير من الدول النامية وغير النامية. لكنه عملية نسبية، والفساد الإداري قاتل للروح وللحق وللقطاع الخاص، ولا بد من محاربته بشكل جيد، ومحاربته تبدأ أولاً بالنموذج الصالح، وليس بالقوانين، لأنه لا يمكن أن تضع القوانين وتطبقها، وتجد المسؤول الأعلى فاسداً إدارياً. وأيضاً هناك عملية التخصيص، وهي نقل الأعمال من الدولة إلى القطاع الخاص. وهذه عملية مستمرة منذ سنوات، لكنها تسير ببطء. وعلى رغم اتباعنا الاقتصاد الحر ولدينا قطاع خاص، لا تزال الدولة تضع يدها على كثير من القطاعات. رجل الدولة أو موظفها الذي يأتي عضواً منتدباً في مجلس إدارة شركة، لا يمكنه أن يتصرف كالمالكين. لا نستطيع تعميم هذا الكلام على الجميع، لكن يجب على الدولة أن تسحب ما لديها من أموال أو أسهم في الشركات وتبيعها، أو على الأقل إذا أرادت أن تبقيها ألا تتدخل في الإدارة، والا يعطيها حقها في الأسهم أن تعين أعضاء في مجلس الإدارة. ولذلك يجب أن نخفف من عملية تدخل الدولة، لأن الدول لديها مهمات أخرى تقوم بها، وتترك عملية إدارة الشركات للقطاع الخاص، وان كانت لديها أسهم فيجب أن تبيعها للقطاع الخاص في شكل تدريجي وتترك الملكية للمواطنين. ونأتي الى عملية الضمان الاجتماعي، فلا شك أن هناك فقراً في أي دولة، ولدينا فقر كأي دولة وعوز اجتماعي كبير. فأطراف السعودية متباعدة ولا تنتهي عند حدود الرياضوجدة، ناهيك عن القرى النائية. هناك اعداد كبيرة من المواطنين في حاجة إلى رعاية اجتماعية. والرعاية الاجتماعية التي لدينا غير سليمة، فهناك الكثير من الفقراء والمعوزين من أصحاب الحاجات الذين لم يقدم لهم ما يحتاجون اليه، ولم توضع التنظيمات السليمة. فنحن بلد لدينا خير وأموال يجب أن يذهب قسط منها لهؤلاء الفقراء لسداد حاجتهم الاجتماعية. لأننا عندما نقلل من الفقر والعوز، نقلل من المضار الاجتماعية. وهذا يعني أن الشباب والنساء والأطفال الذين يأتون من عائلات فقيرة أو مدقعة في الفقر، سيتحولون الى مرضى غير مؤهلين، وبالتالي النظام الاجتماعي لا بد من أن يدار بشكل جيد، يضمن للإنسان الفقير سكناً يتناسب مع إنسانيته ويؤمن له رعاية صحية واجتماعية. وإذا كان لديه أطفال تؤمن لهم مدارسهم. ويجب أن يكون هناك تكافل ورعاية اجتماعية. ونأتي أخيراً إلى عضو مهم ورئيس في الاقتصاد، وهو دور المرأة التي تشكل نصف المجتمع ولا نستطيع الآن أن نبقيها في البيت ونغلق عليها. حتى لو أراد بعض الناس انطلاقاً من بعض التفسيرات الخاطئة ان يبقيها في البيت. فالمرأة أصبحت متعلمة، وموجودة في كل مجال. والاقتصاد في أمس الحاجة إليها. ولذلك هذا الموضوع يجب الانتهاء منه، ويجب أن يؤخذ القرار فيه بشكل واضح. المرأة عامل اجتماعي فاعل، والعمل وخروج المرأة لا يعني الفساد. فهي إنسان كامل بحسب ما جاء في الدليل انه لا يوجد ميزان للنساء، وآخر للرجال يوم القيامة. فالجميع أمام الله يوم الحساب والعقاب سواسية كأسنان المشط الرجل والمرأة. فبالتالي هذا أمر يجب أن يحسم وعلى الدولة أن تأخذ موقفاً واضحاً في هذا الأمر من أجل أن يتحرك هذا الاقتصاد، ومن أجل أن تعطى المرأة حقوقها، ويستفيد الوطن من هذه الطاقة. هذه هي العوامل الأساسية للاقتصاد التي يجب النظر إليها، ثم نأتي إلى أمور أخرى منها القطاع الخاص والجانب الحركي الصناعي. فهذان جانبان مشرقان في الاقتصاد السعودي. القطاع الخاص نما في شكل جيد على مدى السنوات الطويلة الماضية، واستطاع ان يؤسس شركات ورجالاً على مستوى عال. وهذا لا يعني أن القطاع الخاص لا يوجد به فساد ولا يوجد فيه تخلف. لكن نحن نتحدث عن النسبة الكبرى، القطاع الخاص الذي فيه إنتاجية وشفافية عالية جداً، فيه فائدة للاقتصاد. ولكن - مثلما قلت - هذا من باب انه لا يوجد شيء كامل. وأعتقد أنه سيحمل الكثير، ونتمنى له أن ينمو، ويحمل الكثير من المهمات التي تقوم بها الدولة. ونأتي إلى قطاع البتروكيماويات، فالدولة ساهمت فيه كثيراً. وفي الحقيقة هناك تحرك جيد على مستوى البتروكيماويات، وبنيت صناعة بتروكيماوية جيدة وساهمت الدولة بشكل جيد في بنائها، فأصبحت"سابك"إحدى الشركات العملاقة الآن. وكذلك في قطاع الاتصالات خطت الدولة خطوات جيدة في تخصيصه. ففي البداية لم تكن الخطوة كما يجب أن تكون، لكن في النهاية بدأت الأمور تتحسن بشكل جيد. ثم نأخذ القطاع المصرفي، لدينا قطاع مصرفي من أفضل القطاعات المصرفية الموجودة، وهو على مستوى رائع جداً ومن أفضل القطاعات المصرفية في العالم، على رغم أن عدد المصارف قليل، وفيها شيء من الاحتكار. صحيح أن هناك فروعاً كثيرة لكن عددها قليل، ويتطلب الأمر زيادة عددها لكي تكون هناك منافسة جيدة ولكي يستفيد المواطن في شكل أكبر من هذه المنافسة، إلا أن القاعدة المهنية والقاعدة الفنية لهذه المصارف قاعدة جيدة، وتعتبر مفخرة وشيئاً جيداً. وكذلك وجود هيئة السوق المالية يعتبر جانباً إيجابياً، على رغم التأخر في إنشائها، لأنه كان من المفروض أن تنشأ منذ سنوات عدة. ومنذ إنشائها وهي تعمل بشكل جيد، على رغم أن الصورة لم تكتمل بعد. لم يكتمل البناء ولا يزال هناك تشوش في السوق. فبعض المراكز ومصادر القوة في السوق تملك أموالاً كثيرة تؤثر في حركة السعر. هذه كلها أمور موجودة، ولا شك في أنها نتيجة البدايات. وأن الأمور لا تزال في الطور الأول وكذلك الهيئة، لكنه يجب عدم السكوت على هذا الأمر بل يجب تطويرها، لكي نصل إلى سوق يتحكم فيها العرض والطلب الحقيقيان وليس العرض والطلب المبنيان على تحالفات داخلية، علماً بأن هذا الأمر ظاهرة خاصة في الاقتصاد السعودي أو سوق الأسهم السعودية، لكنها ظاهرة سلبية ولا نريد أن نقبل بالسلبية لأنها موجودة في مكان آخر. هناك من يطالب بوضع مؤشرين للسوق، ما مدى جدوى تلك المطالبة؟ - يمكن أن يكون هناك أكثر من مؤشرين. المؤشر العام هو مؤشر القطاع الصناعي ومؤشر القطاع الخدمي. حتى في القطاع الصناعي يمكن أن يكون هناك أكثر من مؤشر. مؤشر للصناعات القوية وآخر للصناعات الثانوية. في مجال المؤشر يحتاج الأمر إلى إعادة نظر. فهذا المؤشر قام بدوره، وإنما هناك أشياء كثيرة تحتاج إلى تطوير. والمهم في ما يتعلق بالسوق، أن نسير في الاتجاه السليم. قد نحتاج إلى الإسراع أو تنظيم بعض الأمور هنا وهناك، لكن نسير في الاتجاه السليم. واعتقد أن سوق الأسهم تسير في شكل جيد. هنالك شركات قديمة ظهرت، وهنالك شركات ضعيفة، وأعتقد سيأتي الوقت الذي تنسق فيه هذه الشركات، وتوضع قوانين تفرض خروج الشركات التي لا تحقق ربحية على مدى سنتين أو ثلاث من السوق الرئيس، وتكون خارج التداول إلى أن تتعافى ثم تعود مرة أخرى. في ظل توجه المصارف المحلية للمصرفية الإسلامية، لماذا لا يسمح للمصارف الإسلامية بفتح فروع لمزاولة نشاطها في السعودية؟ - القطاع المصرفي لدينا جيد، لكن مشكلة القطاع المصرفي أنه يحتاج إلى المزيد من المصارف لكي تكون هناك منافسة قوية. لدينا سوق قوية وأموال كثيرة في أيدي الناس ولا بد من وجود مصارف وليس فروعاً. نحن لدينا فروع كثيرة جداً ولكن الفرع يتبع للبنك نفسه، بينما نطمح الى أن يكون لدينا 20 مصرفاً بدلاً من 11 مصرفاً. وفي ما يتعلق بالمصارف الإسلامية وغير الإسلامية، يجب أن يكون الأمر مفتوحاً والخيار موجوداً، فمن أراد مصرفاً إسلامياً فليذهب إليه، ومن أراد مصرفاً تقليدياً فليذهب إليه. مع أنني ضد تسمية مصرف إسلامي وغير إسلامي، فالمصارف الإسلامية التي تعمل في ظل الشريعة الإسلامية، تشهد اختلافاً في الرأي. لكن لو نظرنا إلى جوهر الحقيقة لوجدنا أنه لا يوجد اختلاف بين ما يسمى بالبنك الإسلامي والبنك غير الإسلامي، في آلية وعملية تشغيل الأموال والاستفادة منها، ولكن ما نراه هو قشور أو واجهة. ولو دخلنا إلى عمق طريقة توظيف هذه الأموال لوجدنا الأمر مختلفاً. أنا أعتقد أن ظاهرة المصارف الإسلامية ظاهرة تسويقية. صحيح أن هناك نصاً دينياً يحرم الربا وهذا لا غبار عليه، لكن هناك اختلافاً في مفهوم الربا. هل ما تقوم به المصارف الربا نفسه الذي كان على أيام الرسول ومنعه الرسول؟ هل ما يسمى الآن بسعر الفائدة هو فعلاً الربا؟ هنا الإشكالية. هناك الكثير من الأقوال في ما يسمى بسعر الفائدة، فهذه القروض التي تقدمها المصارف هي أموال مودعين صغار، فهي تقرض أموال متوسطي الدخل للتجار وليس العكس، بينما الربا الذي كان موجوداً في السابق، كان التاجر هو الذي يقرض الضعيف، ويستغل ضعفه وفقره ليأتي الربا. والنسيئة الذي هو الاستغلال. والذي يحدث الآن هو العكس، تؤخذ أموال المودعين الذين لا يعرفون كيف يستثمرونها وتعطى الى صاحب المال ليتاجر بها. وعلى العموم الدولة يسرت الأمر وجعلته مفتوحاً، فتجد مصارف تقليدية لديها فروع تتعامل بالطريقة الإسلامية. والأمر يجب أن يكون خياراً مفتوحاً، ويجب أن يصرح لكل الناس. ظهر إنشاء المدن الاقتصادية في المملكة توجهاً استراتيجياً وخياراً اقتصادياً جديداً، ما أثر ذلك في الاقتصاد؟ - كل شيء يتعلق بالبناء سواء المدن أم الأصول الاقتصادية شيء جيد، لكن العملية ليست عملية بناء مدن. فالعملية لا بد من أن تكون لدينا أولويات نحن لا نستطيع أن نعمل كل شيء. الأولوية الأساسية يجب أن تعطى للإنسان، فلو سألتني عن وضع 20 بليون في إحدى المدن لقلت لك أنا أفضل لو بنيت بها معاهد وجامعات ومستشفيات للإنسان، وعُملت للحد من الفقر وفي القرى التي ليست لديها مستوصفات أو جامعات وبنيت فيها مجمعات ومدن. أيهما أولى الأسمنت والحديد أم الإنسان؟ نحن بدأنا مع هذه الإشكالية. في بداية خطط التنمية اهتمت بالحديد والأسمنت أولاً والإنسان ثانياً. إذن لا بد من عكس هذه المعادلة ووضع الإنسان أولاً، من ناحية نوعية المرافق وليس من ناحية الكم. فمن ناحية أن يكون لدينا جامعات. فنحن نعمل على إنشاء جامعات. فإذا كانت الجامعات التي تنشئها على النسق نفسه، والمنطق والإدارة الحكومية وبالمناهج والأسلوب ذاته، فأنا أفضل في هذه الحال ألا يكون هناك جامعات، لأن هذه الجامعات أو المدارس التي بهذا الشكل زيادتها ضرر، ومن الأفضل ألا تزيد، لأن ما تخرجه مواطن غير كامل من النواحي الفكرية والعلمية والإدارية. فأنت تفسد أكثر مما تصلح. فالإصلاح يجب أن يكون بالنوعية، وتغيير المناهج، والتوجه العملي، وضع الأماكن والجامعات والمرافق والمختبرات والأساتذة. ومن الأشياء الجيدة التي تشكر عليها الدولة هذه السنة فتح باب الابتعاث، وهذا يعد من أفضل القرارات التي تمت في عملية بناء الإنسان. حصول المملكة على المرتبة 38 كأفضل مناخ جاذب للاستثمار ماذا يعكس؟ - مع احترامي للتقرير الذي قامت بعمله مؤسسة التمويل الدولية، فنحن لدينا مناخ استثماري جيد، ولكن أنا لا يهمني هذا التصنيف، ولكن علينا أن ننظر لأنفسنا ونترك التصنيف جانباً، وفي رأيي هذا التصنيف مرتفع، لأن لدينا مشكلات في جلب الاستثمارات الأجنبية، منها البيروقراطية والفساد وعملية التسجيل والمرأة والعمالة وهذه المشكلات لم تحل، نعم لدينا جانب مشرق، انك تستطيع أن تدخل أي أموال وتخرجها من دون أي قيود، ففي هذا الجانب نحن أفضل حتى من أميركا والدول الأخرى، وكذلك الضرائب محدودة. أما في ما يخص التراخيص والمدن الصناعية والعمالة والمرأة والوضع الاجتماعي، فالمستثمر الأجنبي الكبير الذي يرغب في إحضار عائلته قد لا يجد الوضع الاجتماعي الملائم، والآن أي موظف أو مستثمر تريد أن تستقطبه للعمل، تكون السعودية آخر خياراته، حتى لو كان الراتب الممنوح له أكثر مما تمنحه دول أخرى، بسبب الوضع الاجتماعي في السعودية، فهناك قيود على زوجته وعلى أولاده ولا يجد مدارس ملائمة. ما المعوقات التي تواجه تحول الشركات العالية إلى شركات مساهمة؟ - أعتقد أن التحول إلى شركات مساهمة مفتوح وأصبح جيداً، وإذا كانت هناك شركات جيدة وتملك القدرات الكافية ولديها الإنتاجية فالباب مفتوح أمامها، لأن معظم المعوقات ذللت، سواء بالنسبة إلى إنشاء شركات مساهمة مغلقة أم طرح للتداول. هناك تذمر من ارتفاع علاوة الإصدار في بعض الشركات التي تطرح للتداول، فهناك من يرى أنها مبالغ فيها؟ - علاوة الإصدار لا تحددها هيئة السوق المالية أو أي أحد، وهي عبارة عن علاوة إصدار يرى صاحب الحق أنها تمثل قيمة جهده على مدى سنوات، فلا يمكن لإنسان عمل على مدى سنوات وأخذ المخاطرة، أن يأتي بمساهم جديد يدخل معه بالسعر نفسه، ولذلك فله الحق في أن يضع ما يريد، لكن هل هناك أحد يجبر المساهم على أن يشتري؟ لا أحد يجبره. وعملية أن يضعها مرتفعة أو منخفضة راجعة إلى المالك، فإذا كانت مرتفعة أكثر من اللازم ستبقى ولن يشتري أحد، فما دام هناك مشترون فهذه قراراتهم. وهنا أمر آخر، إن أي اكتتاب يطرح يجب أن يمر على إحدى المؤسسات المصرفية لكي تضمن عملية الاكتتاب، فهذا الضامن لا يمكن أن يضمن عملية الاكتتاب إذا كان يعتقد أن علاوة الإصدار مرتفعة بحيث تمنع المشترين، فبالتالي العلاوة حق من حقوق صاحب الشركة. كل إجراءات"هيئة السوق"في الاتجاه السليم كل الإجراءات التي قامت بها الهيئة جيدة وفي الاتجاه السليم، ولا يوجد شيء كامل 100 في المئة، ولا توجد سياسة تستطيع أن تقول إنها ناجحة 100 في المئة. كل السياسات مبنية على دراسات وتوقعات، يمكن أن تنجح السياسة ويمكن أن يتم تعديلها، ولذلك أي سياسة توضع في المحك، فإذا فشلت يتم تعديلها في ما يسمى بالخطأ والصواب. لا شك في أن جميع السياسات بنيت بنية صادقة وفي الاتجاه السليم. قد يكون بعضها يحتاج إلى نوع من التنسيق والتجربة، وكما أوضحت قد تحتاج إلى تعديل، والأمر ليس بشكل ثابت، وقرارات هيئة السوق المالية أو القرارات الاقتصادية ليست مقدسة، فهي عبارة عن قرارات فردية أو حكومية أو من هيئة، وهي قابلة للمراجعة والتطوير. إنما السؤال هو هل نحن نسير في الاتجاه السليم؟ نعم نحن نسير في الاتجاه الصحيح. سوق الأسهم من أحد أمورها التي تأخرنا قليلاً فيها، هو عدم إبعادها عن سيطرة المصارف وعن عملية البيع والشراء. وأضاف أن سوق الأسهم ولدت في حضن المصارف، وهي إلى الآن تسيّر عمليات البيع والشراء. هذا أمر قد يكون مقبولاً في البداية، لكن الآن تطورت الأمور وأصبح هناك أفراد ومؤسسات وشركات قادرة على القيام بعمليات الوساطة، وتستطيع تقديم الأفضل، وصدر قرار بعزل السوق عن المصارف، وأعطيت فترة لكي يتم ذلك، ولكن الإسراع في تطبيق هذا الأمر اصبح ضرورياً، والترخيص لمؤسسات مستقلة عن المصارف لتقوم بعملية الواسطة والبحث والبيع والشراء وكل ما يتعلق بسوق الأسهم وغيرها من إدارة الصناديق. وكلما زاد عدد المؤسسات المالية خارج المصارف كلما كان ذلك أفضل لسوق المال.