أجمعت المذاهب الإسلامية كافة على تحريم زواج "المسلمة" من غير "المسلم"، إلا أن ذلك لم يعكس واقع حياة "المسلمات"، خصوصاً في المجتمعات الغربية، إذ باتت المسألة في أوساط النساء معضلة، استدعت تدخل المجامع الفقهية لحسمها. "الحياة" تعرفت على الظاهرة، وتقربت من النساء المتزوجات من أزواج غربيين، والرافضات للمبدأ. "ربما أكون رسمت لنفسي مستقبلاً مع شخص رفضه أهلي لدينه، وبقيت أتجرع مرارة هذا الرفض"، هكذا تبدأ نهاد خالد حديثها عن نفسها، فهي فتاة مسلمة عربية رغبت في الزواج من شخص عربي"غير مسلم". ما زالت نهاد تحب زوجها الذي اختارته، وهو يحبها على رغم اختلاف ديانتهما، وترى أنها لا تختلف معه في شيء، فهي تحترم مشاعره ومعتقداته الدينية، وهو كذلك. السيدة نهاد تجيب بتحفظ بعد سؤالها عن المستقبل الديني لأطفالها لمن سيؤول:"تلك مسألة سابقة لأوانها، كوننا لم ننجب بعد، ولم نناقشها حتى هذا الوقت". أما مريم.ف 26عاما فتعتقد أن رفض والديها سفرها وحدها لاستكمال دراستها ما كان إلا لحدسهما بما قد يحدث نتيجة الوحدة التي ستعيشها. تعلق قلب مريم بشاب أميركي الجنسية عربي الأصل مسيحي الديانة، وعلى رغم اختلاف ديانتيهما، لم يمنعه ذلك من مصارحتها برغبته في الزواج منها، ولم يمنعها من قبوله زوجاً. بدأت معاناتها في كيفية مصارحتها أهلها، وكيف تقدم لهم زوج المستقبل، لم تخش جنسيته ولا أصوله العربية، التي هي سبب في كثير من الأحيان لرفض الأهل. كل ما تخوفت منه مصارحتهم بدينه. استجمعت قواها وتحدثت مع والدتها التي طلبت منها العودة في أسرع وقت ممكن، رفضت مريم طلب والدتها، ما اضطرها لوضع والدها في الصورة، فطالبها بالاستعجال في العودة، فأخبرته بأنها وخطيبها قد تزوجا فعلاً! تقول مريم:"إن ما ساعدني في الاستعجال بالزواج هو أنني من حاملي الجواز الأميركي حيث إنني من مواليد أميركا". ولم تخجل من ذكر أنها عانت كثيراً من نظرات زميلاتها وزملائها من المسلمين في الجامعة التي تدرس بها، وأنها كثيراً ما خجلت من أسلوب النصح المحمل باللوم لها ولاختيارها. وباتت تشعر الآن بالخوف على مستقبلها ? كما تقول ?"بعد ما تعرضت زميلتها من دولة خليجية لسوء معاملة عائلتها ورفضها لها، إثر زواجها من أميركي غير مسلم كان زميلاً لها في الجامعة، وبعد خلاف معه تركته وهي حامل لتعود لأهلها وتلاقي منهم الرفض واللوم والعتب المستمر لمخالفتها رأيهم". وفي الجانب الشرعي من القضية، يذكر الباحث الإسلامي نجيب عصام يماني ل"الحياة"أن"زواج المسلمة من الكتابي سواءاً كان يهودياً أم نصرانياً أم مشركاً أم غيره لا يجوز في شرعنا الإسلامي، وذلك بإجماع كل المذاهب الإسلامية على اختلافها". ويضيف:"لم أجد رأيا فقهياً واحداً يؤيد هذه المسألة، لا في كتب المتأخرين ولا المتقدمين ولا في أقوالهم، حتى بعض الفرق الإسلامية التي شطّت وقالت بأغرب الأقوال لا تؤيد هذه المسألة". وأشار إلى أحاديث عدة وردت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تمنع زواج أي مسلمة من كتابي"وتحضرني هنا قصة أم كلثوم بنت عقبة التي كانت مسلمة وهاجرت إلى المدينةالمنورة في فترة هدنة الحديبية، وجاء إخوتها إلى رسول الله - صلى الله علية وسلم - يطلبون منه أن ترجع إلى بيتها وزوجها في مكة، فنزلت الآية الكريمة"فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هنّ حل لهم ولا هم يحلون لهنّ". والبعض قد يسأل:"ما الحكمة من هذا التحريم بالنسبة إلى المسلمة بينما هو حلال للمسلم؟ والجواب عليه أن الحكم الشرعي ينفذ من دون تعليل، وكثير من الأحكام في بعض الأحيان يُخالف العقل والمنطق، ولكن يجب علينا السمع والطاعة، وقد قال بعض الفقهاء إن الطاعة من دون تعليل أفضل من الطاعة بتعليل". هل الرجل لعبة في يد المرأة؟ ويخالف يماني القائلين بأن التحريم سببه قوة الرجل وتسلطه، وانه من الممكن أن يقنع المرأة أو يجبرها على تغيير دينها من الإسلام إلى دينه، ويقول:"هذا سبب واهن، فالمرأة في نظري هي القوية والمتسلطة، وما الرجل إلا لعبة في يدها، ولو كان هذا هو السبب لمنع الله الرجل المسلم من الزواج من كتابية أيضاً"، ويؤكد أن"التحريم هنا من دون علة". ويختتم حديثه قائلاً:"عموماً ما أكثر الرجال المسلمين والذين هم في حاجة إلى زوجات مسلمات، والأبناء دائماً ما يركنون إلى أبيهم ويتبعونه، فالخوف يأتي هنا إذا كانت الأم مسلمة وكان الأب مشركاً فغالب الظن أنهم يتبعون أباهم في دينه، وهذا ما لا نريده، وقد تكون هذه أهم سلبيات هذا الزواج، وهي كثيرة، إضافة إلى مخالفتها شروط وأركان النكاح". غير أن حسم الشرع هذه القضية لم يدفع الفتيات إلى التوقف عن نسج أحلامهن حول الزواج ب"الرجل الأبيض". أحلام جاسر 20عاماً وهي من ضمن الفتيات اللاتي يحلمن بالزواج من أجنبي، تعتقد أن"الرجل الأبيض"مهما يعتنق من ديانة سيكون لها المنفذ لحياة هانئة ومريحة، حددت من خلالها الشخص الملائم وغير الملائم. لكن أحلام تعلم أن ارتباطها بغير المسلم رغبة من المستحيل تحقيقها بسبب تقييد الشرع ورفض الأهل. أما خالدة ع 21عاماً فتروي قصة أغرب، إذ نشأت علاقة حب مفاجئة ربطتها بإنسان، لم تسأله يوماً عن دينه لأنه كان يحمل اسم"يوسف"فأيقنت بإسلامه ولا تعلم من أين أتاها هذا اليقين. كل ما كانت تحمله من همّ كيف تصارح أهلها بأنها ترغب في الزواج من إنسان عربي وليس من نفس جنسيتها. تطورت العلاقة وبدأ يلح عليها بقبوله زوجاً، فصارحت أخاها الذي طلب التحدث له. بعد حديث مطول لأخيها مع يوسف على الهاتف كان رده:"إن قبلنا زواجكِ من شخص يحمل جنسية أخرى فلن نقبل أن يكون غير مسلم". خالدة مستسلمة للشرع، لكنها في لحظات غاب عنها أي تفكير تمنت"لو أن بإمكان المسلمة أن تتزوج بشخص لا يدين بدينها"حتى تنهي معاناتها، لكنها ? مثلما تقول ?"سرعان ما فكرت في أولادي منه، والبؤس والشقاء الذي سيصيبهم بسبب اختلاف ديانتي مع ديانة من يريد خطبتي، عندها رضيت بقدري ودعوت الله أن يهديه للإسلام". أما عبدالله عبدالرحمن 32 عاماً مسلم متزوج من كتابية، فيرى أن المسلمة التي تتزوج كتابياً خارجة عن الدين، ويجب أن تتبرأ منها أسرتها، فهي إنسانة لم تضع دينها ومصير أطفالها ونظرة المجتمع لأسرتها في الاعتبار، وتصرفت بناءً على أهوائها ورغباتها الشخصية. بقاء المسلمة عند زوجها"غير المسلم"... رخصة"قرضاوية"لمسلمات الغرب في مجلس الإفتاء الأوروبي برئاسة الداعية الإسلامي الدكتور يوسف القرضاوي اقتصر الجدل بين أعضاء المجلس على"إسلام المرأة من دون زوجها"، وذلك بعد أن ورد إليه المجلس سؤال من امرأة في إحدى الدول الأجنبية تقول:"إن زميلة لي أجنبية أسلمت ولما يسلم زوجها بعد، وهي تحبه وترجو إسلامه. وتخشى السائلة أن الإطار التقليدي للإفتاء في مثل هذه الأمور قد يقود إلى ارتكاسات وارتدادات لا يحتاج إليها واقع الإسلام والمسلمين في هذه الآونة. فقد تقع المسلمة حديثاً في أزمة نفسية أو مجتمعية تفتنها عن دين الحق". ما دفع الدكتور يوسف القرضاوي إلى التقدم بإطار اجتهادي أثار خلافاً بين العلماء. فمنهم من قبله، ومنهم من رفضه. تُرى أي الاجتهادين أقوم في إطار الشرع؟ وأي الطرفين اجتهد فأصاب؟ وأيهما اجتهد فأخطأ؟ القرضاوي رخص للمرأة التي تسلم عند زوج"غير مسلم"أن تبقى عند زوجها، مشيراً إلى أنه كان"يفتي سنوات طويلة بما يفتي به العلماء الذين ذكرهم السائل في سؤاله. وهو أن المرأة إذا أسلمت يجب أن تفارق زوجها في الحال أو بعد انتهاء عدتها، لأن الإسلام فرق بينهما، ولا بقاء لمسلمة في عصمة كافر. وكما لا يجوز لها أن تتزوج غير المسلم ابتداء، فكذلك لا يجوز لها الاستمرار معه. هذا هو الرأي السائد والمشهور والمتعالم عند الناس عامة، والعلماء خاصة". ويضيف القرضاوي:"أذكر منذ نحو ربع قرن أنا كنا في أميركا، وفي مؤتمر اتحاد الطلبة المسلمين هناك، وعُرضت قضية من هذا النوع، وكان الدكتور حسن الترابي حاضراً، فلم ير بأساً في أن تبقى المرأة مع زوجها الذي لم يسلم إذا اسلمت، وثارت عليه الثائرة، ورد عليه عدد من الحاضرين من علماء الشريعة، وكنت منهم، وقد اعتمد الرادون عليه إلى أنه خرج على الإجماع المقطوع به، المتصل بعمل الأمة". لكن القرضاوي بعد صعوبة واقع المسلمات اللاتي لم يكنّ مسلمات فأسلمن عند أزواجهن الذين لم يفتح الله قلوبهم للإسلام بعد، أجاز لهن البقاء، وممارسة حياتهن الطبيعة مع أزواجهن، واستطرد في حشد الأدلة المؤيدة لذلك ليسند إليها قوله، والأخرى المعارضة لقوله ليفندها. وانتهى إلى ترجيح رأي الزهري المروي عنه:"إن أسلمت ولم يسلم زوجها، فهما على نكاحهما ما لم يفرق بينهما سلطان". وعلَّق القرضاوي بأن هذا"تيسير عظيم للمسلمات الجدد، وإن كان يشق على الكثيرين، لأنه خلاف ما ألفوه وتوارثوه، ولكن من المقرر المعلوم: أنه يُغتفر في البقاء، ما لا يغتفر في الابتداء. فنحن منهيون ابتداء أن نزوج المرأة لكافر، كما قال تعالى: ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا، ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم الآية. وهذا ما لا يجوز التهاون فيه، فلا نزوج مسلمة ابتداء لغير مسلم، ولكن نحن هنا لم نزوجها، بل وجدناها متزوجة قبل أن تدخل في ديننا، ويحكم عليها شرعنا، وهنا يختلف الأمر في البقاء عنه في الابتداء". وأضاف:"لدينا إذن قولان معتبران يمكن لأهل الفتوى الاستناد إليهما لعلاج هذه المشكلة التي قد تقف عقبة في سبيل دخول الكثيرات في الإسلام. القول الأول: هو قول سيدنا علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه، وهو: أن زوجها أحق بها ما لم تخرج من مصرها. وهنا نجد المرأة باقية في وطنها ومصرها ولم تهاجر منه، لا إلى دار الإسلام ولا غيرها. والقول الثاني: هو قول الزهري: إنهما على نكاحهما ما لم يفرق بينهما سلطان، أي ما لم يصدر حكم قضائي بالتفريق بينهما. ويسند هذا القول ظاهر ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خيرَّ زوجة النصراني حين أسلمت بين فراقه وإقامتها عليه".