تحت عنوان "إنسان تحت الضوء"، افتتح في المعرض الدائم في قرية المفتاحة، المعرض الشخصي الثالث للأميرة غادة بنت مساعد آل سعود، وضم المعرض 47 عملاً فنياً بأحجام مختلفة. في هذا المعرض تصوير لملامح وجوه عابرة وتاريخية وأيقونية، ورؤية معاصرة، تستحضر مأساة الإنسان اليومية في صراعه مع الأحداث، وتبحث عن الحقيقة التي أصبحت اليوم مجازات بصرية، ممارسة الخيال هو الطريقة الوحيدة لإدراكها. والفن بوصفه مرآة يرى فيها الفنان ذاته، ونافذة صغيرة يرى من خلالها الحياة، ضروري لاقتناص الحكمة التي تنتقل عبر خيط الروح الشفيف بين الوجود والذات. واللوحة اليوم لم تعد مجرد لوحة صامتة لمنظر طبيعي أو غيره، إنما أصبحت اللوحة تعبر عن لحظة وجودية يمارس الفنان فيها الانعتاق، وفكرة ذات مغزى إنساني عميق تداعب الحواس وتحرضها على التأمل، وحكاية إنسانية ذات دلالة على عمق التجربة لبيان حقيقة الأشياء كما يتخيلها الفنان. وفن البورتريه Portrait لا يهتم بالملامح الظاهرية فقط، بل برحلة غوص في أعماق المناطق المظلمة في الشخصية، ومحاولة استنطاقها لاستكناه حقيقتها وكشف أبعادها. وفي هذا المعرض فضاء اللوحة يمثل فضاء الحياة، ولحظات الإلهام تفتح أبواب الصدق المغلقة للبحث عن تجليات المعنى الرصين، واللوحة تسرد بحنان وألم تفاصيل عالم الشخصية الداخلي المتشظي، وتبوح للمتلقي بما تحمله من أسرار وحكايات. و تقنية المساقط الضوئية، تكشف مكنونات الداخل والمعاني المختبئة، خلف ملامح ذات مسحة تعبيرية غامضة، تبدو فيها قسمات الوجه تقاوم النسيان والعزلة والانكسار. والعيون واسعة ومتكدرة تنبئ عن قلق داخلي عميق، وملامح الوجوه تضاريس شكلية خارجية، ولكنها تشع من الداخل، وتفصح عن حالات جوانية كالحزن والألم والفرح، وتظهر على شكل ومضة وسط العتمة"إنسان تحت الضوء". وسردية النص البصري مثقلة بالرؤى، عن وحشة الموت والضعف البشري، والإيقاعات اللونية تجاري هذه الحال الشعورية، وذلك في تكثيف الانفعالات، ويظهر ذلك في التجاعيد، وهي تهيمن بحضورها الدلالي المتنوع، على لوحات المعرض من دون استثناء. وفي لوحة المهرج يسيل الشجن من مقلتيه دمعتين وابتسامة باهتة، تبرز عنفوان الذات الناقمة على السكون، التي يطحن جوانبها اليأس، المهرج يعيش حياته على خشبة المسرح، ولا يطيق الحياة خارجها، ويضحك وهو يتمزق من الداخل. والماضي يشكل بما يستدعيه من حكايات، بعض لوحات المعرض الهندي الأحمر ? الزنجي - القرصان، العين في هذه اللوحات تحفز سواكن المتلقي، وتسرد كوابيس تاريخية، عبرتها أن التوق إلى الحرية هو فعل الحياة الذي يقاوم الموت عبر العصور. وفى لوحات أخرى هناك إسقاطات معاصرة، مثل بورتريه أسير يرزح في الأغلال غوانتنامو وآخر يترنح وهو عاري الصدر ويختنق، لأن رأسه مغطى بقطعة من الملابس أبو غريب، ووجوه من هامش الحياة، مثل بورتريه الطفلة الصغيرة الخائفة من المجهول، والحلم المستحيل ينبض في عيونها الزرقاء، عازف الكمان يعزف سيمفونية الألم الخالدة، وامرأة تائهة ليس لها ملامح مثل مصيرها المحتوم، ورجل هامشي أسماله بالية وعيونه زائغة ينتظر ما لا يجيء. وطريقة الفنانة في تكوين العمل الفني تشريحية بحثاً عن الجوهر، يساعدها في ذلك موسيقى اللون الهادئة، التي تعمق الأثر النفسي واللون الأسود وهو المفردة اللونية الأثيرة، لون سرمدي جنائزي، لا يمحوه الزمن، ويتغلل في جسد اللوحة، ويتنازع مع الأبيض ممثلاً جدلية الثنائيات: الحياة والموت والخير والشر. واللوحات تخلو من الأفق أو الأرضية التي تقف عليها الشخصيات، مجرد وجوه تتنفس و تسرد حكايتها مع الزمن، أرواح تهيم في فراغ مطلق مثل فراشات الليل، وما تلبث أن تنطفئ. وفي لوحات المعرض لكل وجه حكاية، وكل حكاية تؤكد أن ليس هناك طريقة وحيدة للحياة. البورتريه مرآة الداخل، وطريقة استثنائية للبوح، وهذا ما أشار إليه كلود ليفي ستروس في كتابه"النظر الرسم القراءة""إن الحروف الأبجدية تستعمل لتشكيل كلامنا، وللإعراب عن أفكارنا، مثلما تستعمل ملامح الجسد البشري للتعبير عن شتى أهواء النفس، لإخراج ما هو مكنون في الروح، وإظهاره إلى الخارج".