في الآونة الاخيرة، برزت فئة تريد أن تسرق منا الأمل وتبيعنا اليأس، وهي توحي لنا بلحن القول حيناً وصريحه حيناً ألا بارقة أمل في مجتمعاتنا، بل هي اليأس مجسداً والتخلف ماثلاً للعيان. فلا أمل في التعليم ولا أمل في الاقتصاد ولا أمل في الإصلاح ولا أمل في المجتمع وبنيته الاجتماعية. بل إن المسجد لم يسلم من أولئك مبلغي اليأس وسارقي الأمل، وقالوا لنا:"إن دخلتم المساجد فادخلوها بتوجس وحذر فهي من يصنع الإرهاب ويقصي الآخر. إن من يراقب كثيراً مما يكتب عنا، عن ثقافتنا ومجتمعاتنا وديننا وتاريخنا واقتصادنا ومناهجنا التعليمية يدرك أن المطلوب منا هو أن نتخلى عن ذلك كله ونتوحد مع خصمنا فنستورد منه الثقافة والقيم والنظم ونقلده في أمره كله، وإن لم نفعل فما أمامنا إلا اليأس والهزيمة. والذي صنع لنا اليأس وسوق بيننا خيبة الأمل ليس هو خصمنا فقط بل بعض المثقفين منا ممن قلبوا ظهر المجن لأمتهم. إن الأمل طاقة محركة للإنتاج والعمل والابتكار بينما اليأس بخلاف ذلك. والإنسان يأمل فيعمل وينتج ويبني، وإذا استولى عليه اليأس توقف عن العمل، وربما بدأ في الهدم، هدم نفسه وهدم مجتمعه. والأمل شعور مركب من الرغبة في شيء، مصحوب بتوقع في الحصول عليه. واليأس هو بضد ذلك، فهو شعور مركب من الرغبة في شيء، مع شعور مصاحب بعدم الحصول عليه وبعدم جدوى العمل في تحصيله. وكما أن الفرد عرضة للأمل واليأس، يشرق في نفسه الأمل فيعمل وربما استولي عليه اليأس فتوقف، كذلك المجتمع - إنه يأمل وييأس. وإذا أشرق في جنباته الأمل أنتج الحضارة وكانت حركته حركة بناء وكان من طبيعته التماسك والاستقرار، أما إذا استولى عليه اليأس فإنه يتوقف عن الإنتاج ويتحطم كيانه وتتمزق وحدته. إن الأمل بالنسبة إلى الفرد والمجتمع هو صنو الحياة، وكل فرد فقد الأمل فقد خسر حياته، وكل من كان عنده أمل - حتى وإن كان ضعيفاً - فحري به أن ينتصر في معركة الحياة. وإذا فقد الأمل فقد طعم الحياة وفقد السعي في تحصيلها، لأنها مرة مظلمة. وأسوأ المجتمعات تلك التي تشيع اليأس في نفوس أفرادها، وأتعس الأفراد من استولى عليه اليأس فأصبح كلاً لا يأتي بخير أينما توجه. وعلماء النفس يقولون إن كل حالة انتحار تسبقها لحظة يأس قاتلة، وكل حالة فوز وانتصار تسبقها إشراقة أمل. وحالات الاكتئاب الحادة مثلاً يصاحبها حالات يأس مظلمة، ذلك أن المكتئب يرى أن حياته خرجت عن سيطرته فما هو إلا رهين حظ تعيس وما يقدم إلا على سيئ فلا جدوى من جهده، ومن ثم يصبح مشلول الحركة مسلوب الإرادة. والفرد إذا فقد الأمل ربما أصبح عدوانياً فوجه عدوانه نحو مجتمعه وربما وجهه نحو نفسه فأضر بها. والسبيل لاستعادة الفعالية الذاتية عند الفرد هو بإشراق الأمل في النفس، حيث يرى الشخص أن لعمله جدوى، وأن غده خير من يومه، وأن ما حوله ليس معادياً له بل يستجيب لبادرة الخير ويكافئ على الجهد. والأخطر من يأس الفرد هو أن يكون اليأس ظاهرة عامة في المجتمع، ففي هذه الحال تصبح النظم الاجتماعية والقيم والمعايير غير ذات جدوى عاجزة عن تحقيق وظيفتها في الإنتاج وضبط السلوك الاجتماعي. ومن أعظم ما يهدم المجتمعات أن تفقد الأمل المشترك بين أفرادها ويكون الأمل إن وجد حالة فردية خاصة. وفي هذه الحالة يتحطم ما كان مشتركاً بين أفراد المجتمع، سواء كان في الآمال أو في الرغبات والأهداف، وإذا انهدمت المعاني التي في النفوس والأذهان انهدم ما يسندها من الواقع. إن الفرد تربطه بأبناء مجتمعه منظومة من القيم والمعايير. فإذا تحطمت هذه المنظومة تحطم المجتمع في نفسه لأن الفرد يرى أن مجتمعه بلا مستقبل، أو أن مستقبل مجتمعه لا يعنيه. وإذا انفصل الفرد عن مجتمعه بشعوره وحاجته وأهدافه فإنه يتجه إلى نفسه يبحث عن رغباتها ومشاريعها الخاصة من غير اعتبار للمجتمع وقيمه ومعاييره، فإذا كان مشروعه الخاص لا سبيل إلى تحقيقه استولى عليه اليأس والإحباط وربما انتقل من البناء إلى العنف إما نحو نفسه أو نحو مجتمعه. ولست هنا أقرر أن كل عنف في المجتمع سببه الإحباط واليأس، فبعض العنف سببه الأمل في النصر والأمل في تحقيق الأماني والمشاريع الخاصة. ولكن العنف الذي سببه خلل في التفكير هو أسوأ أنواع العنف، ذلك أن العنف الذي يدفعه الأمل يحافظ فيه صاحبه على مكتسباته أما العنف الذي دافعه ناتج عن الخلل الفكري فليس له غاية إلا التدمير لأنه ينطلق من فلسفة"علي وعلى أعدائي". ومعنى وجود الأمل عند شخص ما هو إيمانه بالطرق الشرعية الموصلة إلى هدفه وإيمانه بقدرته ومسعاه في الوصول إلى ذلك الهدف. وإيمانه بالطرق الشرعية يعني إيمانه بالمجتمع وقيمه ومعاييره. واليأس ينشأ عند الفرد حينما يتوهم أن الطرق الشرعية التي يفترض فيها أن توصل إلى الهدف لا توصل إليه ولا تحقق للفرد ما يسعى إليه. وإذا سقطت القيم نما داخل الفرد وحش كاسر لا يعبأ بقيمة ولا يحفظ لذي حق حقه. وفي هذا الإطار نشهد كيف انحدرت القيم الاسلامية لدى عدد من الجماعات في العالم الاسلامي التي تزعم الاصلاح وهي تمارس الافساد صريحاً. واذا كانت المبررات التي تتدثر بها تلك الفئات في بلدان من العالم واهية، فانها اليوم باتت في السعودية اوهى من بيت العنكبوت، وقد امعنت في اهلاك الحرث والنسل، فأي أمل يرتجي هؤلاء؟ وقد مدّوا أيديهم محاولين خرق سفينة المجتمع وأمن البلاد واستقرارها؟ ويوضح هذا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رواه كعب بن مالك رضي الله عنه وخرجه الترمذي في سننه وغيره قال صلى الله عليه وسلم:"ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه". * أكاديمي وكاتب سعودي