"أثر التحريض الإلكتروني عبر شبكة الإنترنت بات واضحاً وقد ظهرت نتائجه بشكل ملموس في ما تكشف أثناء الأحداث الإرهابية التي روعت المسلمين في كثير من المدن العربية والإسلامية في السنوات الماضية"، يؤكد الباحث في استخدامات الإنترنت في مركز البحوث والدراسات في كلية الملك فهد الأمنية الدكتور فايز عبد الله الشهري. كما يضيف:"كانت الإنترنت عبر خدماتها المختلفة، وسيلة رئيسة في تقديم الدعم المعنوي والفكري الذي أسهم في شكل يثير الدهشة في تأجيج العواطف وتهييج الانفعالات لدى الشباب بالتركيز على عنصرين مهمين، أولهما الخطاب الحماسي الذي وظّفت فيه نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية في شكل موجه لخدمة خطاب تحريضي صاخب أسهم في شكل مؤثر في ترويج ثقافة العنف في أوساط كثير من الشباب، وثانيها، توظيف الأحداث الدولية والمظالم التي تقع على المسلمين وربطها بشكل متعسف مع بعض القرارات التي تتخذها الدول العربية والإسلامية مضطرة وفق مصالحها، إذ تقوم بعض جماعات التحريض باستغلال انعدام الرقابة على محتوى الإنترنت وذلك بترويج خطاب عاطفي مركز وعنيف تصب مضامينه في ما يؤجج ثقافة التكفير والتفسيق والتشكيك في كل المؤسسات والرموز السياسية والدينية". ويرى أن"البديل المطروح مجموعة من المجاهيل لا تعرف إلا عبر الإنترنت، بل إن أحد أبرز منظري فكر التحريض الإلكتروني كتب أربعة كتب شهيرة ومثيرة، وأصدر عدداً من الفتاوى تحت اسم مستعار، والكارثة أن بعض الشبان تأثروا بأفكاره وكتبه". ويوضح الشهري، أن"الحجب والمنع والقمع الفكري في عالم الإنترنت أحد أضعف حلقات المواجهة، وبخاصة في مجال مواجهة الفكر المخالف لأسباب عدة هي إن لم تنجح كل أساليب الحجب والمصادرة في منع ظهور بعض الأفكار التي يراها المجتمع منحرفة عن الخط العام والتوجه الفكري لأفراده، والأفكار المخالفة غالباً ما تجد نوعاً من الجاذبية عند كثير من الناس، خصوصاً حينما يكون الواقع ومآسيه وقودها الرئيس، وحجب الفكر المخالف لا يتم إلا بتقوية الفكر البديل الذي لا يجد معه مروجو الفتنة والعنف على سبيل المثال طريقاً إلى عقول الشباب، وسياسة الحجب باتت تهمة ومصطلحاً صعب التداول في لغة عصر المعلومات وتطور مفاهيم حرية التعبير والتفكير المحمية بقوانين ونظم دولية تعقد من مهمة مواجهة حتى الأفكار التي ثبت ضررها على المجتمع، ومن الناحية الفنية التقنية يعد الحجب الفني لمواقع الإنترنت هدراً للوقت والمال والجهد". الشفافية ... الحل! ويرى المفكر الدكتور محسن العواجي أن الإنترنت كشفت مكامن الدوائر الفكرية عندما أتاحت هامشاً من الحرية الخرافية للتعبير ليس عن الرأي فحسب، بل عن مكامن النفوس ووساوسها وأمانيها، التي وجدت في مواقع الإنترنت ميداناً فسيحاً للبوح بما يستحيي المرء من قوله علانية. ويضيف"من الطبيعي أن الانترنت أدت دوراً أساسياً في التحريض على العنف في بلادنا وترويجه في وقت يجبن كل مؤيد له أن يكشف عن هويته ويعلن موقفه من دون أن يهرب من عالمه وواقعة إلى التنكر والاختفاء ليس فقط عن مجتمعه، بل حتى عن أهله وأولاده". ويشير العواجي إلى أنه طالما أن مواقع الإنترنت منبر وحيد وفاعل للحركات التي تسمي نفسها جهادية، فلنستعدّ لمزيد من هذه المعاناة". ويؤكد العواجي أنه من الواجب وضع ضوابط قانونية لجميع ما ينشر في الإنترنت لأنها وسيلة إعلام مفتوحة ومؤثرة يمكن أن يمارس فيها جميع المخالفات الإعلامية كالتشهير والتحريض... ويجب أن يتحمل كل صاحب موقع حواري مسؤولية ما ينشر فيه. هل الحل في الحجب؟ ويرى الباحث في استخدامات الإنترنت ومدير قسم الإحصاء والدراسات الجنائية في العاصمة المقدسة العقيد محمد عبد الله منشاوي، أنه يمكن النظر الى الإنترنت مهددة للأمن الاجتماعي، خصوصاً في المجتمعات المغلقة والشرقية، حيث إن تعرّض مثل هذه المجتمعات لقيم وسلوكيات المجتمعات الأخرى قد تسبب تلوثاً ثقافياً يؤدي إلى تفسخ اجتماعي وانهيار في النظام الاجتماعي العام لهذه المجتمعات. وليس في إنشاء المواقع السياسية المعادية أي حرية رأي أو ديمقراطية، بل هي سوء أدب إن يكن بغياً يعاقب عليه الشرع بالقتل". ويضيف، هناك مواقع المنظمات الإرهابية، التي استفادت كثيراً من التقدم التقني فأصبحت غير محددة بقيود الزمان ولا بقيود المكان. كما استغلت هذه العصابات الإرهابية الإمكانات المتاحة في وسائل الإنترنت في تخطيط وتمرير المخططات الإجرامية، وتنفيذ العمليات الإجرامية وتوجيهها بيسر وسهولة. وأوضحت الدراسة الميدانية التي قام بها العقيد منشاوي، والموسومة ب"جرائم الإنترنت في المجتمع السعودي"التي شملت 750 ألفاً من مستخدمي الإنترنت في المملكة، بأن نسبة 4.2 بالمئة من مجموع المشاركين في الدراسة سبق لهم ارتياد مواقع هذه المنظمات الإجرامية، معظمهم من السعوديين 3.3 بالمئة، وأن ما نسبته 5.7 بالمئة من هؤلاء كان هدفهم تنفيذ الأفكار الإجرامية التي تنشرها المواقع، أما ما نسبته 7.4 بالمئة منهم فكان هدفهم الانضمام لتلك المنظمات الإجرامية. كما تبين من الدراسة الميدانية أن مجموع من قام بإنشاء مواقع سياسية معادية هو ما نسبته 2.6 بالمئة من مجموع المشاركين في الدراسة، يمثل السعوديون منهم 1.4 بالمئة. كما تبين من الدراسة أن عدد المشتركين طوعاً في القوائم السياسية المعادية بلغت نسبتهم 13.6 بالمئة، يمثل السعوديون منهم 11 بالمئة. ويؤكد إسهام غرف الشات الدردشة في إقامة العلاقات المتطرفة شأنها في ذلك شأن أي من الخدمات الإلكترونية التي تقدمها شبكة الإنترنت، فالشبكة - وكما أسلفت- سلاح ذو حدين، فإما أن تستخدم للخير أو للشر. والفيصل في هذه المواقع خصوصاً وفي استخدام الإنترنت بعامة هو تحكيم العقل والشرع، مع تفعيل الرقابة الذاتية فهي الأساس هنا ومن دونها فقل على مستخدمي الإنترنت السلام. ويقول أستاذ العلوم السياسية المشارك في كلية العلوم الإدارية في جامعة الملك سعود، طلال ضاحي إذا ما تجاوزت إشكالية تحديد مفهوم"العنصرية"وما يحيط به من غموض، ونرى أن السؤال الأهم هنا هو"هل كانت الانقسامات الفكرية والعنصرية هي وليدة عصر الإنترنت؟"، الإجابة بكل بساطة"لا"، فالانقسامات في الفكر العربي الحديث كانت موجودة قبل ذلك بكثير وإن كان هذا لا ينفي حقيقة أن الإنترنت قد ساعد إلى حد ما في حدتها من خلال طرحه أسئلة أكثر حدة من خلال بعض الأسماء التي تكتب تحت أسماء مستعارة. وعن أثر التحريض الإلكتروني في وجود مساحة يستطيع الشاب من خلالها استقاء أي معلومة خاطئة؟ قال:"هذا السؤال يقودنا بالضرورة إلى الحديث عن مناهج التربية والتعليم التي يفترض لها أن تشكل الحصن الثقافي والعقائدي للشاب ومن ثم فإثارة مثل هذا لسؤال يعني الحديث عن قصور المناهج التعليمية في بلادنا التي لا نغالي كثيراً إن قلنا إنها"تلقينية"في المقام الأول ومن ثم فعملية التأثر واردة". ولا يرى إمكان"حجب"تلك المواقع التحريضية تقنياً ويضيف"وهو ما أشك فيه حقيقة وبالذات في ظل المستجدات -شبه اليومية- في عالم الإنترنت ومن ثم فهمّنا يجب أن يتجه إلى محاولة إيجاد القنوات الأكثر فاعلية، القادرة على تحصين شبابنا عقدياً وفكرياً".