حتى الوقت الراهن، لم يتفق أهالي الطائف ومؤرخوها على سبب تسمية "غدير البنات"، بيد أن المسمى يوحي بأن حدثاً مهماً وقع على ذلك الغدير وأبطاله"بنات". هذا الاعتقاد بالتسمية لا يجزم به الكاتب والمؤرخ حماد السالمي، ويرجّح بأن قصة تبدو في عنوانها"غرق بنات"تداولت كثيراً على ألسنة الأهالي منذ سنين فالتصقت بالغدير. يقول السالمي، مستنداً في رواية بعض كبار السن من أهالي الطائف: في الستينيات الميلادية كان الأهالي يستمعون إلى أغاني أم كلثوم كل يوم خميس عند الغدير، دلالة على أن الموقع يحمل لهم ذكريات حالمة في أذهانهم منذ زمن. ويضيف"غدير البنات من أجمل المواقع التي اعتاد أن يقصدها الناس فراداً أو جماعات، ولكن الظروف الطبيعية حالت من دون أن يبقى كما كان". زيارة واحدة إلى"غدير البنات"الذي لا يبعد سوى بضعة كيلومترات على امتداد شارع شهار إلى الجنوب من المحافظة تكفي للوقوف على أطلال"بشر وشجر"، بعد أن غمرت مياه السد المكان واخفت جميع ملامح الغدير وذكرياته. لكن الجديد في"غدير البنات"، أن"قردة الطائف"استوطنت المكان، لا رائحة للبشر سوى بعض المرتجلين"أمثالي"وصديقي الذي يقود السيارة وقد أعيته"الوصلة الترابية"المؤدية إلى سد"وادي ليه"الذي أقيم مع مطلع الثمانينيات الميلادية للاستفادة منه زراعياً، ولكنه"يقف عائقاً من دون الوصول إلى موقع الغدير والوقوف عليه. أفواج من"قردة البابون"تحتل مدخل الطريق المؤدي إلى الغدير، وكلما نظرت إلى الجبل ربما يتشابه عليك"القرد"و"الحجر", كأنهم بتلك الأعداد الهائلة يلمحون بأن"القرود"استبدلت ب"البنات"تتوقف بعض السيارات لمشاكسة القردة وتقديم بعض الطعام لها ثم ترحل. شهرة الموقع القديمة ما زالت تتربع في ذاكرة أبناء الحجاز، وهذه الشهرة دعتهم للتساؤل عن موقعه من الخارطة السياحية في الطائف. ويتفق الكاتب الصحافي محمد الحاقان مع من يطالب بإعادة تأهيل الموقع سياحياً واستثماره عبر أحدى الشركات المتخصصة. ويقول ساخراً عندما سألته عن ذكرياته مع الغدير:"لست من أحفاد السلطان عبدالحميد". ولكنه يؤكد أن الغدير من أجمل مواقع الطائف القديمة. ويعتقد بإمكان"إدراجه على خريطة سياحة الطائف". من القصص التي يرويها حماد السالمي، أن السفير الفرنسي كان بصحبة المحافظ في رحلة جوية استطلاعية على الطائف، فاستوقف الأول منظر جميل يتمثل في بقعة من الماء تحيط بها الأشجار من كل صوب، وأتضح أن هذا المكان هو"غدير البنات". ولكن السالمي يستبعد أمكان إعادة تأهيل الموقع"في حال أقيم مشروع سياحي، لن يكون هنالك غدير". أما الأمين العام للجنة التنشيط السياحي في محافظة الطائف الدكتور محمد قاري السيد، فيؤكد أن اللجنة تعكف على درس المواقع السياحية الشهيرة كافة ومسحها، لعرضها على الهيئة العليا للسياحة وعمل آلية معينة لاستثمارها سياحياً. ويقول"تركز اللجنة على المواقع المجاورة للسدود والمناطق الشجرية، ويأتي غدير البنات بشهرته العريقة في مقدم هذه المواقع التي ستخضع للاستثمار السياحي وفق دراسات معمقة تسمح بالاستفادة من الموقع وإعادة تأهيله بطرق حديثة ومبتكرة. ويبقى"غدير البنات"شاهداً على تاريخ الطائف القديم مع جمال الطبيعة وحسن المقام، وتغنى به عدد من الشعراء بقصائدهم، حيث قال الشاعر مطلق بن عبدالله مخاطباً الغدير: أيا غديراً له في النفس منزلة... مازال في القلب ذكرى منك يبقيها فهل ترى ياغدير الأنس تذكرني ...إذ جئتم اليوم قد شابت نواصيها أني أزورك عل الطلح يذكرني ... وحسب نفسي إخلاص لواديها