قال الإمام مالك - رحمه الله - مختزلا تصوير فعل من يُقدمُ على الزواج بنية الطلاق: «ليس هذا من الجميل ولا أخلاق الناس». ولست فقيها يوازن بين أقوال الفقهاء، ولكني - بعد اطلاعي على أقوالهم المختلفة تماما - وجدت من الذين أفتوا بجواز هذا النكاح يتفقون على تحريم صورة منه وهي: «أنه يسافر إلى بلد بقصد النكاح وهو يضمر الطلاق» لذلك قالت اللجنة الدائمة للإفتاء: «الزواج بنية الطلاق زواج مؤقت، والزواج المؤقت زواج باطل». وأضافت: «والزواج الصحيح: أن يتزوج بنية بقاء الزوجية والاستمرار فيها، فإن صلحت له الزوجة وناسبت له وإلا طلقها، قال تعالى: {فإِمساك بِمعرُوفٍ أو تسرِيح بِإِحسان}. فالزواج بنية الطلاق، لا يخلو من حالتين: إما أن يشترط في العقد أنه يتزوجها لمدة شهر أو سنة أو حتى تنتهي دراسته فهذا حرام، والعقد فاسد. وإما أن ينوي ذلك دون أن يشترطه، فمذهب الحنابلة أنه حرام، وأن العقد فاسد، لأنهم يقولون: إن المنوي كالمشروط، لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «إنما الأعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى»... متفق عليه. وأعجبني كثيرا قول أحد فقهائنا، «لقائل أن يقول: إنه محرم من جهة أنه غش للزوجة وأهلها، وقد حرم النبي (صلى الله عليه وسلم) الغش والخداع، فإن الزوجة لو علمت بأن هذا الرجل لا يريد أن يتزوجها إلا لهذه المدة ما تزوجته، وكذلك أهلها كما أنه هو لا يرضى أن يتزوج ابنته شخص في نيته أن يطلقها إذا انتهت حاجته منها، فكيف يرضى لنفسه أن يعامل غيره بما لا يرضاه لنفسه؟ يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»... متفق عليه، ومثل هذا الفعل غش وخداع وتغرير، ولأن فتح هذا الباب يترتب عليه مفاسد كثيرة، حيث إن أكثر الناس لا يمنعهم الهوى من تعدي محارم الله، وعلى القول بالحرمة فلا فرق في الحكم بين المسلمة والنصرانية، فالغش حرام ومذموم في التعامل مع أي إنسان كان». تعليل إنساني عظيم، يتسق مع مبادئ الإسلام العظمى: «لا ضرر ولا ضرار»، «من غشنا فليس منا» لذلك فإن الزواج بنية الطلاق يكون أسوأ عندما يصبح استغلالا لفقر المرأة وأهلها، أو لظرف الحرب الدائرة في بلادهم والشتات الذي يعيشونه، أو حين يعلمون بأنه سيطلق وهو يعلم بأنهم يعلمون، فتنتفي العلة التي أجاز من أجلها بعض العلماء هذا الزواج وهو عدم معرفة المخطوبة بنية الخاطب المبيتة، وحينما لا يكون هذا الزواج اضطرارا كالمقيمين في بلاد غربة، ويخشون من الوقوع في الزنا، وإنما هو سافر من أجل الزواج المؤقت فقط، واتفق مع خطابات يعلمن بأنه جاء ليتزوج لفترة مؤقتة لأيام أو أكثر، لذلك قال بعض الفقهاء: الزواج بنية الطلاق الذي انتشر في الآونة الأخيرة لا يجوز، بل هو محرم، وتلاعب بالدين، وأقرب ما يكون إلى الزنا المبطن، وصورته أن يسافر الرجل طلبا للزواج لفترة محدودة كما يسافر من يطلب الزنا والعياذ بالله، ويحصل من هذا العمل منكرات عظيمة منها: أولا: أن كثيرا منهم - إن لم يكن كلهم - لا يعرفون شيئا عن المرأة التي يتزوجونها وهل هي عفيفة أم لا؟ متزوجة أم لا؟ معتدة أم لا؟ لذلك فلو سألت أحدا من هؤلاء عن هذه المرأة وهل يرضى ان تكون زوجة له حقيقة لأجابك بالنفي. ثانيا: إن كثيرا منهم إنما يعقد لهم من لا يوثق فيه، وأكثر الثقات ممن نعرفهم يذكرون أن العاقد هو في حقيقته ممن يعملون على أكثر من وجه [قبيح]. ثالثا: إن كثيرا منهم لا يدري عن هذه المرأة بعد الطلاق، وهل اعتدت أم لا؟ وهل تقضي عدتها في بيت الزوجية أم لا؟ وهل برئت من الأول أم لا؟ رابعا: إن المرأة منهن لو أنجبت ابنا له بعد طلاقه منها ما رضي بانتسابه إليه، وهذا تكرر بالمئات - للأسف الشديد - حتى أصبحوا كاليتامى، وهناك قضايا عالقة أحرجت الجهات المسؤولة، وأتعبت جمعية أواصر. خامسا: إن كثيرا منهم يرتكب عددا من الموبقات منها: إنه يتزوج في السفر أكثر من أربع، ثم يطلق إحداهن ويتزوج أخرى، وهذا ممنوع شرعا، لأنه لو كان زواجا صحيحا فإن المرأة ما دامت في العدة فإنها تكون في حكم الزوجة، فلا يجوز له - إذا تزوج أربعا ثم طلقهن - أن يتزوج حتى تخرج واحدة منهن على الأقل من العدة. سادسا: إن هذا الزواج كان سببا في وقوع بعضهم في الزنا، لاعتياده عليه. وقد اطلعت على الآثار السيئة التي يتركها هذا الزواج الآثم في نفوس أهل الرجل حين يعلمون بذلك، بل وفي نفس مرتكبه نفسه، حيث الندم والاكتئاب إذا تصور ما كان يرضاه لنفسه من عدم التحقق من طهارة المرأة وعفافها، أو تعمد غشها وغش أهلها.