أتألم قهراً حينما أقرأ عن سلسلة حوادث الطريق، التي تذهب ضحيتها المعلمات المغتربات... ولا أنكر أبداً أنني بكيت على حادثة معلمات مدينة عفيف... وكم دار في ذهني صور المعلمات وكيف رحلن وهن في طريقهن إلى أعمالهن... فماذا لو أن إحداهن لها طفل ينتظر عودتها لكي تحتضنه ويحتضنها، وتنسى هموم الغربة أمام نظرات عينيه... ماذا لو كانت إحداهن لديها أطفال في المدارس ينتظرون عودتها في نهاية الأسبوع! أو كانت إحداهن فتاة في عمر الزهور ينتظر والداها أن ترتدي فستان الفرح في يوم من الأيام... بالأمس أيتها المعلمات كانت أسماؤكن على دفاتر التحضير وفي سجل المناوبة وحصص الاحتياط ولجان الامتحان وفي سجل الحضور والغياب... واليوم أسماؤكن في سجل الوفيات، نتيجة تعرضكن لحادثة طريق... ومن المؤسف أن وزارة التربية والتعليم لم تسهم في فعل شيء يدل على تألمها وأسفها تجاه هذه الحوادث، التي تفتك بأرواح منسوبيها من المعلمات. فهي لم تكلف نفسها عناء كتابة تعميم، يطالب جميع المدارس بذكر أسماء المعلمات المتوفيات في الطابور الصباحي من أجل قراءة الفاتحة على أرواحهن، كنوع من إعلان الحداد عليهن ووفاء لكفاحهن وصبرهن وتقديم العطاء في ظل الظروف الصعبة التي لم يعانها أحد غير المعلمات. كان الصمت على هذه الحوادث المؤلمة أسوأ من الحادثة نفسها... لأنك ستشعر أخي القارئ عندما تسمع عن هذه الحوادث المتكررة للمعلمات أنه لا قيمة لتلك الأرواح التي تبتلعها الصحراء، ولا وزن لتلك الدماء التي تناثرت على الرمال، فالصمت كان هو العزاء وكان هو النكران... وفي مقالي هذا أخبئ بين سطوره جراحات غائرة وغضباً لا حدود له على وزير التربية والتعليم شخصياً، وأعود بذاكرتي إلى دولة مصر حينما وقعت حادثة احتراق القطار، إذ طالب الشعب بإقالة وزير المواصلات، وحينما وقعت حادثة احتراق الأوبرا طالبوا أيضاً بإقالة وزير الثقافة. لا أفهم لماذا لا نطالب نحن أيضاً بإقالة وزير التربية والتعليم... جراء هذه الحوادث المتتالية للمعلمات؟ ألم يكن بمقدوره أن يوفر حافلة تنقلهن من مناطقهن إلى مناطق عملهن؟ تخيل أخي القارئ سبع أو ثماني معلمات محشورات في سيارة صغيرة، أليس من الطبيعي أن تكون المأساة لو تعرضت هذه السيارة إلى حادثة؟ أوليس في مقدور وزير التربية والتعليم أن ينقل المعلمات من المناطق النائية التي يكون الطريق فيها خطراً ويهدد حياتهن؟ كان بمقدوره وأجزم أنه باستطاعته فعل ذلك، لكنه تقاعس عن حل هذه المشكلة، وواضح أنه لم يبال أصلاً بها. إن المرء ليصاب بدهشة بالغة وهو يسمع عن مشاعر وعواطف وزارة التربية التي لا تأبه لأحد. إن دماء المعلمات تكسو وزارتكم بالخيبة والاعوجاج، وقوانين تغريب المعلمات يدل على عقول ديناصورية، أراد الله ولحكمة خافية أن نبتلى بها. نحن نكتوي بنيران القهر ونحن نسمع عن تلك الحوادث، فليس بمقدورنا أن نتمرد أو نثور. لقد انفجرت ضلوعنا من شدة الصبر والحزن والعجز، ولكن نأمل أن تصل رسالتنا إلى أهالي هؤلاء المعلمات، من أجل أن يطالبوا بإقالة وزير التربية والتعليم كما تفعل الدول المتحضرة في التعامل مع الخطأ الوزاري الذي يؤدي إلى كوارث بشرية. زهراء عجاج - المنطقة الشرقية