تكتنز منطقة جازان عدداً من الينابيع المعدنية تعرف باسم"العيون الحارة"ويقصدها آلاف الناس من الداخل والخارج ايضاً، خصوصاً في فصل الشتاء، من اجل التداوي والاستشفاء بمياهها الكبريتية بعد أن اثبتت الابحاث العلمية مدى الفوائد الصحية الناجعة التي تجود بها عيون جازان وينابيعها الحارة على المصابين بالامراض الجلدية، وكل من يشكو آلام العظام والروماتيزم، طبقاً لما أدلى به إلى"الحياة"بعض المترددين عليها"ليس الأمر مجرد اعتقاد، بل ثبت بالتجربة، وهناك أناس نعرفهم تحقق لهم الشفاء. وتشير المراجع والكتيبات والأدلة التعريفية بجغرافيا وتاريخ ومعالم المنطقة إلى أن الماضي الجيولوجي اكسب جازان جانباً من أهم المقومات السياحية والذي يتمثل في شهرتها بغنى مياهها الساخنة منها والفاترة على السواء بنسبة كبيرة من المعادن المحتوية على الأملاح والمواد الكيميائية المذابة حيث قد ترتفع حرارة تلك العيون بشكل كبير متجاوزة 50 درجة مئوية بسبب ارتفاعها من أغوار بعيدة من طبقات الارض أو بسبب قربها من البراكين، كما تنخفض حرارة بعض ٍمنها إلى درجة اعتيادية دافئة. وعلى رغم أن الدليل السياحي للمنطقة لا يخص بالذكر من هذه العيون سوى ثلاث باعتبارها الأهم أو ربما لكونها الوحيدة بين ثماني عيون على الأقل، الصالحة للارتياد، اذ تخطى بقليل من العناية ولكن بشكل غير متواصل، وعلى رغم ذلك رصدت"الحياة"العيون الحارة في جازان ووقفت على أحوالها وخصائصها، وتبين لنا أولاً أن معظم الينابيع الحارة تقع في الأجزاء الجبلية وسط مواقع فاتنة وجاذبة، بل مهيأة تماماً من الناحية الطبيعية لأن تتحول إلى منتجعات راقية وقد توافرت الدعائم الاساسية للمكان حيث الماء والخضرة والمنظر الحسن. ينابيع مفقودة العين الحارة في جبال بني مالك على مقربة من الحدود اليمنية 142 كلم شمال شرقي جازان تنبجس من جبل هناك وتنحدر إلى مجرى أحد روافد وادي ضمد، وتتميز بارتفاع حرارتها، وبحسب مشاهدات"الحياة"فإن وغرة بني مالك ? وهذا هو اسمها- تعد في الوقت الحاضر أفضل عيون جازان من حيث حجم الإقبال، ثم الترتيبات المعقولة بعض الشيء ومستوى النظافة وان كان ذلك لا يرقى إلى المأمول بسبب جهل بعض الزوار بأبجديات التعامل الحضاري في استخدام هذا النوع من المياه ويعود الفضل في تميز عين بني مالك أو وادي ضمد إلى"هيئة تطوير جبال فيفا"التي عملت بجهود ذاتية على تهيئة الوغرة وتنظيمها فأوجدت بركة للسباحة وحمامات وشيدت حوضين واحد للرجال وآخر للنساء، كما شيدت على قدر امكاناتها استراحات تصلح مسكناً عابراً للقادمين من أماكن بعيدة. وفي الوقت الذي كانت محافظة الحرث 70 كم جنوب شرق تشتهر باحتضانها العين الحارة الأكثر تعدداً في الخصائص على مستوى بقية عيون المنطقة، فإن ثمة تغييرات وتحولات طبيعية وبشرية معاً أطاحت بتلك المكانة، فبعد أن كانت هذه العين المميزة بشدة حرارتها والتي تنبع من كتلة صخرية بركانية ويستطيع السائر على الطريق العام أن يرى"خيمة"من الدخان الأبيض المتصاعد من أبخرتها ما جعل مياهها ذات حرارة مرتفعة لدرجة أنها تنساب في مجرى وادي خلب لتختلط مياهها بمياه الوادي مسافة نصف كلم، الا أن لا أحد يستطيع مع ذلك الاغتسال في الوادي إبان الصيف لكن العين أصبحت مثار تكهنات كبار السن بإصابتها ب"العين". يقول واحد منهم:"عين لا تصلي على النبي أصابت العين الحارة فمنذ زمن وعين الحرث دفاقة جارية مياهها باستمرار، تتشكل ينابيعها حارة وباردة، وفقدت الآن ينابيعها كلها ما عدا هذا النبع الوحيد الحار". يضحك شاب لتبرير عمه ويقول"لم يفعل شيء بها ذلك غير تعاقب الزمن عليها وهي وحيدة مهجورة لا أحد يتفقدها أو يهتم بها". يضيف صديقه"حتى هذا النبع الحار كان يمكن أن يلحق بإخوته جراء الهجمات المباغتة للسيول لولا أن مصنع الاسمنت القريب منها تطوع على اعادة إحيائها عبر تطوير المكان من كل ذلك الغثاء المتراكم الذي حملته السيول، كما أنشأ المصنع حوضاً طبيعياً جديداً يضم مياه العين ويقوم بتوزيعها باستخدام الضخ الهوائي، وجهزت دورات مياه منفصلة للنساء والرجال، ليأخذ كل جنس راحته في الاستشفاء والاستمتاع من دون مضايقة او اختلاط، فضلاً عن لمسات جمالية قام بها مصنع الاسمنت تمثلت في بنائه استراحة على شكل العشة الجازانية ذلك النمط المعماري الفني البسيط الذي يمثل بعداً تاريخياً وثقافياً للمنطقة". يتنهد علي مشهور بحسرة ويوصل الحديث إلى"الحياة"بأسى"كل جهود المصنع ذهبت سدى كأن شيئاً لم يكن. انظروا اليها، انظروا إلى هذا الخراب العظيم ... أضحت تصدر الوباء بعد أن كانت تقدم العلاج!!". كان واضحاً أن العين تعرضت لاهمال كبير، وبدت كأنها لم تحظ بأدنى صيانة أبداً، يضاف إلى ذلك ما بدا ل"الحياة"من آثار لبعض زائريها ومرتاديها تؤكد أن ثمة بشراً لم يكونوا يجيئون إلى العين الحارة في الحرث، بحثاً عن علاج لأجسادهم أو عظامهم، ربما كانوا مرضى لكن من نوع آخر، لم يجدوا في حرارة العين بغيتهم فانتقموا من المكان برمته، فأحالوه إلى مستنقع آسن!". ثمة عين ثالثة تسمى"البزة"وتقع جنوب مجرى وادي جازان على طريق جازان- العارضة مروراً بأبي عريش وهي تبعد عن مدينة جازان 54 كلم تنبع من أكمة صخرية ثم تنحدر متدفقة بين شجيرات النخيل والحلفاء، أرضها سبخة ويشاهد قاصدها أبخرتها المتصاعدة قبل وصوله إليها بمسافة نصف كلم ... هكذا تصفها المراجع الجغرافية لكن حالتها الراهنة استناداً لما شاهدته"الحياة"تعبر عنه الصورة المنشورة هنا انها ابلغ من كل وصف!. المشهد الحزين وهناك عيون أخرى موجودة في المنطقة أبرزها"الوغرة"تقع في جهة قوا شرق العين الحارة في الحرث بمسافة 4 كلم، وهي أيضاً شمال طريق جازان- الخوبة بمسافة 2 كلم، ويقصدها الناس من جهة اليمن بكثرة، ومنهم من يمكث بها يومين او ثلاثة ايام، وتنبع من صخور إلى مجرى وادي خلب ولها درجة حرارة عين الحرث ذاتها. وثمة عين تسمى"البزة"على اسم بزة العارضة وتقع شرق"أم القضب"50 كلم شمال شرقي جازان جهة وادي شهدانة، وهي ذات ارض سبخة ومياه فاترة... وفي أرض سبخة رمادية اللون تغطيها اشجار الحلفاء وشجيرات متناثرة من النخيل البري يوجد حقل ساخن من المساء يعرف بإسم"العين الحارة"ويقع شمال شرق مباني سكن مشروع سد وادي جازان، ومن صخور اسفل جبال العبادل من الناحية الغربية تنبع عين"المدمع الحارة"وتصب في نفق تشكل طبيعياً ليواصل الجريان إلى الطرف الآخر خلف الجبل من ناحية الشرق... ماء هذه العين نقي تماماً خال من الشوائب كافة، كما تنفرد عين"المدمع الحارة"بمائها المثلج الصافي كالبلور، ولا أحد يعرف عمق النفق الذي تجتازه من الغرب إلى الشرق وهي جارية طوال العام لا تتأثر بالامطار ولا بالجفاف. وعلى رغم كل ذلك، يظل المشهد حزيناً: عيون جازان وهي تدمع بل تبكي بحرقة ومرارة بالغتين، يكاد الرمد المتراكم عبر السنين أن يذهب بما بقي من نور تلك العيون... أجل بما بقي! فليس ثمة غير بقية تقاوم الانطفاء ببعض الوميض الخاطف، كأنما تستغيث وتصرخ بالمستثمرين:"القوا إلي بأموالكم كي تستحم في مياهي، لأبصر اليوم أكثر، وغداً أنتم ستبصرون!". مستقبل سياحي مثمر يجمع أهل جازان على أن معاناة عيونهم الحارة لا شيء يقدر على إنهائها غير الاستثمار السياحي الجريء والمرتكز على الوعي بقيمة هذه الكنوز المطمورة التي وهبها الخالق أرض جازان. ويعلق الجازانيون آمالاً كبيرة على لجنة التنشيط السياحي التي انبثقت أخيراً في إمارة المنطقة بعد أن أعيد ترتيب اوراقها، أي اللجنة، بشكل جديد يهدف إلى جعلها اكثر فاعلية ونشاطاً ومرونة مع المعطيات المتعددة والمتنوعة التي تزخر بها المنطقة. كما علمت"الحياة"من مصادرها هناك، فإن الموضوع او الجانب السياحي يشغل حيزاً لافتاً في اجندة امير جازان وتفكيره، إذ أن الامير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز بات يولي اهتماماً خاصاً وغير عادي بالشأن السياحي للمنطقة وما ينتظره من مستقبل مثمر اذا ما استثمر بالشكل المطلوب ووظفت الإمكانات والمقومات السياحية التي تتوافر عليها منطقة جازان جغرافياً وتاريخياً وثقافياً وجمالياً. طموح الامير لا يتوقف عند حد، وكأنما يستحث الناس كل الناس في جازان على مسايرته في ضرورة اكتساب الوعي السياحي وأهميته في المرحلة المقبلة اذا ما أرادوا لمنطقتهم الازدهار الذي سيضيف لها بالتأكيد والأهم أنه سيضيف للبلد بأكمله.