خلال سنوات قليلة تمكن عبدالخالق الغانم من وضع اسمه ضمن أهم مخرجي التلفزيون السعوديين، إذ قدم إلى الدراما السعودية برؤية إخراجية جديدة، لم يتعودها مشاهد التلفزيون من قبل، واستطاع بلورة بصمته الفنية، بجدارة ضاهى بها الكثيرين. درس الغانم السينما والمسرح والتلفزيون، في أكاديمية الفنون الجميلة في جامعة بغداد، وتخرج منها عام 1984، حيث درس أساسيات الفن والإخراج، ويقول:"استفدت من دراستي كثيراً، وتعلمت الفن على يد أساتذة متخصصين، ومارست حياتي الفنية هناك، حيث صنعت نفسي وتعلمت الكثير، من أجل أن أكون مخرجاً له بصمة ورؤية خاصة، وقد جاهدت كثيراً لكي أصل إلى ما أنا عليه الآن". ولد عبدالخالق في العراق لأب سعودي، من مدينة القطيف في المنطقة الشرقية، وأم عراقية، ولكنه عاد مع والده إلى السعودية عام 1990، خلال أزمة الخليج، بعد أن أقنعه والده بالعودة، ليسهم في الارتقاء بمسيرة الحركة الفنية في بلاده، من خلال ما تعلمه في العراق. انطلاقة وإنجازات كانت الانطلاقة مع إخراج مسلسل"طاش ما طاش"، التي تكللت بالنجاح على يديه، وبات المشاهد الخليجي والسعودي يترقبها عاماً بعد آخر. كما أخرج أعمالاً عدة كانت أيضاً مميزة على المستوى المحلي والخليجي، منها سهرة تلفزيونية عنوانها"رحلة صيد"وأعمال أخرى مثل"وانطفأت الشموع"و"الانتظار"و"الطيور"، الذي حاز جائزة الإبداع الذهبية من مهرجان القاهرة عام 2000، و"شوية ملح"و"أوراق متساقطة"و"بيتنا الكبير"وحلقات لمؤسسة البرامج الخليجية المشتركة و"لا للمخدرات"و"ديرتنا"و"سلامتك"ومسلسل"بركون"في الإمارات. وأنشأ مؤسسة النجوم التي بها أكمل مشواره الفني. ويقوم الآن بإخراج مسلسل"مجاديف الأمل"، الذي بدأ تصويره أخيراً في الأحساء. وهو من تأليف عبدالعزيز السماعيل، ومن بطولة كل من الفنانين عبدالمحسن النمر، وسمير الناصر، وجعفر الغريب، وإبراهيم السويلم، وإبراهيم الحساوي، وإبراهيم جبر، إضافة إلى ممثلات من البحرين والكويت. يتكون المسلسل من جزأين، مرحلة قديمة وأخرى حديثة، تتحدث عن تاريخ الأحساء. وتبدأ القصة مع البطل، وهو طفل في الثامنة من عمره اسمه"سعود"، ثم تنتقل المرحلة إلى التسعينات وتتوالى الأحداث. وفي حين يتولى إخراج الجزء الأول الغانم، يخرج الجزء الثاني حسن حسني، ويتكون المسلسل من 30 حلقة. الدراما رسالة ويرى الغانم أن وظيفة الدراما، توصيل رسالة إلى المجتمع:"هذا ما تقوم به الأعمال المحلية والخليجية في شكل عام، من نقد القضايا الاجتماعية، إلا أنها ليست بالضرورة حلاً، بل هي صوت المجتمع". ويضيف:"يقول ليّ مشاهدون قمتم بطرح الموضوع ولم توجدوا لنا حلا لذلك". وأنا بدوري أرد عليهم:"بأن وظيفتنا طرح القضية والتطرق لها لا حلها، فالحل بيد المسؤولين، فعندما نتعرض إلى مشكلة ونبين أخطاءها فإننا نوجه رسالة إلى المسؤولين، بأن ذلك الأمر خطأ ويجب الالتفات إليه، وبالتالي نحن نسهم في البحث عن الحلول، فطرح المشكلة بحد ذاته حل". الرقابة هي السبب كما لا يخفي رغبته في طرح مواضيع مختلفة، تناقش المشكلات الاجتماعية، إلا أنه يعزو ضعف نصوص الدراما السعودية، إلى الرقابة الرسمية والقيود الاجتماعية، إذ يؤكد أن"القيود الاجتماعية لها أثر في الموضوع الذي نطرحه، فنحن لا نستطيع التطرق إلى عدد من القضايا والأمور، فنظل ندور في الحلقة نفسها، لأن الكاتب محصور وكلما وصل إلى نقطة معينة تراجع، وهذا له تأثير بالتأكيد". لكنه يستدرك فيقول إن الرقابة الآن انفتحت أكثر على القضايا المحلية:"هناك قضايا لم نتمكن من التطرق إليها سابقاً". ويعلل انجذاب المجتمع إلى الدراما العربية، لأنه لا يجدها في الدراما المحلية في قضايا معينة، إلا أنه متفائل من هذه الناحية"فالانفتاح الذي نترقبه ويأتي في شكل تدريجي وسليم من جانب الرقابة، حتماً سيؤثر في طبيعة الدراما، وفي طبيعة الموضوع الدرامي". سينما سعودية ويتطلع الغانم إلى تقديم عمل فني مميز من نواح مختلفة"تعلمت ودرست من أجل هذا الهدف، ونحن في حاجة إلى كوادر كثيرة من مدرسي تمثيل، وموسيقى ورسم". كما يؤكد حاجة السعودية إلى معهد عال للفنون:"تنقصنا معاهد وجامعات فنية، لذا فمسيرتنا بطيئة وخبراتنا قليلة محلياً، وليس هناك سعي حثيث في هذا المجال". وتتفاءل أيضاً بنشوء حركة سينمائية في السعودية، إذ يرى أن الزمن يتقدم يوماً بعد يوم:"الحياة بها الكثير من المتغيرات، ولا تظل على حال واحد، والسنوات المقبلة تحمل لنا كثيراً من التطورات، فلدينا المسرح المحلي". ويتساءل:"هل المسرح مسموح والسينما غير مسموح بها؟"ويضيف:"العروض المسرحية المحلية مقننة ومراقبة، وهذه الأمور تشجعنا مخرجين وفنانين على أن نعمل في المجال السينمائي، لو توافرت لدينا دور للعرض، وأشعر بالحماسة إلى مثل هذا الأمر". كما يبدي حماسة لإنجاز عدد من الأعمال، ميزته على مستوى الدراما في الخليج. ويأمل سد ثغرات النقص في جهات مختلفة"لدينا الكثير من الكُتاب، ولكن ينقصنا كُتاب سيناريو، ومن يحوَّل القصص والروايات إلى دراما". ويرى ان المعضلة تكمن هنا. كما يشير إلى نقص في الكادر المحترف:"لدينا ممثلون وتجارب جيدة في طاش وسواه، ولكن أيضا ينقصنا المحترفون". ويتمنى أن يعثر على نص"يشعرني بالروعة وسيناريو معد"، وهو يرى ان كاتب السيناريو:"كمن يصمم هندسة، لذا يجب أن يحافظ على ذلك البناء في شكل صحيح، وهذا مهم جدا، فبعض السيناريوهات لو أحدثت بعض التغييرات فيه، فسيتغير الموضوع بكامله". ويشعر الغانم بأسى من حشر بعض النقاد غير المختصين، في أمور النقد غير الهادف"هذا من شأنه إحباط الفنان نفسه وليس دفعه إلى الأمام". ويرى أن النقد البناء هو ما يحتاج إليه الفنان في مسيرته كي يبدع"بين النقد والدراما علاقة وثيقة جداً، وأعتقد أن من غير الممكن الاستغناء عن كليهما كما أنها العلاقة يجب أن تكون فنية، وأعني بها أن تحمل شيئاً من الرقي من دون تجريح، إذ لا بد أن يكون النقد بنَّاء، فنحن نفتقد إلى مثل هذا النوع، فبعض المقالات التي تظهر تنتقد بعض الأعمال الدرامية، التي قد تكون على مستوى جيد". ويضيف:"هي آراء شخصية تفتقد إلى المنطقية وإلى البناء الفني والدرامي، الذي هو بحد ذاته دراسة واختصاص ولنقاد مثقفين ومعنيين بالأمر، وبالتالي لهم أن ينتقدوا، فنحن نريد نقداً يدفعنا إلى الأمام لا أن يؤذينا". ويرفض هذا النوع من النقد:"نحن نسعى إلى الأفضل دائماً، ونريد أن نتطور، ونصحح أخطاءنا مستقبلا، وهذا هو المطلوب". طاش سيستمر ويتوقع الغانم ان هناك مستقبلاً جيداً لبعض الممثلين الجدد، ويشيد بمجموعة من الأسماء الشابة، الذين أثبتوا أنفسهم من خلال طاش:"هناك كثيرون من أصحاب الموهبة، فالممثل يفرض نفسه، والكل يتطلع إلى مشاركاته، فهناك فهد الحيان، وحبيب الحبيب، وشافي الحارثي، وأحمد العليان، وراضي المهنا، وواصل الحماد، ونواف الشمري، وغيرهم من المواهب". كما يرى ان هناك مجموعة من الشباب"وجدنا أن لديهم موهبة، حتى المشاهدين تعرفوا على ممثلين جدد وشخصيات لا يعرفونها من قبل وتقبلوهم، إذ إن شخصيات من جميع أنحاء السعودية دخلوا طاش هذا العام". وعن رأيه في ناصرالقصبي وعبدالله السدحان، عصبي طاش قال:"عبدالله وناصر مكملان لبعضهم البعض، وشهادتي فيهما مجروحة". وأكد أن"طاش ما طاش"سيستمر في تقديم الأفضل:"طالما أننا نسعى إلى ذلك متكاتفين، فنحن نتطلع إلى"طاش"مختلف كل عام، وسنحاول الأخذ به إلى مستوى أفضل". وعن مشاركة فنانين سعوديين في أدوار صغيرة وهامشية، في أعمال عربية يقول:"أنا مع انتشار الممثل وبحثه عن الشهرة، ولكن ضد أن ينتشر بهذه الطريقة، فحتى لو دخل من خلال دور بسيط يجب أن يفعّل الدور في شكل جيد". ويرى أن بعض الممثلين أدركوا هذه المسألة الآن، وحددوا مبدأ التنازلات:"أرى ان يحصل الممثل على دور صغير له فاعلية، لا أن يسجل ورقة مرور وينتهي". ولكنه يسجل موقفاً النظام الذي يرفع قيمة إنتاج الأعمال الدرامية التي تشرك عناصر سعودية".