سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تذكر أبوعبد الرحمن رحيل ابنه الأكبر فحبس دموعه ... وأطلقها لأنه لم يقدم واجب الضيافة . أسرة فقيرة تسكن خيمتين وسط أكوام التراب ... والاحتطاب لا يسد الرمق
"والله لولا أطفالي ما حكيت لكم كلمة واحدة". بقلب منفطر وعيون حبست داخلها دموع العفة والعزة بدأ أبوعبد الرحمن وهو رب أسرة فقيرة سرد معاناته وعائلته المكونة من ثمانية أفراد مع الحاجة والعوز. وتقيم الأسرة المعدمة في قرية المياه 40 كيلو متراً شرق محافظة بقعاء، بعد أن أخرجت من سكنها التي مكثت فيه ستة أعوام مجاناً من صاحب السكن تقديراً لظروفها المعيشية الصعبة. لم يدر في ذهن صاحب الأسرة أن يأتي يوم ويخرج فيه من المنزل على رغم اعترافه بالجميل لصاحب المسكن الذي لم يأخذ منه أي مبلغ طوال الأعوام الستة، وفجأة وجدت الأسرة نفسها تقيم في خيمتين إحداهما مطبخ والأخرى للنوم، أما الأكل فالأهم أن يتوافر، وبعد ذلك لا ضير إن جعلت العائلة الأرض العراء التي تحيط بها الكلاب والمنازل المهجورة مكاناً لتناوله. "الحياة"وقفت على وضع الأسرة المؤلم بحضور رئيس مركز المياه تركي مناحي المجلاد الذي قدم مثالاً للوفاء في مساعدة العائلة، ورافق"الحياة"إلى الموقع، وهناك استقبلنا رب الأسرة ببشاشة كبيرة على رغم ظروف الفقر الذي حل به وأسرته، ولسان حاله يقول الحمد لله، وبدأ يروي لنا معاناته مع الفقر منذ سنين. يقول راعي الأسرة إنه يعتمد في إعالة زوجته وأبنائه - وهم أربعة أولاد وبنتان - على الاحتطاب في فصل الشتاء، ومن ثم بيعه، مؤكداً أن ما يجنيه جراء ذلك لا يكاد يسد رمق أسرته لشهرين. ويعيد السبب في هذا الوضع إلى عدم وجود دخل ثابت،"لا أملك أي شيء، ما عندي وظيفة، حتى السيارة التي أحتطب عليها هي من شخص دين في ذمتي لم أسدد منه ريالاً واحداً". للحظة بدا أبوعبدالرحمن وكأنه يتذكر شيئاً، ومع ذلك واصل بصوت خافت"كان ابني عبدالرحمن يساعدني في الاحتطاب حتى توفاه الله قبل عام، أنا وحدي المسؤول أمام الصغار وأمهم"، مضيفاً أن الجمعية الخيرية لم تلتفت إلى ظروفهم المعيشية، حتى انها لم تنفذ توصية أحد القضاة الذي أمر بصرف مساعدة للعائلة. ويلفت أبوعبد الرحمن إلى أن أبناءه يذهبون إلى المدارس من دون فسحة إطلاقاً"حتى القهوة والشاهي ما هي في البيت، وأيام كثيرة ننام من غير عشاء، بالله كيف نوفر فسحة العيال؟"، مبيناً أن منزلاً يستر أسرته من برد الشتاء وحرارة الشمس هو أمنيته في هذه الحياة. من جهته أكد رئيس مركز المياه تركي المجلاد أن هذه العائلة تعيش فقراً لا يمكن وصفه، مشيراً إلى أنهم خاطبوا الجمعيات الخيرية، ولكن من دون جدوى. وطالب تركي المجلاد أهل الخير وأصحاب الأيادي البيضاء بالوقوف على حال هذه الأسرة،"لأن من رأى ليس كمن سمع"، ومساعدتها في توفير سكن يسترها. طوال سرده معاناته، كان أبوعبد الرحمن يقاوم التفاعل مع براكين تنفجر في داخله، وكثيراً ما كان يصمت برهة عندما يشعر بغصة في حلقه، ولكن هيهات فقد بكى عائل الأسرة ونحن نودعه،"والله ما أبكي من الفقر، أنا مؤمن والحمد لله، ولكني أبكي لأنني لم أجد ما أكرمكم به، حتى القهوة ما هي عندي".