الدمام – سحر أبو شاهين مطلقة تحرِّض ابنتها على اتهام والدها باغتصابها ظلماً.. وتخبرها بعلامات لإثبات التهمة عليه. الفاخري: السكوت هو المشكلة.. ولجوء المجني عليه للإنترنت قد يطيح به في الرذيلة. الغامدي: 90% من الاعتداءات في سن الطفولة جنسية. تحرَّجَ عدد من المحامين والقضاة من المشاركة في قضية «الاعتداء على المحارم» بأسمائهم الصريحة، وقال أحدهم إنَّ الحديثَ في هذا الموضوع إعلامياً يُسقطُه من أعين الناس، ويؤثر على سمعته وثقة الناس فيه، لما في هذا الفعل من بشاعة وقبح؛ كونه لا يقتصر على ارتكاب كبيرة من كبائر الذنوب، بل يُخالفُ أنبلَ فطرة عندما ينتهك أبٌ عذريَّة ابنته وفلذة كبده، ويشوِّه مفاهيمَها ومسلَّمَاتِها الثابتةَ عن علاقة البنت بوالدها فيُوقعها ضحيةَ العُقَد والأمراض النفسيَّة، فضلاً عن احتماليَّة فوات فرصتها بأن تكون زوجةً وأُمًّا، وتزداد شناعة هذا الفعل بتأكيد عدد من المختصين عندما تكون بعض هذه الأفعال بالتواطؤ والتراضي بين أخ وأخته أو بين بنت وخالها أو عمها، ورغم أنَّ الثابت هو وجود المشكلة؛ إلا أنَّ صعوباتٍ جمَّةً تُحيط بإثبات حجمها لاعتبارات عديدة، منها صعوبة إثبات الزنا بين المحارم؛ كونَ مجرَّدَ الحديث عنه يَصِمُ العائلة كاملةً بوصمة العار والفساد الأخلاقي، الأمر الذي يجعلُ ما يصل من قضايا للمحاكم قليلاً جداً، كما أنَّ استغلال بعض الأزواج المنفصلين والمتناحرين لهذا الأمر جعل منه وسيلةً في كثير من الأحيان للحصول على الحضانة أو أي مكاسب أخرى، وأيضاً كان لتعدد الجهات التي يمكنُ للمتضرِّر اللجوء إليها، كحقوق الإنسان وفِرَق الحماية من العنف الأسري والشرطة وغيرها.. دورٌ في عدم توفر إحصائية لقضايا «زنا المحارم». توثيق التحرُّش تقول «أم وليد» (مُطلَّقَة في العقد الثالث من عمرها) «لديَّ طفلة في الثالثة من عمرها، وشككت في تعرضها للتحرش من قِبَل والدها الذي كان سيئاً سلوكاً وسيرة، ولكن مع الأسف لم يكن لديَّ الوعي أو الجرأة الكافية كي آخذها للطبيب لأثبت ذلك في حينه، وبعد ثلاثة أشهر وحين تأكَّدتُ من الموضوع لم تكن لديَّ الدلائل الكافية لأثبت ذلك حين رفعتُ عليه دعوى طلاق في المحكمة ودعوى تحرُّش، وكان طليقي قد رفع دعوى لضم حضانة البنت له، وتمكن المحامي من المماطلة وإطالة القضية لمدة أربع سنوات، رغم اقتناع القاضي بوقوع التحرش؛ إلا أنَّه لم يكن يملك بيِّنة، فمنح لوالدِها الحضانة، لتبقى ابنتي بين يدي جلادها». ويقول محاميها (فضَّل عدم الكشف عن اسمه) «من واجب الأم اتجاه حماية أطفالها أن تُجريَ لهم فحصاً طبياً يوثِّق الاعتداءَ في حينه كي يكونَ لدى الأم دليلُ إدانةٍ تُبرزُه للقاضي في المحكمة إذا ما أرادت إبعادَ أبنائها عمَّن يعتدي عليهم أو يغتصبهم». آثار نفسية وتؤكد عبير (في العقد الرابع من عمرها) أنَّهَا مازالت تعاني من الآثار النفسيَّة جرَّاء تحرُّش إخوانها بها، وقالت تضاعفت معاناتي عندما اكتشفتُ تعرض ابني ذي الثمانية أعوام للاغتصاب من قِبَل أخي البالغ من العمر 14 عاماً، وكنت حينها مطلَّقةً، وأُقيم في منزل والدي، واضطُررت للزواج من أول رجلٍ تقدَّم لي حفاظاً على ابني وعلى ابنتي الأخرى (6 سنوات)، خاصةً أنَّ زوجة أبي تكرهُنَا، ولكنَّنِي عدتُ وطُلِّقتُ منه لاحقاً، وأنا الآن لا أستطيع العودة لمنزل أهلي، كما أنَّ والدي لا ينفق علينا ريالاً واحداً، ونأخذ مبلغاً من الضمان، وتساعدنا إحدى الجمعيات الخيرية». سمعة عائلة واستنكر «عبدالله» ما فعلتْه طليقتُه كي تحصلَ على حضانة ابنتهم الشابَّة، بعد أن أوغرت صدرَها عليه، وقال «طلبت من الفتاة رفع دعوة تتهمني فيها باغتصابها، وعندما طلب منها القاضي الإتيان بدليل ذكرت علامات فارقة لا تعرفها غير والدتها، ما أصابني بالذهول لأكتشف لاحقاً أنَّ والدتَها أخبرتها بهذه العلامات كي تُدينَنِي، ولكنَّ الله أراد إثباتَ الحق، فكان تمتع القاضي بالنباهة والذكاء سبباً في براءتي»، مؤكداً أنَّ كلَّ العائلة خسرت سُمعتَها بسبب هذه الدعوى، فمن سيرغب في الزواج بفتاة ادَّعَت في المحكمة أنَّ والدَها اغتصبَها؟! سمعة العائلة ويقول القاضي في وزارة العدل «تحتفظ الشرق باسمه»: لا فرق لدى القضاء في الحكم بين أن يكون الزنا زنا محارم أو أن يكونَ بين شخصين ليست بينهما صلة قرابة، فالحدُّ هو نفسه، فإذا كان الزاني غير مُحصَنٍ حدُّه الجلد مائة جلدة، ويسجن عاماً، أمَّا المُحصَنُ فيُرجَم، مشدداً على أنَّه من ناحية إحصائية علمية، يصعب تحديد حجم الظاهرة من خلال ما يرد إلى القضاءَ منها، كون ما يصل قليل جداً لاعتبارات عديدة منها أنَّ رفع دعوى اغتصاب من قِبَل المفعول به فعلَ الزنا صعبٌ جداً؛ لأنَّ هذا يؤثر على سمعة العائلة ككل، ويصمها بالفساد الكامل، ولأنَّ الفتاة قد تدَّعِي على والدها أو شقيقها أو خالها أو عمها، والعامل الآخر لتعدد الجهات التي يمكن للمتضرر اللجوء إليها، فقد تتصل الفتاة بالشرطة أو بحقوق الإنسان أو بلجان الحماية من العنف التابعة لوزارة الصحة أو بوزارة الشؤون الاجتماعية، وقد يُحَلُّ الموضوع دون حاجة لوصوله إلى المحكمة. صعوبة الإثبات ويشدد القاضي على أنَّ إثبات الاعتداء على المحارم صعبٌ جداً؛ كونه يحدث في أماكن ليست مثار شبهة، وقال «لو كان الشخصان غريبان قد يحدث في فندق مثلاً، أمَّا أن تكون البنت مع والدها في المنزل أو حتى مسافرة معه ومقيمة في فندق فهذا وضع طبيعي، وليس مثاراً للشك، كما أنَّ مخالفة هذا الفعل للفطرة التي عليها غالب الناس يجعل الأمر صعبَ التصديق جداً، ويحتاج إلى قرائن وأدلة قوية جداً، فمن النادر أن تتَّهِمَ البنت أباها، ومن النادر أيضاً أن يفعل أبٌ هذا الجُرم بابنته، ويبقى على القاضي تحديد أيُّ البراءتين أولى، وقد تكون البنتُ صادقةً فيما تقول ولكنَّ ضعف القرائن يُصعِّب إثباتَ ذلك مما يضيِّعُ حقَّها، مؤكداً أنَّ القضاءَ لا يتشوَّق لإثبات هذا النوع من القضايا، فالجهة القضائية دورها تنفيذي معتمد على أدلة وبراهين بخلاف الجهات الأخرى، التي يكون دورها إما وقائياً أو علاجياً. مؤكداً أنَّ المشكلة اجتماعيَّةٌ أكثر منها فقهية أو قضائية قانونية، فتحتاج إلى دراسة اجتماعية للمسألة كاملة: أسبابها، ومدى انتشارها». اتهامات متبادلة ويبين محامٍ (تحتفظ الشرق باسمه) أنَّ حديث المحامي في هذه القضايا إعلامياً يسيء إليه، ولا سيما أنه قد يُفقده زبائنه وثقة الناس فيه، كما أنَّ المحامين يتحرَّجُونَ عادةً مِن تولِّي قضايا «هتك عرض المحارم» لصعوبة إثبات الجناية، ففي بعض الحالات عندما تتهم الفتاة والدها بارتكاب فعل الزنا بها، يتهمها محامي الأب بأنَّ الفتاة سيئة السمعة، وأنَّ مَن فضَّ بكارتَها شخص آخر على علاقة بها، فتصبح القضيةُ اتهاماتٍ متبادلةً بين الطرفين دون دليل، مشيراً إلى أنَّ بعض الحالات تكون فيها الفتاةُ راضيةً بذلك ولا يحدث ذلك رغماً عنها. كبائر الموبقات ويقول الأستاذ المساعد في مقارنة الأديان بكلية الآداب، قسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك فيصل بالأحساء الدكتور هاني الملحم: «هذا النوع من القضايا يعد اجتماعياً تربوياً ومتعلقاً بالأحوال الشخصية أكثر منه شرعياً، أما منظور الشرع له؛ فإنَّ أي فعل يتعدى ضرره الشخصَ في نفسه ليطول ضررُه غيرَه يكون عقابُه أشدَّ، والزنا من كبائر الموبقات التي توعّد الله مرتكبها بالنار والغضب واللعن إلا أن يتوب إلى الله توبةً نصوحاً، وتعامل الشرع مع هذه القضايا بالستر والتحاور مع مرتكب الكبيرة والنصح له، مؤكداً عدم وجود منظور واحد عام يمكن تطبيقُه على كل الحالات بالتساوي، بل لكل قضية حيثياتها؛ فمنها ما هو ناتج عن مرض نفسي أو ضغوط وظروف اجتماعية شديدة. اضطهاد جنسي ويوضِّحُ الاستشاري النفسي الدكتور حاتم الغامدي، أنَّ زنا المحارم يُدرَج ضمن خانة الاتحاد الجنسي في مرحلة الطفولة، كونها تقع غالباً من شخص تعرَّض هو نفسه للاعتداء الجنسي في مرحلة الطفولة فيحدث لديه شرخٌ نفسي؛ لأنَّه حينما يكون طفلا لا يعبِّر عن القلق والخوف الذي مرَّ به في الطفولة، لخوفه من العقوبة لو تكلم بهذا الكلام؛ ما يؤدي إلى كبت نفسي لدى مَن مُورِسَ عليه العنف والأذى على المدى القصير، إضافةً إلى الخوف والتوجُّس والريبة وضعف التفاعل الاجتماعي. أما على المدى البعيد فيؤدي إلى اضطرابات جنسية في أي علاقة زوجية قد يقيمها الشخص، ذكراً كان أم أنثى، فلا يوجد تكيُّف أو انسجام، وكثير من حالات النفور الجنسي من الزوجة لزوجها، أو شذوذ الزوج الجنسي التي تُشَاهَدُ في العيادات النفسية نجد لها أصلاً، فهذا الطفل/ الطفلة تعرّض في مرحلة الطفولة لاعتداء أو تحرُّش في إطار الأسرة إبَّان مرحلة الطفولة، و90% من حالات الاضطهاد في مرحلة الطفولة تكون جنسية، والسكوت عنها وعدم علاجها يؤدي لهذه الآثار. اضطراب هوسي ويضيف الغامدي «يشتدُّ الاضطراب لدى الشخص إذا تكرَّرَت ممارسة الاعتداء ضده، ويتحوَّل هو لمعتدٍ إذا كَبُر، ولذا من الضروري أن يكسر الأهلُ حاجزَ الخوف، ويعالجوا أبناءهم لدى المختص، فبعض السيدات صار لديهنَّ اضطراب هوسي، أي أنها مهووسة بأنَّ ابنتَها تتعرض للاعتداء الجنسي، حتى أنَّها تفحصُ ابنتَها باستمرار، ولدى فحص البنت يتبيَّن أنها سليمة، وهذا الأمر ناتجٌ عن تعرُّض الأم لاعتداء في مرحلة الطفولة، والدراسات أثبتت أن مَن يُتحرَّش به قد يتكرر الفعل معه لإحساسه باللذة واستمتاعه بالأمر، وقد يسعى هو لذلك». وشدَّدَ الغامدي على خطر إغفال الأهل خطر وسائل الإعلام على أبنائهم، وضرورة رقابتها وتوجيههم للبرامج الهادفة، وتقنين زمن مشاهدة التلفاز، بحيث لا يُترَك الحبلُ على غاربه. نصائح مغلوطة وقال عضو جمعية حقوق الإنسان، الدكتور خالد الفاخري، إنَّ السكوت عن المشكلة هو المشكلة، وإنَّ حالات الاعتداء على البنت دون رضاها تكون في الفئة العمرية الأقل من 23 عاماً؛ لأنَّ الفتاة لم تنفتح على المجتمع الخارجي عبر علاقات ونقاشات مع صديقاتها، ما يزيد من معرفتها بحقوقها وطريقة أخذها، وقد تحاول الفتاة الحصول على المساعدة بطرق غير صحيحة عن طريق المنتديات الإلكترونية والشات، وتعرض مشكلتها دون الإفصاح عن نفسها، ما يعرِّضُهَا لنصائح مغلوطة، وقد يستغل بعض سيِّئي السلوك ذلك، وتدخل الفتاة في طريق الانحراف. ودور جمعية حقوق الإنسان هنا يكمن استقبال الحالة ودراستها، والبعد عن البيروقراطية الرسمية في التعامل معها، وتوفير مأوى لها يحميها من المكان الذي تعرَّضَت فيه للاعتداء. وتبدأ متابعة قضيتها من قِبَل الجهات الأمنية والتحقيق والقضاء، ويتميز دور الجهات الحقوقية بأنه رقابيٌّ، يرصد الحالة، ويتابع سير الإجراءات النظامية، بغض النظر عن الشخص الذي تعرَّض للاعتداء، ولابدَّ أن يستخدمَ المعتدى عليه ضمانات الحماية التي توفِّرُها الدولة، فيبلِّغُ عن الاعتداء الذي تعرَّضَ له كي يحصلَ على الحماية، ويكون التبليغ مباشرةً وقت الاعتداء، والخيارات متعددة أمامه، فلديه الشرطة والادعاء العام وحقوق الإنسان والجهات الحقوقية، وهناك تعاون دائم بين جمعية حقوق الإنسان ولجان الحماية من العنف، وغالباً ما يكون هذا النوع من القضايا مستترا، وما يرد للجمعية منه قليل، ولا يعبِّر عن حجم المشكلة.