في كتابه "حياة في الإدارة" أكد وزير العمل الحالي ووزير الصحة السابق الدكتور غازي القصيبي أن أصعب الوزارت الحكومية هي وزارة الصحة، وذلك يعود في نظره إلى أنها تقدم خدمة بالغة الحساسية والدقة لجهة ملامستها لصحة المواطنين، ويتوقع جميع المواطنين من مؤسساتها الطبية أن تقدم لهم أفضل الخدمات وأن كل واحد منهم يعتقد أنه الأحق والأولى بالرعاية من الآخرين، إذ أنه يشعر ما بنفسه ولا يشعر ما يعانيه أولئك، كما أن هذه الوزارة تبدأ علاقتها مع الإنسان من لحظة الميلاد، وتنتهي في ساعة الموت. باختصار يمكن القول إن المهمة التي تصدت لها الإدارة العامة للمراكز الصحية في وزارة الصحة من خلال تبنيهم تطبيق برنامج"المعاملة الحسنة لا تحتاج إلى إمكانات"مهمة صعبة ولكنها بالتأكيد غير مستحيلة، وهو ما أكده القائمون عليها خلال الاحتفال بتدشين البرنامج رسمياً أمس، بمشاركة منسقي البرنامج في إدارات الرعاية الصحية الأولية للشؤون الصحية في المناطق السعودية كافة من خلال الإشارة إلى أن البرنامج يتضمن العديد من البرامج التدريبية والتثقيفية، كما أنه يتضمن خطة للمراجعة الدورية لاستخلاص النتائج الإيجابية والسلبية التي توصل إليها تطبيق البرنامج في مراحله الأربع. فكرة تطبيق البرنامج طرحها أولاً المشرف العام على الإدارة العامة للمراكز الصحية الأولية الدكتور محمد عمر باسليمان ومساعده الدكتور طه الخطيب، وانطلقت أولى مراحلها في الأول من شهر صفر الماضي إلى 30 من الشهر نفسه، وهدفت إلى استيضاح صورة العمل في تلك المراكز، وتحديد السلبيات وإيجاد الحلول لها. وفي هذا الإطار نفذت زيارات سرية إلى عدد من المراكز الصحية، لعب فيها القائمون على البرنامج أحياناً دور المرضى الباحثين عن العلاج، كما وزعت استمارات استبيان على المرضى والمراجعين، وخرج القائمون على البرنامج بقائمة سلبيات بدأت من وضع المداخل وقسم الملفات وانتهت بالصيدلية جميعها تحتاج إلى المراجعة والمعالجة، شملت التأخير في مواعيد فتح تلك المراكز، وفي الشكوى من تعطل الأجهزة، ومن تباعد الأقسام وغرف الفحص، ووجود عدد منها في أماكن غير مناسبة، إضافة إلى الإشكالات المسجلة بين العاملين من الخلافات الشخصية والمشاجرات أحياناً، والتي تمتد أحياناً إلى الصدام مع المرضى. وانتقل فريق عمل البرنامج لاحقاً إلى المرحلة الثانية واستمرت من الأول من شهر ربيع الأول إلى 30 من شهر ربيع الثاني، والتي تتضمن إعداد المادة التدريبية لتطبيق البرنامج، واختيار فريق العمل من القادرين على إيصال المعلومات والرسالة، وتدريب الفريق على المحاور الرئيسة للبرنامج وكيفية تطبيقها، فيما انطلقت المرحلة الثالثة في الأول من شهر جمادى الأولى واستمرت إلى 30 رجب الماضي، وهي مرحلة البدء في تطبيق البرنامج على مستوى مراكز الرعاية الصحية الأولية في المناطق السعودية كافة، وتحديد منسق في إدارات الرعاية الصحية في تلك المناطق. وفي الأول من شهر شعبان الماضي بدأت المرحلة الرابعة والأخيرة من البرنامج والتي تستهدف التعرف على النتائج بالنسبة لمقدمي ومتلقي الخدمة، وتقويم الوضع في مراكز الرعاية الصحية الأولية في المناطق، والاستمرار في تطبيق البرنامج وتقويم الوضع طبقاً للنتائج التي توصلت إليها أعمال التقويم. الآن يسعى القائمون على البرنامج، بحسب المشرف العام على الإدارة العامة للمراكز الصحية الدكتور محمد عمر باسليمان إلى توسيع رقعة تنفيذ البرنامج لتشمل جميع مراكز الرعاية الصحية الأولية في المناطق السعودية كافة، بعد إنجاز مرحلة التطبيق الأولى في إدارات الرعاية الصحية الأولية في كل من الرياض والعاصمة المقدسة وجدة. ويعترف الدكتور باسليمان بوجود العديد من المشكلات في مراكز الرعاية الصحية الأولية، إلا أنه أكد أن الصورة العامة لأداء تلك المراكز إيجابية، مشيراً إلى أن نتائج استبيان أجري في مختلف المناطق كشف عن وجود نسبة رضا عن أداء تلك المراكز تصل إلى 80 في المئة. إلا أن الصورة الذهنية الموجودة عند الكثير من الناس تذهب بعكس ذلك نتيجة الوضع النفسي للكثير من مراجعي تلك المراكز، مطالباً الجميع بالتطلع إلى الأدوار والخدمات الإيجابية وعدم التركيز فقط على السلبيات وقال"نحن نهدف من خلال هذا البرنامج إلى محاربة السلبيات، وتعزيز الإيجابيات الموجودة وهي كثيرة". أما مساعده الدكتور طه الخطيب فحمل على جملة من السلبيات الموجودة في المراكز الصحية منها الإفطار الجماعي للعاملين وقال"تجد العاملين مجتمعين على فطور فول وتميس وتاركين المرضى ينتظرون فراغهم من تناول الإفطار"، والإجازات المرضية للعاملين، والانشغال عن المرضى بالاتصالات الهاتفية، إضافة إلى ظاهرة تقسيم العمل بين الموظفين. وطاولت انتقاداته جودة واتساع مكاتب مديري تلك المراكز، مقابل ضيق وتردي مكاتب الأطباء، واصفاً الأثاث الموجود في مكاتب عدد من المدراء بأنه أكثر تميزاً من أثاث مكتب وزير الصحة نفسه، وحرص الدكتور الخطيب على تأكيد أهمية تصحيح وتحسين آليات العمل في تلك المراكز، مشيراً إلى أن تلك المراكز لا تحتاج إلى إمكانات، بقدر ما تحتاج إلى تعزيز وتحسين سلوكيات التعامل مع المرضى والمراجعين، لافتاً إلى وجود نماذج حسنة في القطاع الصحي أثبتت من خلال لمسات بسيطة إمكان تحسين العلاقة مع المرضى والمراجعين مشيراً إلى"طبيبة عاملة في أحد المستشفيات نجحت من خلال توزيعها لدفاتر وأقلام تلوين في تشجيع الأطفال على التعلق بمراجعتها بشكل دائم". أما منسقة البرنامج الدكتورة زلفى الريس فأشارت إلى أن جولات فريق العمل المشرف على البرنامج كشفت عن وجود حالات عدة لخلافات شخصية بين العاملين أنفسهم تنعكس بالضرورة سلباً على صورة المراكز الصحية. وقالت"في أحد المراكز الصحية وجدنا ست عاملات يتشاجرن سوية، وفي مركز آخر اضطرت طبيبة عربية إلى تكرار تغيبها بعد تحميلها أعباء مقابلة المرضى على اعتبار أنها تجيد اللغة العربية، على عكس زميلتها الأجنبية". خدمة المرضى والإخلاص في العمل من الأشياء التي حرص القائمون على البرنامج عرض قسم يؤديه العاملون في القطاع الصحي، يؤكدون من خلاله العزم على خدمة المرضى، والإخلاص في العمل، يقول هذا القسم: "أقسم بالله العظيم أن أراقب الله في مهنتي، وأن أصون حياة الإنسان في كافة أدوارها، وفي كل الظروف والأحوال باذلاً وسعي في استنقاذها من الهلاك والمرض والألم والقلق، وأن أحفظ للناس كرامتهم، واستر عورتهم، وأكتم سرهم، وأن أكون على الدوام من وسائل رحمة الله، باذلاً رعايتي الطبية للقريب والبعيد، والصالح والخاطئ، والصديق والعدو، وأن أثابر على طلب العلم، وأسخّره لنفع الإنسان لا لأذاه، وأن أوقر من علمني، وأعلم من يصغرني، وأكون أخاً لكل زميل في المهنة الطبية متعاونين على البر والتقوى، وأن تكون حياتي مصداق إيماني في سري وعلانيتي، نقية مما يشينها تجاه الله ورسوله والمؤمنين".