إن أمور العقيدة وأصولها مما لا يجوز أن يتطرق إليها الجهل أو التشكيك، هذا أمر حتمي لا يقبل المساومة، ومن ذلك أصل الولاء والبراء، فهو قاعدة الدين الإسلامي الذي ندين لله به، فالولاء لله وللمؤمنين عقيدة لا يصح الإيمان إلا بها كما تكاثرت بها الدلائل في القرآن الكريم من نحو قوله تعالى في سورة المائدة يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين. كما أن بغض الكفر وعداوته وعداوة أهله، جاءت بها شريعتنا في نصوص في القرآن والسنة وأحوال النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته وحال أصحابه، يعد ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منه تقاة. وفي قوله سبحانه في سورة المجادلة في آخرها لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه. وفي سورة الممتحنة يقول عز وجل قد كانت لكن أسوة حسنة في إبراهيم والذين آمنوا معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده. إلى أمثال هذه الآيات وكثير من الأحاديث المتواترة قولية وفعلية وتقريرية لعقيدة الولاء والبراء ولا تخفى من طالع الموضوع في كتب العقيدة ومدونات السنة. ولكني ألاحظ خلطاً وغفلة في فهم هذه العقيدة الولاء والبراء ثم يستطيل ذلك في تطبيقها والعمل بها. ولا سيما فيما قرأته من تعقيبات على فضيلة الشيخ صالح الفوزان ومن ذلك ربط البراءة من الكفر والكافرين بالإرهاب والغلو والتطرف. أيضاً تصور أن هذه العقيدة معناها الاعتداء على الكفار في أنفسهم أو أعراضهم أو أموالهم وهذا خطأ فادح وجهل ذريع بعقيدة الولاء والبراء، فبغض الكفر والكافرين، وهو ليس بغض وعداوة لشحمه ولحمه بل لما قام به من الكفر والشرك، ولهذا بمجرد ما يقول الكافر لا إله إلا الله محمد رسول الله تنقلب عداوة كفره إلى حب له ومودة لعقيدته ودينه. أما الاعتداء عليه في دمه وعرضه وماله وأهله فهو ظلم أجمعت الشرائع على تحريمه ومن الخطأ في فهم وتطبيق عقيدة الولاء والبراء ? ما لاحظته على بعض المناقشات ? عدم التفريق بين بغض الكافر لأجل كفره، وموضوع التعامل معه بيعاً وشراءً ومجاورة ونكاحاً ووفاء بالعهد والعقود والصدق في التعامل... إلخ. فالبغض لأجل الدين عقيدة، والصدق والوفاء بالمعاملة معهم أيضاً دين وواجب، ومن ذلك أيضاً ما جنح له البعض في موضوع الحب وعلاقته بالولاء والبراء، فمن المعلوم قطعاً في باب العقيدة الفرق بين: الحب الطبيعي وله صور كثيرة: كحب الشهوة للطعام والشراب، وحب الألفة في حب الزوجية والصديقين بعضهما بعضاً، وحب الشفقة كحب الوالد لابنه، وحب الإجلال كحب الوالد والكبير. ومن هذا حب الرجل لزوجته الكتابية، إذا تزوجها بشرطين: 1- أن تكون كتابية منتسبة إلى إحدى الملتين الكتابيتين: اليهودية والنصرانية. 2- وأن تكون محصنة أي عفيفة، غير فاجرة. فإذا أحب الرجل زوجته الكافرة بهذا الاعتبار فحبه لذاتها هو حب طبيعي لكن الواجب عليه بغض كفرها الذي تدين به وتعتقده. وهناك حب العبادة، وفيه حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وحب دينه وهذا كله يحتم علينا العناية بتعلم ودراسة موضوع الولاء والبراء دراسة إيضاح وبيان وإزالة للبس، وكشف للشبهة والخلط وهو ما يجب أن يكون في مناهجنا الدراسية لا يحذف منها. والله تعالى ولي التوفيق، وهو سبحانه أعلم. د. علي عبدالعزيز السهل أستاذ العقيدة في جامعة الإمام في الرياض