أول ما يطالعنا في المعرض الفوتوغرافي الجماعي 43 الذي يقام في جمعية الثقافة والفنون، في محافظة جدة، غناه الفني وتقنياته المتعددة، وثقافة الفوتوغرافية المتنوعة، التي يمكن ملاحظتها بوضوح، والتي استحوذت على اهتمام الحضور، وسيطرت على حواسهم. الجماليات التي عكستها الأعمال المشاركة دفعت الجمهور إلى أن يتماهى معها، هذه الأعمال التي ما فتئت تحكي الزمان بأحداثه والمكان بأبعاده والتراث بزخمه، والدين بهويته التي تجلت في منارة شامخة يعززها العنفوان. عبرت الأعمال عن عدسة تروي الحدث صادقاً بماهيته وجميلاً بألوانه، في استيعاب لجميع أشكال الفرح والحزن والمعاناة التي تنبع من أحاسيس مرهفة ومشاعر فياضة، فنرى"الطبيعة"فرحة أحياناً، وحزينة حينا، إذا ما استخدمها الفنان في أوقات معينة كالفنانة لينا سنبل التي ترصد الأشعة الذهبية الممتدة في الطبيعة التركية في سعي إلى ابتكار عمل يتباين فيه اللون والقوة في ضوء الشمس. وتجلت الطبيعة عند الفوتوغرافية هزار حافظ في شكل آخر يتنازع بين القوة والوضوح، في ألوان خريفية تتباين بين الأصفر الحار والنحاسي البارد ، مروراً باللون الأخضر الذي أخذت ألوانه فصلاً خريفياً يوحي بالهدوء، في تآلف مع اللون الأبيض الذي يحيل إلى الصفاء والنقاء. وتأتي الهوية الدينية لتشرق في جميع أركان المعرض، وتتجلى بين جنباته، عند الفنانة الفوتوغرافية ضحى عنقاوي في"المنارة"الشامخة التي ينطلق منها صوت الحق في الأذان، ويتداخل قوس المسجد باحتواء جميل من أشكاله التراثية، وزخارفه الإسلامية، التي تحكي أصالة الماضي المجيد برواشينه الهندسية، وأعمدته الرخامية، وأخشابه الزخرفية المتمنطقة بالتراث الجداوي الذي يتعانق مع أشجار النخيل الباسقة. ويأتي هتان حافظ العمل التاريخي فتلتقط عدسته مسدساً تراثياً، متداخلاً بين الفضة النقية الباردة، والألوان الحارة لتسجل الانتماء الوطني مستوحياً أركانه من الهوية التاريخية التي يرتبط بها الفنان. أما وداد صالح الصبان فعبرت عما تكنه المرأة السعودية من معاناة كبيرة بأحاسيس صادقة في"العين"، وكان العمل يتكلم عن نفسه، عين سفينة الصحراء التي تعبّر بصمت عن الحزن والصبر والجلد وقوة التحمل، وهذا ما أرادته الفنانة وداد لتربط صبر الجمل بالمرأة السعودية التي تألقت بصبرها ونجحت بنضالها. وكان عمل الفنان عيسى عنقاوي"المجوهرات"متألقا في المعرض، برؤية جمالية منطلقة من جمال المرأة العاشقة هذه الكنوز، ولكي يحظى بالجمال الأخاذ حجب الذات عن جمال العين ليظهر بريق المجوهرات الذي يخطف الأبصار بعشقه معدن الفضة، الذي يشع منه بريقاً نقياً صافياً.