كان جالساً على الأرض وحوله بعض الأسلاك الكهربائية، ومفكات ولمبات وأفياش. اقتربت منه وسألته "هل أنت موهوب؟" رفع رأسه، ونظر إليّ متعجباً، ثم قال: "شلون يعني موهوب؟!". جلست بقربه، ووضعت يدي على كتفه "الموهبة يا صديقي هبة من الله سبحانه وتعالى وهبها لجميع البشر، فكل طفل يولد موهوباً، ولكن"... أعلم يا صديقتي بعض الوالدين يهدمون بل يضربون أبناءهم فتهرب الموهبة من باب المنزل... عرفت الآن معنى الموهبة، وكنت أعتبر نفسي عبقرياً فقط، والآن أصبحت موهوباً وذكياً، لا هذا شيء كبير عليّ، أعرفكم بنفسي... اسمي راشد عبد الله، أدرس في الصف الخامس الابتدائي، منذ كان عمري خمس سنوات تقريباً كنت أعبث بمعدات أبي الميكانيكية التي في مخزن المنزل، ومن بعيد لبعيد أتابع ما يقوم به أبي فهو شاطر في تصليح ما يعطل" يعني موهوب صح!". يتابع فيقول: "أقوم بتصليح الأسلاك الكهربائية وتغيير الأفياش وتركيب اللمبات، وأعرف كيف أتعامل مع السلك الأحمر والأزرق، وقبل أن أقوم بمهمتي في العمل أغلق "طبلون المنزل" بإشراف من شقيقاتي اللاتي أنقذهن حينما تعطل لديهن أي شيء. يساعدني أبي بعض الشيء، وأحيانا يصرخ في وجهي إذا كانت المهمة صعبة علي "معليش" فهو يخاف عليّ، لذلك أتوقع عندما أكبر أن أكون مهندساً كهربائياً أو ميكانيكياً بارعاً، فلو رأيتِ كيف أفك جهاز الكومبيوتر قطعة قطعة، ثم أقوم بإعادة تركيبه من جديد...". ولكن للأسف موهبته لا تتعدى "عتبة باب بيته"، إذ لا يفكر في إخبار مدرسته، لأنهم لن يقدموا له أي شيء، ويعلل "كي لا يضحك أصدقائي عندما يعلمون بموهبتي في الكهرباء". مزق لوحاتها ومن الموهوب راشد إلى مشاعل العنزي التي تقول: "ليس لديّ موهبة ولا أعرف شيئاً عنها"، ثم توقفت عن الكلام، وسألت شقيقتها فقالت لنا: "كانت مشاعل تحب الرسم كثيراً، وكل يوم ترسم رسمة أجمل من الأولى، وذات ليلة كانت ترسم كعادتها في مجلس الرجال، والوقت متأخر، وهي منهمكة في الرسم دخل عليها والدي، وهو في غير وعيه، فطلب منها الخروج فرفضت، وأخذ رسوماتها ومزقها رسمة رسمة، ومشاعل تبكي وتشد يده، وللأسف انهال عليها بالضرب، ثم دخلت المستشفى بضعة أيام لدرجة أنها كرهت رؤية أبي، المهم حالتها الآن مستقرة". اقتربت منها وقلت لها: "مشاعل هل ترسمين لي؟" نظرت إليّ بعينين مليئتين بالدموع وقالت بهدوء: "يجي بابا يضربني". بابا بليز... يعني ممكن؟ لا تزال الصغيرة مشاعل العنزي متأثرة بموقف والدها، ولكن والد منتهى الصميت الطالبة في الصف الخامس الابتدائي يساعدها في إحضار ما ترغب فيه من أقلام، وأوراق، ودفاتر خاصة بالكتابة... اتصلت على منتهى. ألوه، السلام عليكم، مرحباً منتهى، كيف حالك؟ - الحمد لله في أتم الصحة والعافية، أشكركم جداً... تابعت جريدتكم، وأخذتها معي للمدرسة، وستشارك صديقاتي في صفحتكم. على الرحب والسعة يا صديقتي منتهى... هل أنت موهوبة؟ - نعم أنا موهوبة أقولها بملء في، وللعالم أجمع. كيف اكتشفت موهبتك؟ - أفكر كل يوم "فيأتيني" شيء اسمه كما قالت أمي "الإلهام الروحي". هل تعرفين معنى الإلهام الروحي؟ - نعم... شيء يجعلني أكتب، مثل فتح الشهية للطعام. علمنا أنك تكتبين، ما نوع الذي تكتبينه؟ - أكتب القصة القصيرة جداً، وبعض القصائد التي تتناسب مع صغر سني، وهذه قصة "ذهب سعود إلى صلاة الفجر في المسجد الحرام، ثم رفع يديه للدعاء لوالده ووالدته، وعندما ظهر نور الشمس عاد إلى منزله... سعود طفل مهذب، ويحافظ على صلاته في المسجد الحرام، وينام باكرا ليستيقظ باكرا لأداء الصلاة، ولا يزعج والدته ولا والده، فهو ابن مطيع وهادئ". متى كتبت هذه القصة؟ - لم أكتبها بعدُ، بل قلتها الآن لك من خيالي من دون الإستعانة بالقلم والورق فأنا جداً ذكية، لذلك حينما أرى والدي بمزاج سيئ أكتب له رسالة على ورقة جميلة وأقول: "بابا هل ممكن يعني.. ممكن.. يعني بليز.. يعني الله يخليك جيب لي دفتر أوتوغراف مثل اللي عند صديقتي" فيقرأ رسالتي ويحضر الدفتر، لابد أن أفعل هكذا لأنه كان يقول لي "لا" يعني "لا" ففكرت بالرسالة ونجحت. منتهى نموذج رائع للذكاء فهل هناك من يختبر درجة ذكائها؟ لكن يوسف العتيبي متأثر جداً بموقف والدته التي" تشق" أجمل شيء في حياته كما يقول: "أحب كرة القدم كثيراً، وأمي "تشق" الكرة التي ألعب بها، مشكلتي أني مميز في لعب كرة القدم بخفة حركتي، مثل اللاعبين محمد الشلهوب وياسر القحطاني، ولكن أهلي لا يقدرون ذلك، وكل مرة أشتري كرة من مصروفي يشقونها... وش أسوي معهم عقدوني بس "عناد" بأشتري مليون كورة وألعب بطريقتي إلى أن تكبر موهبتي وأجد من يهتم بي". إبراز المواهب يقول الأستاذ سعود المغلوث المرشد المدرسي: إن الوالدين هما من يكتشف موهبة الطفل، هذا فضلاً عن بقية أفراد الأسرة، وإن كان يرتاد المدرسة فحتماً سيكون للمعلم دور رئيس في هذا الاكتشاف، وعلى من اكتشفها، ولنقل الأم المبادرة بصقلها وإيعاز الأب ومعلمي الطفل بالوقوف على تنمية مهاراته قدر الإمكان، وإذا لزم الأمر إحالته إلى جماعة الموهوبين التابعة الى وزارة التربية والتعليم لوجود متخصصين يقومون على عمل مقاييس لنسبة الذكاء، وتوظيف قدراتهم بتطويرها في مجالات تخدم الذات وتعود عليهم وعلى مجتمعهم بالنفع اليسير، مع متابعة الوالدين له قدر الإمكان بتوجيهات من المختصين، وتقديم الطفل في بعض المواقف التي من خلالها يعتمد على نفسه في إبراز مواهبه، مثل مواجهة الجمهور في المسرح أو الطابور الصباحي في الإذاعة، أو إلقاء كلمة الطلاب المتفوقين وهكذا... ولا ننسي جانب التعزيز للطفل في المكافآت التي ترفع من قدراته، وتُحرك مكامن الموهبة وتدفعها الى العطاء أكثر في أي مواقف تبرز الموهبة، أما في كيفية معالجة طفل تعرض الى مواقف تجاه موهبته، أجد الحل المباشر في إفهام من حوله وتغيير معاملتهم له بتعزيز مواقفهم إزاءه من جديد. الدكتور أيوب الأيوب مستشار نادي الحوار والكلام يقول: نستطيع أن ننمي ذكاء الطفل، ويمكن البدء بذلك في سن مبكر ة، والخطوة الأولى هي أن نتعرف على أنواع الذكاء لديه ولو في شكل عام، والخطوة التالية الاستفادة من اختبارات الذكاء خصوصاً عن طريق المراكز المتخصصة للطفل. ملاحظة مدى استمتاعه بتمارين الذكاء المتنوعة أرقام - تذكر - لغة -ألحان كقراءة القرآن بصوت وأسلوب حسن... ولأن هناك اختلافاً في درجات الذكاء، كما أن هناك تفاوتاً في درجاته لا بد من اختبارات الذكاء، مثل اختبار الذكاء العقلي التقليدي المعروف EQ واختبار الذكاء العاطفي IQ .