شهدت الاحساء خلال السنوات الاخيرة الماضية عدة انهيارات ارضية نتجت عن تغيرات جيولوجية في طبقات القشرة الأرضية, وذلك في وقت تزايدت فيه اعداد الآبار للحصول على المياه الجوفية لمواجهة مشكلات المياه, التي تزايدت مؤخرا نتيجة لتزايد اعداد السكان في المدن والقرى وافضل من يتحدث عن الآبار ومشكلات الانهيارات الارضية وكذلك مشكلات المياه وسبل النهوض بمشاريعها التنموية هم المتخصصون من الأكاديميين والباحثين, والدكتور محمد حامد الغامدي الاستاذ المشارك بكلية الزراعة (جامعة الملك فيصل) احد المهتمين بهذا الجانب.. التقيناه في هذا الحوار: @ ناديت في احد اللقاءات مع جريدة (اليوم) الى ردم الآبار غير النظامية بالأسمنت المسلح وغلقها تماما فهل لهذا علاقة بالانهيارات الأرضية؟ * الحقيقة ان هذه المعلومة نقلت عني بطريقة غير كاملة وغير دقيقة, وفي واقع الامر كانت دعوتي تتمثل في غلق جميع الآبار, سواء النظامية والتي حفرت بتصاريح, او الابار غير النظامية التي حفرت سرا وبدون تصاريح. واكرر الدعوة بشكل واضح وصريح, الى غلق جميع الآبار الارتوازية او الانبوبية, بالخرسانة المسلحة, في جميع انحاء المنطقة الشرقية, والتي تم حفرها بدون تطبيق شروط الجودة الفنية, ودون اتقان التنفيذ, وفق المواصفات, التي تخضع لها عمليات حفر الآبار. @ وهل يعني ان هناك مواصفات وشروطا لحفر الآبار؟ * نعم هناك شروط فنية دقيقة يجب التقيد بها اثناء حفر الابار. العملية ليست (سلق بيض) كما يقولون. واعتقد ان جميع الآبار غير النظامية لم تخضع لهذه المواصفات اثناء الحفر, واعتقد ايضا ان معظم الآبار النظامية والمصرح بها ايضا غير منفذة بطريقة دقيقة وفقا للشروط الفنية, يعني كان هناك تجاوزات والله اعلم. ولكي لا يكون هناك خلط في الأمر, فانه لابد من تكوين لجان فنية لتحديد الآبار المخالفة للتعليمات الفنية والتي اخلت بالشروط الفنية. ثم يتم ردمها بطرق فنية وبالخرسانة المسلحة لتلافي المضار الناتجة عن هذه التجاوزات ومنها كما ارى الانهيارات الأرضية. @ من الذي يضع هذه الشروط والمعايير عند حفر الآبار؟ * كل ما استطيع قوله في هذا الجانب هو ان لدينا شركة (ارامكو السعودية) التي تستطيع وضع مثل هذه المواصفات الصارمة, في حالة غيابها, وتستطيع الحكم, على جودة هذه الآبار, وتحديد الآبار, التي يجب التخلص منها بالردم المحكم, وهي الجهة التي اعطيها هذا الحق لو كنت مسؤولا عن امر هذه الآبار. @ هل تذكر لنا بعض هذه الشروط؟ * يجب ان يكون لكل بئر سجل رسمي, يوضح كل شيء عن البئر, وايضا عينات من تربة البئر, وعلى اعماق محددة, طبقا لمواصفات البئر, ويجب حفرها تحت اشراف, ومتابعة فنية, من الجهة المانحة للتصريح, وكل هذا غير موجود ان لم يكن لكل الآبار فلبعضها وربما الأكثرية. الموضوع كبير, ومهم وخطير ايضا, وهناك شروط كثيرة, يجب تحقيقها مع حفر كل بئر. أنواع الآبار @ نسمع عن انواع الآبار المختلفة, فهل يمكن اعطاء القارىء فكرة عن هذه الآبار؟ * ببساطة.. هناك نوعان من الآبار, آبار انبوبية, وابار محفورة يدويا, والبعض يسميها عين والآبار الانبوبية نوعان ايضا فبعضها يسمى ارتوازيا وبعضها يسمى بئرا عادية, لا يختلف عن البئر المحفورة يدويا الا في كونها انبوبا وليس حفرة واسعة. ومن هنا يتضح.. ان البئر الارتوازية هي التي تختلف عن بقية الآبار المعروفة لدينا. وقد اخذت تسميتها من اسم اول بئر تم حفرها في العالم, وكانت في موقع بفرنسا يسمى (ارتواز). حيث يتم الحفر بواسطة انابيب الى اعماق كبيرة في داخل الأرض, قد تزيد على الألفي متر وعند الوصول الى منطقة تخزين الماء نجد ان هذا الماء, يندفع داخل انبوب الحفر, الى مستويات قريبة جدا من سطح الأرض, بفعل الضغط, وقد يكون اندفاعه قويا, بحيث يندفع فوق وجه الأرض, الى مسافات, قد تتجاوز عدة امتار عن سطح الأرض. @ من خلال هذه المعلومات اين تكمن خطورة هذه الآبار حتى تنادي بغلقها نهائيا؟ * سؤال جيد.. وقبل الاجابة.. من المهم توضيح طبيعة الأرض في المنطقة الشرقية, فالمنطقة الشرقية كانت قبل اكثر من 600 مليون سنة, عبارة عن بحر ضحل, وخلال هذه السنين وبفعل قدرة الله سبحانه وتعالى, وعوامل جيولوجية سخرها سبحانه, تم تجمع الكثير من الترسبات.. بعضها فوق بعض.. الى ان وصلت الى وضعها الحالي الذي نراه. وطبعا لم تتم الترسبات هذه دفعة واحدة, ولكن سادت عصور, ثم غيرها الله.. بعصور اخرى.. حتى كان عصرنا هذا الذي نعيشه. ومن المفيد القول.. ان عمق هذه الترسبات الصخرية, يزيد على 5 كيلومترات, في بعض المواقع. ومن المهم.. معرفة ان بعض مياه البحر.. تم حصرها في هذه الترسبات, فنتج ان ارض كل عصر جيولوجي احتفظ بجزء من مياه البحر فيه. وهكذا اصبحت هذه الترسبات عبارة عن ارض فوق اخرى. ونجد ان لكل ارض خصائصها المختلفة عن الأرض السابقة والأرض اللاحقة في كل شيء. وهذا يعطي تحديدا دقيقا لعمق البئر بمجرد أخذ عينة من التربة وعلى اي عمق. تحول مياه البحر @ ولكن كيف تحول ماء البحر هذا وهو مالح الى ماء حلو يمكن الاستفادة منه؟ * هذه المياه المالحة التي انحصرت بين طبقات الأرض الرسوبية, ظلت متواجدة حتى قبل حوالي اقل من 50 الف سنة, ونحن نعرف ان مصدر جميع المياه العذبة في العالم هو المطر, حيث تعرضت المنطقة, الى فترات مطيرة وبشكل مكثف.. الأمر الذي جعل مياه هذه الأمطار تتسرب الى داخل الارض.. ثم تزيح مياه البحر هذه الى البحر وتحل محلها. ولذلك نجد ان بعض مياه البحر هذه لم تزح بشكل كامل في بعض المواقع, الامر الذي يجعل مياه الآبار العميقة تتملح بعد الاستخدام بفترة.. وذلك نتيجة لسحب المياه الحلوة من فوقها. @ نرجع الى موضوع السؤال السابق عن خطورة هذه الآبار؟ كما يتضح من طبيعة تركيب الارض الجيولوجي وكونها عبارة عن طبقات كل طبقة ارضية محتفظة بمخزون مائي مختلف عن الآخر فانه اثناء الحفر يتم اختراق هذه الطبقات فعلى سبيل المثال لو تم اختراق الطبقة الاولى الى الثانية فانه لابد من التأكد من انه لا يوجد اي اتصال بين الطبقتين بسبب الحفر. ويجب ان يكون موضع الاتصال بين الطبقتين محكم الغلق وخاليا من اي فراغ والا نتج عن ذلك مضار كبيرة منها ان مياه الطبقات العليا قد يغور في الطبقات السفلى عن طريق مكان الحفر وهكذا بين كل الطبقات هذا بجانب ما يمكن نقله من ملوثات بين الطبقات من خلال مكان الحفر. وهنا تكمن الخطورة فيمكن ان يتم شفط مياه طبقات الاراضي العليا في حال انخفاض الضغط في طبقات الارض السفلى ولكثير من العوامل الاخرى المتعلقة بنوع الصخور والكهوف والاخاديد.. التي هي اماكن تواجد المياه الجوفية.. يمكن ان تحدث الانهيارات وبشكل يعتمد على تلك العوامل. خطر الانهيارات الارضية @ هذا يعني انه لا يمكن تحديد مكان الانهيارات؟ هذا صحيح.. ولكن هذه الانهيارات الارضية تشكل خطرا على الكثير من المرافق المهمة في حال حدوثها لا سمح الله. فقد تؤثر على شبكات المياه وتحطمها وكذلك الكيابل الارضية ويمكن ان يكون لها تأثير سلبي ايضا على الطرق والكباري وقد تتنوع ايضا هذه الانهيارات في حجمها وقد يمتد بعضها الى العديد من الكيلومترات لا سمح الله. وقد يكون انهيارا موضعيا بسيط. ولاشك ان هناك كهوفا كبيرة تحت سطح الارض كانت مليئة بالمياه ونظرا للسحب الجائر اصبحت هذه الكهوف جوفاء خالية من الماء وبعض هذه الكهوف يمكن الوصول اليها حاليا عن طريق الابار ويمكن للانسان ان يمشي في بعضها وهو منتصب لعدة امتار وقد تنهار هذه الكهوف في اي لحظة وقد تساهم الابار التي تحفر بشكل ارتجالي بعيدا عن المواصفات المطلوبة في زيادة هذه الانهيارات بعدة طرق واشكال مختلفة. @ من خلال الشرح السابق هل يمكن لي ان اسأل كم عدد اراضي المنطقة الشرقية التي تغطي بعضها البعض كما تقول؟ جميل هذا السؤال، وقد حاولت ان ابسط الامور بشكل يفهمه الجميع وارجو ان يكون الشرح غير مخل فهناك اسماء واصطلاحات علمية حاولت تجنبها معطيا المادة التعليمية الارشادية الثقافية التي يمكن ان تساهم في زيادة معلومات وبشكل مبسط ومفهوم. وللاجابة على السؤال اقول هناك ثلاث حقب مرت على المملكة العربية السعودية وهذه الحقب هي حقب الحياة القديمة وحقب الحياة المتوسطة وحقب الحياة الحديثة. @ هل لنا بمزيد من المعلومات حول هذا الامر؟ نعم وباختصار شديد نجد ان حقب الحياة القديمة تخللها 6 عصور جيولوجية.. وكل عصر له خصائصه وتربته الصخرية الخاصة به وقد استمر هذا الحقب اكثر من 375 مليون سنة ويوجد في صخور هذا الحقب ثلاثة احواض مائية وهي حوض تبوك وحوض الوجيد وحوض الساق وهذه الاحواض يعول عليها في مناطق غير المنطقة الشرقية. اما حقب الحياة الوسطى فقد تخللها 3 عصور جيولوجية مختلفة واستمر هذا الحقب اكثر من 225 مليون سنة وايضا يوجد به ثلاثة احواض مائية كبيرة هي حوض الوسيع وحوض البياض وحوض المنجور وهي تجود بشكل افضل في مناطق خارج المنطقة الشرقية. ثم كانت حقب الحياة الحديثة التي نعيشها اليوم وقد مر على هذه الحقب 6 عصور زمنية مختلفة. آخرها العصر الحديث جدا وهو الذي نعيش عليه الان.. وقد مر عليه حوالي 2 مليون سنة ومازال مستمرا بعون الله. وفي هذه الحقب ايضا توجد ثلاثة احواض مهمة وهي حوض ام الرضمة وحوض الدمام وحوض النيوجين وجميع هذه الاحواض توجد في المنطقة الشرقية. @ كم تبعد اعماق هذه الاحواض عن سطح الارض؟ لكي يتم الاستفادة من مياه حوض النيوجين فانه لابد من الحفر لاعماق تزيد على 100 متر وتختلف من موقع لاخر ويتم الحفر لعمق حوالي 250 مترا للاستفادة من مياه حوض الدمام ويختلف العمق ايضا من موقع الى اخر ولكي تتم الاستفادة من حوض ام الرضمة فلابد من الحفر لعمق 450 مترا تحت سطح الارض ويختلف العمق من موقع الى اخر. وفي الاحساء نجد ان حوالي 75 بالمائة من مياه عيون الاحساء كان مصدرها حوض النيوجين لذلك تم منع الحفر على هذه الطبقة لحماية مياه العيون من النضوب ولكن ذلك الهدف لم يتحقق ولن يتحقق في ظل المؤشرات الحالية. السدود في المناطق الجنوبية @ يتساءل الناس هل لبناء السدود في المناطق الجنوبية من المملكة تأثير على نضوب المياه في المنطقة الشرقية؟ بهذا السؤال اثرت حزني على ما يجري من قسوة في التعامل مع البيئة انني اعتبر بناء السدود في المناطق الجنوبية جريمة بيئية نمارسها بحسن نية. وقد كتبت عن هذه السدود وقلت انها تقليد عديم الفائدة ولكن المعنيين بالامر ردوا على مقالي بمشروع طويل الاجل لبناء اكثر من عشرة الاف سد في هذه المناطق خلال الاعوام القادمة. وقد وضحت ان هناك بدائل فاعلة ومؤثرة لتغذية المخزون الجوفي من المياه ويمكن الاستفادة من هذه المهارات البيئية التي مارسها انسان هذه المناطق ولكن لا حياة لمن تنادي. وعودة الى صلب السؤال.. وعن تأثير هذه السدود على تغذية المياه الجوفية في المنطقة الشرقية اقول انه من المعروف ان قاع الجزيرة العربية عبارة عن صخرة تمتد من الغرب الى الشرق وترتفع في الجهة الغربية مشكلة سلسلة جبال السراة وتعرف بالدرع العربي وهذا الارتفاع شكل منحدرا نحو الشرق تكون فوقه البحر الضحل الذي كان سائدا قبل اكثر من 600 مليون سنة ثم اصبح مع مر السنين ارضا رسوبية يزيد عمقها على 5 كيلومترات وفيها كل الثروات المائية والبترولية. ولاشك ان هذه الانحدارات الشرقية لسلسلة جبال السراة.. تأثير كبير على تغذية المياه الجوفية للمناطق الداخلية من المملكة. ولكن ذلك يعتمد على كميات الامطار المتساقطة على تلك المناطق وحبس مياه هذه الامطار خلف السدود الخرسانية يعيق تلك التغذية وخير مثال على ذلك سد وادي نجران وسد وادي بيشة وهما عائقان كبيران يحولان دون تغذية المناطق الداخلية التي تقع خلف هذين السدين. وللاستفادة يمكن الرجوع لمقالي في مجلة اليمامة العدد رقم 1396 عام 1416ه تحت عنوان (السدود في المناطق الجافة.. تقليد عديم الفائدة). @ بصفتك احد اعضاء هيئة التدريس في جامعة الملك فيصل ومهتم بالمياه ويوجد بالجامعة مركز للدراسات المائية فهل يمكن ان توضح دور هذا المركز وانجازاته في الحفاظ على المياه في المنطقة الشرقية بصفة عامة والاحساء بصفة خاصة؟ ارجو ان تعفيني من الاجابة على هذا السؤال. @ اذا كنت لا تود الاجابة على السؤال.. فعلى الاقل هل يمكن لنا معرفة دورك في هذا المركز خلال هذه السنين؟ ليس لي اي دور البتة.. واسمع عنه مثلما تسمعون انتم عنه وهذا كل ما استطيع قوله، وارجو ان تتوقف عن مثل هذه الاسئلة الخاصة بي وبجامعتي. @ على راحتك.. ولكن هناك سؤالا اخيرا.. ما مستقبل المياه في الاحساء بعد كل هذه المعلومات المكثفة؟ المستقبل بيد الله سبحانه وتعالى ولكن بصفتي باحث فان الكثير من الاستنتاجات تبنى على الملاحظات وعلى المعطيات والمؤشرات المعروضة وعليه فانه يمكن القول انه في ظل المعطيات الحالية وفي استمرارها سيكون هناك المزيد من النضوب في مستويات المياه الجوفية فكما ارى فان الجميع يسعى لتنمية الموارد المائية لمزيد من الاستهلاك ولا يتم حتى الان السعي الى التوفير والترشيد في استخدام الموارد المائية المتاحة وهذه التصرفات تمثل مدى ما نعيشه من سوء حيث اهدافنا متناقضة ومصالحنا متضاربة. @ هل هناك كلمة اخيرة تود قولها في نهاية اللقاء؟ هناك كلمات او رسائل ارغب في قولها بشكل سريع وعاجل وهي: اولا اود التذكير بالمثل الذي يقول: (زامر الحي لا يطرب). ثانيا شعار (مشي السلحفاة) فيه خسارة مائية كبيرة. ثالثا اود ان اطلب من الجميع ان يتعاملوا مع هذه المياه بحكمة. رابعا اود ان اذكر معالي وزير المياه برسالتي التي وجهتها له بعد تخرجي مباشرة وفيها طلبت منه ان يشارك بقلمه في الكتابة عن المياه. وكان ذلك قبل ان يصبح وزيرا للمياه بعشر سنوات. وكلمتي له بعد ان اصبح وزيرا للمياه هي ان المياه ليست مصنعا نبنيه ولكنها كيان نحافظ عليه. رابعا شكرا لكم... وشكرا لجريدة (اليوم) على اهتمامها. الغامدي يتحدث للمحرر