إن الإسلام فرض على المسلمين صيام شهر رمضان، واعتبره الركن الرابع من أركانه الخمسة، وبهذا جعل الإسلام لحياة الإنسان المسلم رياضة روحية وبدنية يقوم بها شهراً كاملاً من كل سنة، وربما يقع الشهر في الأيام الطويلة وفيها يشتد الحر، ما يجعل الصوم رياضة شاقة، تعود أفراد الأمة في حياتها على الصبر والجلد. فرض الإسلام الصوم في السنة الثانية من الهجرة قبل أكثر من 14 قرناً، وثبت أن للصوم أثره الخاص على صحة أفراد المجتمع الإسلامي جسماً وروحاً، وفي حين لم تلتفت أوروبا إلى أهمية هذا التشريع الحكيم صحياً إلا منذ نصف قرن، فقد رأى كبار الأطباء معالجة بعض الأمراض بالصوم، ولكن من دون إدراك منهم أن الصوم لا يختص أثره بصحة الجسم، وإنما له أثر واضح في صحة الروح أيضاً. وكذلك للصوم أثر كبير في تحسين الأخلاق وإصلاحها، وفي منع ارتكاب الجريمة والفسوق، وفرضه الله على الأمم السابقة، فقال الله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام، كما كتب على الذين من قبلكم، لعلكم تتقون". وأوضح الرسول صلى الله عليه وسلم فوائد الصوم من الناحية الروحية والأخلاقية والاجتماعية والصحية في أحاديثه الشريفة، إذ قال"والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن شتمه أحد أو قاتله فليقل إني صائم"وقال:"من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"فالصوم له آداب ودروس بحيث يخضع جميع أعضاء الجسم لطاعة الله تعالى. ومن فوائد الصوم الاجتماعية، الإحساس بالفقراء والمساكين، وذلك حينما يشعر الصائم بتأثير الجوع والعطش على قواه الجسمية، ما يؤدي إلى شكر نعمة الله، والعطف على المحتاجين من إخوانه في الإسلام. ومن حكمة الله العليم أنه فرض الصيام في أيام رمضان كما سن صلاة التراويح وفيها ختم القرآن الكريم وسن الإكثار من تلاوة القرآن ليل نهار، وسن الاعتكاف سنة كفاية، وهو البقاء في المسجد لعبادة الله في العشر الأواخر من رمضان وفيه إحياء ليلة القدر، وبذلك أصبح رمضان شهر الصيام والقيام وختم القرآن وتلاوته ومدارسته، ما يؤدي بالصائم القائم إلى صحة الروح والجسم والأخلاق. وإن الصائم الذي يصوم شهر رمضان إيماناً بفريضته، واحتساباً من الله الكريم، ويتقي المعاصي كلها، ويقوم بعبادة الله وذكره، ويؤدي السنن التي ذكرناها، فإنه لا شك يتعود على التقوى وعبادة ربه سبحانه، ويعرف معنى العطف على الفقراء والمساكين والمحتاجين، ففي ذلك إصلاح المجتمع الذي يتألف من الأفراد والأسرة ونشر أمن البلاد، لأن أمن البلاد إنما هو من إصلاح المجتمع. واستثنى الإسلام من هذه الفريضة، المسافر إذا كان يقع في حرج إذا صام في السفر، واستثنى المريض، وكذلك الحائض والنفساء، وأجاز أن يفطروا على أن يصوموا قضاء في أي وقت، وذلك تيسيراً عليهم، فقد قال تعالى:"يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم لعلكم لتشكرون". وهكذا نرى لصيام شهر رمضان المبارك فوائد كثيرة من الناحية الروحية والخلقية والاجتماعية والصحية وله تأثيره الطيب في سلوك الأفراد والأسر والمجتمع، وإذا تمسك العالم البشري بالصوم وإيماناً بالله عز وجل، واتبع تعاليم الإسلام بشأنه ولا سيما التقوى بتمام المعنى، انتشر الخير والصلاح والأمن في كل مكان. نسأل الله تعالى أن يوفقنا لصيام هذا الشهر المبارك والقيام فيه، حتى نكون من الفائزين برضا الله عز وجل. كلية الآداب - جدة