لقد ربي وأدَّب مؤسس هذا الكيان الكبير المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - أولاده على حب الله، وحب الإسلام، وعلى السير على النهج الإسلامي الذي سار عليه، وسار أولاده من بعده على النهج ذاته، فأصبحت السعودية منارة للإسلام، ومنبر دعوة له، ومنهج تطبيقي لشرعه، وقد منَّ الله على آل سعود بحكم هذه البلاد التي بها مهد الإسلام ومهبط الوحي، إذ ولد وبُعث وتوفي فيها محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّفه بخدمة الحرمين الشريفين، وضيوف الرحمن، ومن هنا كان لقب خادم الحرمين الشريفين أحب لقب إلى الفهد رحمه الله الذي يعتبر قيامه بشرف أكبر توسعتيْن للحرميْن الشريفيْن هو منَّة من الله له، وببساطة الإسلام التي شُيِّع بها جثمان الفهد إلى مثواه الأخير طبقاً لتعاليم الشريعة في قبر يضم الفقراء والأغنياء، ملوك وأناس بسطاء معاً، وبالسلاسة التي انتقل فيها الحكم إلى خادم الحرميْن الشريفيْن الملك عبدالله التي أذهلت العالم أجمع، ودحَّضت كل المزاعم الباطلة حول وجود انقسام داخل البيت السعودي، والأسرة الحاكمة، جاءت كلمة خادم الحرميْن الشريفين الملك عبدالله لشعبه يوم البيعة الكيرى بالبساطة ذاتها والعمق والبلاغة، وعلى رغم صغرها وقلة كلماتها كانت كبيرة في معانيها، وجزلة في مراميها وأبعادها، وكان إلقاؤها لها بعمق وصدق يجعل سامعه يقشعر بدنه، وتدمع عينه فرحاً بأنَّ الله عوَّضه بحاكم مثل هذا الرجل المؤمن الصادق، والفارس المغوار الذي يحمل أخلاق الفرسان، ولنتأمل كلماته التي رسم بها سياسة المملكة الداخلية والخارجية في المرحلة القادمة لنتوقف عندها: بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله .. أيها الإخوة والأبناء والمواطنون والمواطنات... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... اقتضت إرادة الله عزَّ وجل أن يختار إلى جواره أخي العزيز، وصديق عمري خادم الحرميْن الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، تغمده الله برحمته، وأسكنه فسيح جناته، بعد حياة حافلة بالأعمال قضاها في طاعة الله عزَّ وجل في خدمة وطنه، وفي الدفاع عن قضايا الأمتيْن العربية والإسلامية، في هذه الساعة الحزينة نبتهل إلى الله عزَّ وجل أن يجزي الراحل الكبير خير الجزاء، عمَّا قدَّمه لدينه ووطنه وأمته، وأن يجعل كل ذلك في موازين حسناته، وأن يمن علينا، وعلى العرب والمسلمين بالصبر والأجر. أيها الإخوة... إنَّني إذ أتولى المسؤولية بعد الراحل العزيز، وأشعر أنَّ الحمل ثقيل، وأنَّ الأمانة عظيمة، أستمد العون من الله عزَّ وجل، وأسأل الله سبحانه أن يمنحني القوة على مواصلة السير في النهج الذي سنَّه مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز آل سعود طيَّب الله ثراه واتبعه من بعده أبناؤه الكرام رحمهم الله، وأعاهد الله، ثُمَّ أعاهدكم أن أتخذ القرآن دستوراً والإسلام منهجاً، وأن يكون شغلي الشاغل إحقاق الحق، وإرساء العدل، وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة، ثُم أتوجه إليكم طالباً منكم أن تشدوا من أزري، وأن تعينوني على حمل الأمانة، وألاَّ تبخلوا عليَّ بالنصح والدعاء. والله أسأل أن يحفظ لهذه البلاد أمنها وأمانها، ويحميها ويحمي أهلها من كل مكروه، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته الوقفة الأولى: في البداية استوقفتني كلمة والمواطنات وهو يخاطب أبناء شعبه، فهنا تخصيصه المواطنات بالخطاب فيه دلالات ذات أعماق بعيدة، منها: 1- أنَّ المرأة ستكون شريكة الرجل في المرحلة المقبلة، ولن تكون مهمَّشة ولا مغيبة. 2- أنَّها تشترك مع شقيقها الرجل في مد العون لمقامه السامي، وفي شد أزره، وإعانته على تحمل الأمانة، وفي تقديم النصح والدعاء له. الوقفة الثانية: عند قوله: اقتضت إرادة الله عزَّ وجل أن يختار إلى جواره أخي العزيز، وصديق عمري خادم الحرميْن الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود عبارات تفيض بالإيمان الصادق بقضاء الله وقدره، وتفيض أيضاً بالحب والوفاء للأخ وصديق العمر، وعند سماعنا لهذه الكلمات، وهو ينطق بها نجد العبرات المكبوته، والصوت الحزين الذي يبكي بصمت عميق خاصة عندما يقول: أخي العزيز وصديق عمري فمصابه جلل وكبير، إذ فقد الاثنين معاً في وقت واحد، وقد برهن الملك عبدالله على أنَّه كان حقاً ولي العهد الأمين، الذي لم يستغل مرض أخيه ليستأثر بالسلطة، وكُتب التاريخ روت لنا الكثير من هذه الأحداث، كيف الأخ يتآمر على أخيه، والابن على أبيه وينتزع السلطة منه، وكذا الفرسان لا يغدرون بإخوانهم وأصدقائهم، ولا يخونون العهد، فكان أميناً على العهد، وهذه هي أخلاق أولاد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود. ووفاءً للأخ العزيز وصديق العمر لم يغير الوزارة التي تشكَّلت في عهده، وأعلن أنَّ جميع الوزراء سيظلون في مواقعهم، ولهذا دلالته بأنَّ سياسة الإصلاح التي بُدئت في عهد الفهد سوف تستمر في الملك عبدالله. الوقفة الثالثة: عند قوله: أيها الإخوة... إنَّني إذ أتولى المسؤولية بعد الراحل العزيز، وأشعر أنَّ الحِمل ثقيل، وأنَّ الأمانة عظيمة، أستمد العون من الله عزَّ وجل، وأسأل الله سبحانه أن يمنحني القوة على مواصلة السير في النهج الذي سنَّه مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز آل سعود طيَّب الله ثراه واتبعه من بعده أبناؤه الكرام رحمهم الله شعوره بثقل المسؤولية وعظم الأمانة التي تحمَّلها، فليس الحكم رفاهية وسلطان وجاه، ولكنه أمانة ومسؤولية لا يشعر بعظمها وثقلها إلاَّ من هو مدرك لتبعاتها وواجباتها، وسؤال الخالق له عن أي تقصير فيها عند يقف بين يديه، فإنْ كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخشى الله من سؤاله عن دابة تعثرَّت في طريقها في البصرة، فما بالكم إن تعثرَّ إنسان ليس في طريق يسير فيه، بل يتعثر في حياته، لا يجد عملاً ليكسب منه قوت يومه، وقوت عياله، ولا يجد بيتاً يأويه، ولا ماءً صالحاً للشرب يشربه إن عطش، ولا يجد علاجاً إن مرض، ولا يجد عدلاً إن ظُلم، فهي بحق مسؤولية كبرى، إن كنت رب أسرة بسيطة من أربعة أو خمسة أفراد تحمل همها فبالك بتحمُّل مسؤولية 24 مليون نسمة يعيشون على أرضك، وبليون ونصف البليون من المسلمين أنت مسؤول عنهم بما تتخذه من قرارات ومواقف قد تسهم في عزهم ورفعتهم، أو قد تسهم في إذلالهم وإخضاعهم، خصوصاً وأنت تمثل دولة الإسلام ومهده وقبلته!! وطلبه العون من الخالق جل شأنه، وليس من المخلوق أياً كان على تحمل هذه المسؤولية يدل أنَّه لن يخضع بالتبعية لدولة ما، وإنَّما يخضع للخالق مدبر الكون، الذي بيده العون، والله سيكون معه إن شاء الله ما دام هو مع الله إنْ تنصروا اللهَ ينْصركم ويُثبِّت أقْدامكم الوقفة الرابعة: عند قوله: وأعاهد الله، ثُمَّ أعاهدكم أن اتخذ القرآن دستوراً والإسلام منهجاً، وأن يكون شغلي الشاغل إحقاق الحق، وإرساء العدل، وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة، ثُم أتوجه إليكم طالباً منكم أن تشدوا أزري، وأن تعينوني على حمل الأمانة، وألاَّ تبخلوا عليَّ بالنصح والدعاء. هذه الكلمات قوية في ألفاظها بليغة في معانيها، شامخة في أهدافها ومراميها تقشعر لها الأبدان، فهي تعلن للعالم أجمع بأنَّ هذه الدولة على رغم كل الهجمات الشرسة التي توجه إلى الإسلام، واتهامه بما ليس فيه بنسبة الإرهاب إليه، وعلى رغم كل الضغوط لتتخلى هذه الدولة عن القرآن دستوراً والإسلام منهجاً ها هو يعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله في أول كلمة له بعد بيعة شعبه له بثبات المؤمن، وشموخ الفارس عهده لخالقه، وهو عهد جد عظيم، وأقوى كل العهود، ثُمَّ عهده لشعبه بأنَّه سيتخذ القرآن دستوراً، والإسلام منهجاً، وهذا يعني أنَّه سيحكم بما أنزل الله، وسيتعامل مع شعبه وأمته بما أمر الله. ولذا نجده يؤكد أنَّ شغله الشاغل سيكون إحقاق الحق، وإرساء العدل. وقوله: خدمة المواطنين كافة بلا تفرقة له دلالاته التي منها إزالة الفوارق المناطقية والطائفية والقبلية والنوعية، فالإصلاح سيشمل الجميع رجالاً ونساءً على اختلاف مذاهبهم شاملاً جميع المناطق شمالها وجنوبها وشرقها ووسطها وغربها دونما تفرقة، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: الناس سواسية كأسنان المشط لا فرق بين عربي وأعجمي، ولا أبيض، ولا أحمر إلاَّ بالتقوى، وهذا سيُعزَّز الحوار الوطني، والوحدة الوطنية. وقوله مخاطباً شعبه: ثُم أتوجه إليكم طالباً منكم أن تشدوا من أزري، وأن تعينوني على حمل الأمانة، وألاَّ تبخلوا عليَّ بالنصح والدعاء. هذه الكلمات تذكرنا بخطبة الصديق أبو بكر رضي الله عنه بعد مبايعته بالخلافة، وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله قد ترسَّم خطى خليفة رسول الله أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وواجب الشعب السعودي أن يقف إلى جانب قيادته ومليكه ويسانده ليواجه المسؤوليات الجسام التي أمامه، والتحديات الجمة التي تواجه المملكة بصورة خاصة والأمتيْن العربية والإسلامية بصورة عامة، والعبور بها إلى بر الأمان. * كاتبة سعودية.