يردد أبو معاد "البكاء ليس للرجال" مانعاً دموعه من السقوط على وجنتيه، يصبر نفسه في وفاة والدته، محتسباً الأجر عند الله، ويأبى أن يعبر عن ذلك بدموع نسائية. وتقول زوجته:"رفض البكاء والكلام من أثر الصدمة عند وفاة والدته". وتضيف"تمزق قلبي عليه، ماذا أفعل؟". وتوضح أن"حبسه لدموعه سينعكس على نفسيته بالتأكيد". اختلى بنفسه في إحدى الغرف ورفض أن يرى أحداً في تلك اللحظة، وتقول أم معاد إنه صرخ في وجهها حين حاولت الدخول عليه لمواساته، وتذكر انه قال لها:"اخرجي ولا أريد رؤيتك، الأفضل أن تذهبي إلى منزل والدك". لم تسمع تلك الكلمات كانت تعرف أنها صادرة من رجل يكابد الحزن على فقد عزيز عليه. إلا أنها لا تتوقف عند ذلك فقط، وإنما تستغرب هذا الفعل عند الرجل، فهو يرفض البكاء مهما كانت الظروف، ولا يكتفي بذلك بل يأمر حتى الأطفال من الأولاد بعدم البكاء. وتوضح أن زوجها كان دائماً ما ينهر ابنها ذا السنوات التسع حين يراه يبكي، وتقول إنه"من الطبيعي أن يبكي الطفل، لكن والده يمنعه من ذلك، وفي بعض الأحيان يقوم بضربه ليكف عن البكاء". وتعتقد أم معاد أن"ابنها يتصرف في شكل غريب ليعبر عما في نفسه، يضرب إخوته الأصغر منه". وتتساءل"لماذا يرى زوجي البكاء كارثة، أليست نعمة من الله رحم بها العباد ليروحوا عن أنفسهم، ووسيلة للتعبير؟". ولم تكمل عبير عبدالحكيم أيام خطوبتها بالزواج وإنما انفصل عنها خطيبها والسبب بكاؤه إلى جانبها، لم تتوقع ذلك، وتوضح"كان خطيبي يشكو لي من بعض المشكلات التي تحدث له، ومنها أن والدته كانت تضغط عليه لكي ينفصل عني". وتضيف:"تكلم معي في إحدى المرات مطولاً عن مشكلة، ولم أتمالك نفسي وبكيت، وهو أيضاً بكى معي في نهاية المطاف". إلا أن ذلك البكاء المتبادل حول حياة خطيبها إلى الأسوأ تجاهها، وتوضح أنه"بعد أن كان ارتباطنا مجرد خطوات قليلة، انتهى الأمر برمته". وتقول إن"تغير حاله بعد تلك المكالمة وكلما سألته عن السبب يقول لي:"أنت امرأة تنزل دمعتي". ويقول الأخصائي النفسي في العيادة السلوكية في مستشفى القطيف العام والمراكز الصحية أحمد حسن آل سعيد إن"بعض الرجال يعتقد أن بكاءه أمام زوجته أو أمه يقلل من مكانته الاجتماعية، وإهانة له. ويعتبر البعض أنه من الخطأ الفادح ذرف دمعة واحدة أمام المرأة، حتى لو كانت من اقرب المقربين إليه مثل الزوجة". ويتساءل عن"نوع العش الزوجي الذي يبعد عن التآلف والمودة في إظهار المشاعر بين الزوجين مهما كانت؟". ويضيف أن"الوضع يحتاج إلى إعادة نظر في طريقة تفكيرنا ومعتقداتنا تجاه أنفسنا والآخرين في مثل هذه المواقف، خصوصاً في ما يتعلق بمشاركة الزوجة في مثل هذه الأحاسيس، وتقبل الرجل مشاركة زوجته مشاعره عند الشدائد، التي منها عدم العيب في بكائه أمامها، أليس وراء كل رجل عظيم امرأة تسانده؟". ويرجح أن عدم تعبير الرجل عن مشاعره بالبكاء أمام الآخرين يعود إلى أسباب، يحصرها في ثلاثة منها: أن"الشرقي درج على أن مكانته لا تسمح بإظهار ضعفه أمام الجنس الآخر، وابسط مثال حين يبكي الطفل يقال له إن البكاء للنساء. وهذا عائد إلى ضعف الثقافة التربوية والوعي الاجتماعي". ويضيف إلى ذلك"التوصيات منذ الصغر وطريقة التربية التي تتبعها الأسرة ترسخ مفهوم أن البكاء عيب عند الرجل". ويشير إلى أن السبب الآخر يتعلق بفسيولوجية الرجل المختلفة عن المرأة، ويقول إن"الرجل لا تستثار عاطفته بسهولة مثل المرأة، وأيضاً يوجد لدى الرجل"مكانزمات"دفاعية أقوى مما عند المرأة، فليس من البساطة أن تنسكب دموعه". ويرى آل سعيد أن السبب الثالث يتمثل في عقدة النقص عند البعض من الرجال، ويوضح أن"الخوف من ضياع المكانة الاجتماعية وأنه سيد وليس ذليلاً، وأن الرجل عادة لا يرغب في التعبير عن شعوره أمام المرأة، ولا يستثني الظروف الاجتماعية التي تلعب دوراً كبيراً في خلق هذه العادة السلبية". ويقول إن"الرجل سيدفع ثمن هذه العادة السلبية، فهو إن لم يخرج دموعه المعبرة عن الحزن، فإنه يعرض جسمه للمرض، وهذا أمر أساس في تحليل الطب النفسي، إذ ما يختزنه الإنسان من أفكار ومعتقدات سواء كانت صائبة أو خاطئة، فإنها ستصب في النتيجة التي يصل لها، وهو السلوك العام وكيفية تعامله مع الآخرين، ومن الخطأ استمرار النظرة القاصرة التي تدفع ثمنها الأسرة كاملة".