صنفت هيئة المساحة الجيولوجية السعودية جزءاً من منازل حي اليحيى في مدينة المبرز في محافظة الأحساء ك"مبانٍ خطرة"، فيما اعتبرت أخرى"متوسطة الخطورة"، والصنف الثالث أقل خطورة. ويأتي التصنيف بعدما أنهى فريق من الهيئة دراسة أسباب الانهيارات الأرضية التي وقعت في الحي قبل أكثر من عام. ولم تكشف الهيئة في نتائج الدراسة التي أطلعت عليها"الحياة"عن عدد المنازل في كل صنف، واكتفت بالقول:"يتطلب لتأكيد مدى خطورة المباني فحصها كل على حدة، بواسطة مختصين. بيد أن الدراسة اعتبرت مبنى مدرسة أبي بكر الرازي من المباني الآمنة، لأنه"لم تظهر أي تشققات كبيرة وواضحة على جدران المبنى". وكانت إدارة التربية والتعليم في الأحساء أخلت من قبل نحو 700 طالب من المدرسة ونقلتهم إلى مبنى مدرسة آخر. وأعد فريق عمل الهيئة دراسة تفصيلية لمعرفة أسباب الانهيارات، التي أثرت على عدد من المنازل، وشملت الدراسة إعداد خريطة جيولوجية سطحية. وجمع المعلومات السطحية الأخرى. وكذلك"التحت سطحية"عن طريق الخرائط الجيولوجية المنشورة وتقارير الدراسات الهندسية في مواقع المنشآت، إضافة إلى حفر بعض المجسات وإجراء بعض التجارب الحقلية، والحصول على عينات التربة والصخور لتحليلها في معامل الهيئة. كما شملت الدراسة أيضاً تثبيت محطات لقياس التشوه في المباني المتأثرة، وكذلك إجراء مسوحات جيوفيزيائية ومراقبة النشاطات الزلزالية. وأعد فريق عمل الهيئة توصيات عدة لمعالجة مشكلة الانهيارات"بشكل نهائي"، أبرزها التحكم في سحب المياه للمحافظة على مستوى منسوب المياه الجوفية في المنطقة. وان يكون السحب تحت إشراف فرع وزارة المياه في الأحساء. وكذلك إنشاء لجنة مكونة من محافظة الأحساء وفرع وزارة المياه وشرطة الأحساء، لتقصي حقيقة حفر بعض أهالي المنطقة آباراً سرية داخل منازلهم. وطالبت الدراسة بتكليف مكتب هندسي متخصص الكشف عن المباني المتأثرة بالتشققات، وترميم المباني القديمة والمتأثرة، بعد تثبيت مستوى منسوب المياه الجوفية. وأكدت على عمل فحص شامل للتربية في المباني المراد إنشاؤها، عبر حفر"جسات"عميقة تصل إلى 30 متراً تحت سطح الأرض، للتأكد من عدم وجود أي تكهفات"تحت سطحية"وتحديد مدى وجود التربة الانتفاخية الانكماشية في مجال تذبذب منسوب المياه الجوفية. ونصحت عند تصميم الأساسات للمباني الجديدة عمل أساسات من نوع"متعدد الطبقات"وفي حال انهيار توفر الطبقة الأخرى الإسناد للمبنى، أو قواعد تكون متصلة مع بعضها بعضاً، من أجل منع حدوث أي هبوط تفاضلي قد يحصل للمباني، على ألا تزيد الحمولة على هذه الأساسات على 50 كيلو باسكال". تشققات في الجدران وارء إخلاءمدرسة بدأت قضية الانهيارات الأرضية في حي"اليحيى"في مدينة المبرز في محافظة الأحساء قبل نحو عام، حين قررت إدارة التربية والتعليم للبنين في الأحساء إخلاء مدرسة أبو بكر الرازي الابتدائية في الحي، ونقل طلابها ال700 إلى مدرسة عبدالله بن عباس للدراسة في الفترة المسائية. ولم يكشف مدير التربية والتعليم الدكتور عبدالرحمن المديرس حينها عن السبب الحقيق وراء الإخلاء، مكتفياً بالقول:"إن مدرسة أبي بكر الرازي تحتاج إلى إصلاح وصيانة، وهذه الإصلاحات تتعارض مع وجود الطلاب داخل المدرسة، وحفاظاً على سلامتهم تم إخلاؤهم". ومع تواصل سماع سكان الحي البالغ عددهم نحو 7500 نسمة أصوات اهتزازات قوية، سادت مخاوف كبيرة بين الأهالي من انهيارات قد تطاول بيوتهم، وبخاصة بعد ظهور تشققات في أرضياتها وجدرانها. وعلى رغم عمليات الترميم التي قاموا بها إلا ان التشققات عادت للظهور مرة أخرى. ولم تقتصر الاهتزازات على البيوت القديمة، بل طاولت الجديدة، وخصوصاً خلال الليل، ما دفع إدارة الدفاع المدني في الأحساء إلى إنذار سكان عشرة منازل في الحي بسرعة إخلائها. كما وقع أصحاب المنازل على إخلاء مسؤولية الدفاع المدني"في حال التقاعس عن الانتقال منها، وحدوث أمر خطر لهم". يذكر ان الحي يعد من الأحياء الحديثة في مدينة المبرز، ويحوي نحو 1500 وحدة سكنية، وهو من الأحياء المفضلة للسكن، ويشهد إقبالاً كبيراً، حيث يصل سعر الأرض التي تبلغ مساحتها 700 متر مربع نحو 400 ألف ريال، على رغم افتقاده إلى عدد من الخدمات، حيث تكثر في شوارعه الفسيحة الحفريات وتنعدم فيها الإضاءة، كما لا توجد أشجار على امتداد الشوارع، ولا تتوافر في الحي حدائق، كما يفتقد إلى شبكة الصرف الصحي، كما تعد خدمات الصيانة للمساجد متدنية، فضلاً عن عدم توافر المدارس بشكل كاف. ويعتبر شارع"اللؤلؤة"أنشط شوارع الحي، حيث تنشط فيه الحركة التجارية. كما يضم الحي مستشفى الأمير سعود بن جلوي ومستوصف الزهراء الأهلي. خبير ز راعي : اغلقوا الآبار فهي المسؤولة يتهم الأستاذ المشارك في كلية الزراعة في جامعة الملك فيصل الدكتور محمد الغامدي، آبار المياه السطحية والجوفية بأنها"السبب وراء الانهيارات الأرضية التي شهدتها مناطق عدة في المنطقة الشرقية، وبخاصة الأحساء". وطالب الغامدي ب"إغلاق كل الآبار، سواء النظامية التي حفرت بعد حصول أصحابها على تصاريح، وغير النظامية، وتلك التي حفرت سراً من دون تصاريح ومن دون تطبيق شروط الجودة الفنية وإتقان التنفيذ وفق المواصفات التي تخضع لها عمليات حفر الآبار". ويعتقد أن معظم الآبار النظامية والمصرح بها"غير منفذة بطريقة دقيقة وفقاً للشروط الفنية"، مطالباً بتشكيل لجان فنية"لتحديد الآبار المخالفة للتعليمات الفنية، ثم ردمها بطرق فنية وبالخرسانة المسلحة، لتلافي المضار الناتجة عن هذه التجاوزات، ومنها الانهيارات الأرضية". وأبدى عتبه على شركة أرامكو السعودية،"التي تستطيع وضع مواصفات صارمة، كما تستطيع الحكم على جودة الآبار وتحديد الآبار التي يجب التخلص منها بالردم المحكم". وطالب بأن"يكون لكل بئر سجل رسمي، يوضح كل المعلومات عنها، إضافة إلى اخذ عينات من تربة البئر، وعلى أعماق محددة، طبقاً لمواصفات البئر". ويتم حفر الآبار بواسطة أنابيب تصل إلى أعماق بعيدة داخل الأرض، قد تزيد على الألفي متر، وعند الوصول إلى منطقة تخزين الماء يندفع داخل أنبوب الحفر إلى مستويات قريبة جداً من سطح الأرض بفعل الضغط. وقد يكون اندفاعه قوياً، بحيث يندفع فوق وجه الأرض إلى مسافات قد تتجاوز أمتاراً عدة عن سطح الأرض. ويعتقد الغامدي بأن المنطقة الشرقية كانت قبل نحو 600 مليون سنة"بحراً ضحلاً". وخلال هذه السنين وبفعل عوامل جيولوجية تم تجمع الكثير من الترسبات بعضها فوق بعض، إلى أن أصبحت على وضعها الحالي. ويقول:"لم تتم الترسبات دفعة واحدة، ولكن سادت عصور ثم استبدلت بعصور أخرى وصولاً إلى العصر الحالي". ويتجاوز عمق الترسبات الصخرية خمسة كيلومترات في بعض المواقع. وقد تم حصر بعض مياه البحر في هذه الترسبات، فاحتفظ كل عصر جيولوجي بجزء من مياه البحر فيه. وأصبحت الترسبات عبارة عن أرض فوق أخرى، كما يرى الغامدي. ومن خلال الخصائص المختلفة لكل أرض عن الأرض السابقة والأرض اللاحقة يمكن الوصول إلى تحديد دقيق لعمق البئر، بمجرد أخذ عينة من التربة وعلى أي عمق. ويشرح تحول ماء البحر المالح إلى حلو بالقول:"المياه المالحة التي انحصرت بين طبقات الأرض الرسوبية ظلت موجودة حتى قبل حوالي أقل من 50 ألف سنة، ونحن نعرف أن مصدر جميع المياه العذبة في العالم هو المطر، حيث تعرضت المنطقة إلى فترات مطيرة وبشكل مكثف. ما جعل مياه هذه الأمطار تتسرب إلى داخل الأرض، ثم تزيح مياه البحر إلى البحر وتحل محلها". بيد أنه يقول:"بعض مياه البحر لم تزح بشكل كامل في بعض المواقع، ما يجعل مياه الآبار العميقة تتملح بعد الاستخدام بفترة، نتيجة لسحب المياه العذبة من فوقها". ويرى أن الخطورة تكمن في حال انخفاض الضغط في طبقات الأرض السفلى بعد شفط مياه طبقات الأراضي العليا، ما يؤدي إلى حدوث الانهيارات. ولكنه يقول:"إن ذلك يعتمد على نوع الصخور والكهوف والأخاديد، وهي أماكن وجود المياه الجوفية". ويؤكد أن هناك كهوفاً كبيرة تحت سطح الأرض، كانت مليئة بالمياه، وبسبب السحب الجائر أصبحت الكهوف جوفاء خالية من الماء. وبعض الكهوف يمكن الوصول إليها حالياً عن طريق الآبار. كما يمكن للإنسان أن يمشي في بعضها وهو منتصب القامة لأمتار عدة". ويحذر"وقد تنهار هذه الكهوف في أي لحظة، وقد تسهم الآبار التي تحفر بشكل ارتجالي بعيداً عن المواصفات المطلوبة في زيادة هذه الانهيارات من خلال طرق عدة وأشكال مختلفة". وأكد أنه لا يمكن تحديد مكان الانهيارات. ولكن ذلك لم يمنعه من قرع نواقيس الخطر."تشكل الانهيارات خطراً على الكثير من المرافق المهمة في حال حدوثها. فقد تؤثر على شبكات المياه وتحطمها، وكذلك"الكيابل"الأرضية. كما يمكن أن يكون لها تأثير سلبي أيضا على الطرق والجسور والأنفاق. وقد تتنوع أيضا هذه الانهيارات في حجمها، وقد يمتد بعضها إلى عدد من الكيلومترات. وقد يكون انهياراً موضعياً بسيطاً".