عندما يتعلق الأمر بالأم لا نملك على رغم تسابق الكلمات إلا الإسهاب في حال الصمت أحياناً أو الاقتضاب، وهذا ما يعيشه الشاعر رفقي عسّاف من الأردن. الذي يوجه كلماته مباشرة إلى أمه"إلى هذه المرأة العظيمة، أمي التي علمتني الحياة. وكيف لمثلي أن يكبر ويعيش. كي أنسى ضآلة جسدي، وأحاول أن أصبح أكبر روحاً. وحين توفي والدي وأنا في العشرين لم أجد أقوى منكِ أتعلم منه كيف أواجه الألم، ألف شكر لا تفي. كبرت بكِ أماه. وإلى اليوم لم أقدم لك شيئاً من بعض ما لك، أقبل جبينك الطاهر، ولكِ الأيام كلها، دومي بخير". وككثير من الأبناء الذين مارسوا شقاوة العمر الأول يوجه السعودي أحمد اللهيب حروفه النابعة من اعتراف واعتذار"أي الكلمات تحترق في أفواهنا يمكن أن تفي بحرف من تلك الأنات الصادرة حين بزغ صوتي إلى هذه الحياة، أي حرف يمكن أن يكون نوراً من دماء الفجر الأبيض حين يعانق ضوء الشمس فيحمل أرجوحة الحياة الجديدة أمي، هل أجد صفحة بيضاء تكفي لأن أحمل كل بقايا حبك الذي تناثر يوماً بعد يوم لي". ويضيف:"أمي، الآن عرفت قيمتها، حين تكبر، وتكون وحيداً، حين تشعر أن الكون أمامك لا حضن آخر يمكن الحب الجميل، كلمات فقط يمكن أن نجتاز بها خريطة العمر، لكن الفعل يثقل على جنبات الروح التي لا تمنح الحبيب الحقيقي ما يستحق، لكن تهب غيره كلّ شيء". وبعد تجربة الأمومة التي عاشتها السورية دلع المفتي تتساءل عن مدى القلق الذي تسببت به لأمها، وهل ما يقوم به أطفالها الآن هو رد لسوابق مارستها هي ضد أمها"إلى القمر أمي. هل آذيتك كما يؤذيني أطفالي الآن؟ هل أبكيتك كما يبكوني؟ إن كنت كذلك، فقد أرحتني. إذاً، هم لا يكرهونني كما يدعون. هم يحبونني كما أحبك. ويقدروني كما أقدرك. دمت لي سندي يا قمري". وبكل خضوع المذنبين يتقدم اللبناني حسين طالب باعتذارات كثيرة على أخطاء اقترفها في حق أمه. ويتمنى أن تصفح عنه، على رغم كل المسافات التي باعدت بينهما"أمي اغفري لي تطاولي عليك في لحظات مراهقة لم أكن أعي تصرفاتي الطائشة، وها أنا بعد المسافات والزمن الذي تطاول علي هو الآخر أقول لك سامحيني ودعواتك لي، فأنا بدونها لا أعيش يومي يا جنتي". وفي سنوات البعد والاغتراب التي عاشها بعيداً من أهله وتبعات الحرب التي يعيشها العراق والعراقيون ينادي محمد الخفاجي كل أمهات العراق بالصبر والأمل"بودي لو أبكي على صدرك طويلاً مثلما كنت أفعل سابقاً. وتأخذين حقي من أقراني وأحتمي بك في غياب أبي. ولا أنسى أبداً ما حييت اصطحابك لي إلى المدرسة، وتذمري الدائم فقد أتعبتك كثيراً". وعلى رغم أن الشاعر السوداني نصار الحاج يعتبر يوم الأم"إشارة رمزية"، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يدلق عبرها أشواقه وحبه الكبير"أشياء لا تُحصى في قواميس الكون كنت جاهدة دائماً إلى تخلقيها وتفعليها من أجلنا، وتغمرينَ دروب حياتنا بها، لذلك صدِّقيني لن تكفي أكواب الخريف كلها لتردَ لكِ بعضاً من مطر الحنان الذي سكبتهِ بداخلي". ولكن وضع الكويتية نورا محمد مغاير في توجيه رسالتها إلى أمها، إذ لا تخلو رسالتها من عتب وبكاء"أمي تركتني وأنا طفلة كنت في أمس الحاجة إلى حنانك وقربك، ولكنك رحلت إلى العالم الآخر، فهل هو ذنبك يا أمي أم هو قدري، سألتقيك يوماً فسامحيني، يرحمك الله". ولدى حُب ماجد المذحجي اليمن ألق مختلف لا يخفيه على رغم المسافات الفاصلة والألم إذ يقول:"أمي هل كنت تعرفين أنني حين أوقعتني على هذه الأرض أنني سأكون شقياً هكذا. هل كنت تعرفين أنني خبأت عنكِ الكثير من الحكايا، لا أدري أعلم فقط الآن أنني حملت اسمك معي بصمت، أنني كنت انتبه له كلما غافلتك في إحدى نزواتي، حين تشردت في الأرض وحيداً وبرياً ومفتوحاً على الملائكة والشياطين". ويواصل"أمي ما زال ضوؤك في قلبي وورودك لم تنمح، مازلت أنا كما أنا أرهقك بنفس القدر الذي احبك فيه، أمي لم أسألك سابقاً: هل كانت ولادتي مؤلمة؟" وبعد أن كبر أطفالها تعترف السعودية ناهد الأقزم بدور أمها الكبير في حياتها، سواء في الفترة السابقة أو الحالية التي كان لأمها الدور الأكبر في مساعدتها في تربية أطفالها والاهتمام بهم في غيابها عن المنزل لفترات مختلفة وتقول:"أمي ممتنة لكل ما قمت به من أجلي، كلمات شكري لا تفي حقك، ولكن كل عام وأنت أمي". وتشترك الأخوات السعوديات منى وإيمان وريم الخضيمي في ترجمة حبهن العظيم إلى تلك الأم التي يعجزن عن وصف شعورهن تجاهها والسعادة التي تحيطهن بوجودها، ويقلن:"كل عام نشعر بأهمية وجودك بيننا، فأنت النور الذي يسكن بيتنا إلى الأبد، دمت لنا حباً وحناناً يا أمي". هل تفي هذه الرسائل المباشرة حق الأم وهل هو يوم نفرغ فيه جعبتنا من المشاعر وننسى، أم سنقول كل أيامكن حب وغفران ورحمة يا أمهات الكون كله، ولا ننسى أن نخصص الأمهات الثكالى اللواتي يسكن أرض فلسطينوالعراق وبقاع الأرض كافة بنثر زهور القرنفل والياسمين في دروبهن لتبقى جنة إلى الأبد.