الاغتصاب الجنسي من أحد المحارم في تزايد، ويُخشى من أنَّ السكوت عليه، وعدم وجود عقاب رادع لمرتكبيها، سيؤديان إلى استفحالها، فقد بتنا نقرأ في صحفنا الوطنية عن حالات لزنا المحارم، وكذا في الحوار الوطني، وفي بعض البرامج التلفزيونية. وقد وردت إلى الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان أكثر من أربع حالات زنا محارم، منها: شكوى شاب في الرابعة والعشرين من عمره، من اغتصاب إخوانه السبعة له منذ الصغر، والتحرش الجنسي ببعض أخواته، حتى بات مريضاً بالسرطان، وبأمراض أخرى عدة، وجاء إلى"الجمعية"طالباً الحماية له ولأخواته من إخوانه، كما طالب بالعلاج النفسي، ومنها: أب زنى بابنته وأودع السجن، وطالبت الجمعية بنزع الولاية منه، وقد استنجدت الأسرة بالجمعية الوطنية لحقوق الإنسان لحمايتها من الأب بعد خروجه من السجن، من ممارسة الزنا بابنته، خصوصاً إن بقيت الولاية عليها بيده، وسعت الجمعية لنزع ولايته. وورود هذه الحالات إلى الجمعية لا يعني أنَّها، كل ما يحدث، فهناك حالات كثيرة حدثت وتحدث، وخصوصاً بين المعوقات، وممَّا يؤسف له حقاً صمت الأمهات عما يرتكبه الآباء والإخوة والأعمام والأخوال. من خلال استطلاع قام به استشاري العلاج النفسي للأطفال والمراهقين في مجمع الأمل الطبي الدكتور علي الزهراني، شمل أكثر من 823 فرداً من طلاب الجامعات والكليات، اتضح أنَّ أكثر من 8.22 في المئة من حالات الاعتداء الجنسي احتل الأقارب فيها الصدارة، يليهم الأصدقاء، ثُمَّ الإخوة والمعلمون، في حين احتل الاعتداء الجنسي من الأب أو الأم المرتبة الأخيرة بنسبة 1 في المئة، وقد تمَّ توزيع الاستبانة على ألفي طالب وطالبة، ولم يستجب سوى 823 فرداً، وقسمت الدراسة إلى ثلاثة أقسام هي: خبرات الطفولة، والمعلومات الشخصية"المعتدى عليه، والأسرة"ووقت الاعتداء، والوضع الحالي للفرد، وأرجع أسباب الاعتداء من الأقارب، إلى الفقر وتدني المستوى الاقتصادي، وزيادة عدد الأطفال للأسرة، إذ انَّه كلما ترافق الفقر مع زيادة عدد الأطفال، ازدادت بالتالي نسبة الاعتداء عليهم، كما أنّ الفقر يدفع الأب أحياناً إلى دفع الأطفال لممارسة البغاء. ونشرت جريدة"الحياة"في الصفحة 8 في 30-4-1426ه 7-6-2005. دراسة للدكتور علي الزهراني نشرتها جريدة"الوفاق"الإلكترونية أجراها في ثلاث مناطق على عينة من طلبة الكليات والجامعات وشرائح من المجتمع، تؤكد أنَّ ربع أطفال السعودية تعرَّضوا للتحرش الجنسي، وأنَّ 62 في المئة منهم رفضوا الإفصاح عن الأشخاص الذين تحرَّشوا بهم، في حين قال 16.6 في المئة منهم انَّ التحرَّش بهم تمَّ من أقرباء لهم، ويرتبطون بعلاقات عائلية معهم، وأشارت الدراسة إلى أنَّ العمر الأكثر عرضة لسوء المعاملة الجنسية من 6 إلى 10 سنوات، وهو العمر الذي تظهر فيه على الطفل علامات الإغراء. وفي عدد مجلة"لها"الصادر بتاريخ 23-11-2005 وردت قصة أسباب هروب شقيقتيْن من منزلهما، وذلك لاغتصابها المتكرر من أخويهما المتزوجيْن، مع علم زوجتيهما بذلك، ولجأت الشقيقتان إلى أحد فاعلي الخير الذي لم يبلغ السلطات بالحادثة، كما أنَّه لم يتصل بالجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، أو بوحدة الإرشاد الاجتماعي في وزارة الشؤون الاجتماعية، لتوفير المكان الآمن لهما، وكل الذي عمله أنَّه أخذ يقنعهما بالعودة إلى بيتهما. وفي إحدى العيادات النفسية في مدينة الرياض، تستعين فتاة تبلغ من العمر 22 عاماً - بالعيادة النفسية لإنقاذ أخواتها الإناث من والدها الذي راودها عن نفسها منذ أن كان عمرها تسعة أعوام، ما دفعها إلى معاملته بقسوة والدعاء عليه. وقالت إن أمها ترى ذلك، لكنها لا تتحدث أو تعترض، وعند استفسار الطبيب النفسي المعالج للأم عن أسباب صمتها، شعر الطبيب من بأن الأم تخشى من شيء يعرفه الزوج ويهددها به. وفي الحوار الوطني الثالث الذي عقد في المدينةالمنورة، روت إحدى المشاركات قصة الأم التي جاءت إلى أحد مستشفيات القصيم حاملة ابنتها ابنة السنتيْن بين الحياة والموت، بعد اغتصاب أبيها لها، وقد فارقت الطفلة الحياة، ولم يتمكَّن الأطباء من إنقاذها. والغريب أنَّ الحكم الشرعي على الأب مرتكب جريمة الزنا بابتنه الذي قال به بعض الأئمة والفقهاء، وهو المطبق عندنا في المملكة، هو التعزير، وطلب التوبة منه، أي أن الحكم غير رادع له، في حين لو ثبت عليه ارتكاب جريمة الزنا بأجنبية عنه يطبق عليه حد الرجم حتى الموت إن كان متزوجاً، وحد الجلد إن كان غير متزوج، ولا يوجد نص في القرآن الكريم يفرق بين زنا المحارم، والزنا بالأجانب، فالزنا هو الزنا، بل زنا المحارم تكون عقوبته مغلظة، والحكم الشرعي في حد الزنا واحد، وإيقاف عقوبة الزنا بالمحارم على التعزير هو اجتهاد من الفقهاء، والفقهاء بشر معرضون للخطأ. فالأخوان المتزوجان اللذان يغتصبان أختيهما عقوبتهما الرجم حتى الموت، أمَّا السكوت على جريمتيهما وعدم معاقبتهما، فيجعلهما وأمثالهما يكرران الجريمة لعدم وجود عقاب يردع كل من تسوِّل له نفسه ارتكاب هذه الجريمة، والغريب أنَّه على رغم ظهور ظاهرة زنا المحارم على السطح، وعلم القضاة والعلماء وواضعي الأنظمة بها، إلا أنه لا يزال البعض يغالي في حضور المحرم، فمن العلماء من أفتى بعدم جواز فتح المرأة الاتصال بالإنترنت من دون حضور محرم معها ، ولا يُسمح لأي امرأة أن تدخل المحكمة إلاَّ ومعها محرم، ومن القضاة من لا يقبلون قضية لمرأة إلاَّ بموافقة المحرم، أو الولي، أو الوكيل، ولا تستطيع أن تتصرف بمالها إلاَّ بوكيل رجل، ولا يحق لها أن تكمل تعليمها، أو تلتحق بعمل - المرأة غير المتزوجة - إلاَّ بموافقة ولي الأمر، حتى لو كان ولي الأمر غير مسؤول عن أي شأن من شؤونها. وللحد من زنا المحارم لا بد من تطبيق حد الزنا على مرتكبيه، والتعامل مع المرأة معاملة كاملي الأهلية، كما يعاملها الإسلام وتشريعاته. [email protected]